“اسرائيل”: كيان الإجرام والفشل والدعاية المضللة

الجيش الإسرائيلي هو الأكثر اجرامًا في العالم سواء كإجرام منظم تتيحه إرهابية النظام، أو كإجرام عصابات، أي عشوائي كما تربى المستوطنون الذين هم أساس تكوين الجيش وكلّ الأجهزة الأمنية.

2024-02-26

يونس عودة

تملك “إسرائيل” أقوى وأقذر ترسانة حربية في المنطقة وتتنامى تحديثًا وبلا أي رقابة يفترض أن تخضع اليها كغالبية دول العالم، وساسة الكيان على اختلافهم متخمون بالكراهية لأي نوع من السلام ويدركون أن سلامًا عادلًا وحقيقيًا يعني ببساطة نهاية للكيان الذي قام على القتل والاغتصاب، أو بالأحرى نهاية الوظيفة التي انشئ من أجلها، وهو غير قادر على التكيّف مع وظيفة جديدة. الجيش الإسرائيلي هو الأكثر اجرامًا في العالم سواء كإجرام منظم تتيحه إرهابية النظام، أو كإجرام عصابات، أي عشوائي كما تربى المستوطنون الذين هم أساس تكوين الجيش وكلّ الأجهزة الأمنية. وكانت لهؤلاء مجتمعين أقوى ماكينة إعلامية على وجه الأرض في إنتاج الأكاذيب وتسويقها وتبرير الجرائم بمعاونة مطلقة من النظم الغربية التي يجري تصنيعها في غرف الاستخبارات المظلمة.

 

و”إسرائيل” هي الكيان الأكثر رعاية وتمويلًا من الغرب، ولا سيما من الولايات المتحدة المنتج الأكبر للأسلحة القذرة ولسموم مدمّرة للمجتمعات أخلاقيًا وإنسانيًا، وبالأخص المجتمعات التي ارتبطت بثقافة قهرية مطعمة بتوابل الحرية المزيّفة.

 

الجريمة كأحد عناصر مكونات النظام في “إسرائيل” لا تظهّر فقط من خلال المجازر وحرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني، وإنما أيضًا تنعكس هذه الروحيّة المشبعة بالإجرام من خلال قوانين الكيان التي تحكم حالات كأسر الجنود، وهذا ما ينعكس من خلال تعاطي رئيس الحكومة العدو بنيامين نتنياهو مع قضية الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، حيث أطاح مرارًا بما كاد يتوصل إليه المفاوضون الذين يرسلهم، وسرعان ما يستدعيهم ليجهضوا جميعًا بالتكافل والتضامن كلّ ما توصلوا إليه. السرّ هو في ما “سمي بـ “بروتوكول هنيبعل “، وتقوم فلسفته على أن “الجنديّ القتيل أفضل من الجنديّ الأسير”. بالرغم من محاولات عديدة بذلتها الرقابة العسكرية لإخفاء هذا الأمر العسكري وهذا البروتوكول والتستر عليهما، إلا أن جدلًا دار بشأنه وبشأن مدى أخلاقيته، إذ اعتبره كثيرون “أمرًا غير قانوني قطعيًا، ولكن تلك هي “إسرائيل” علمًا أن ما سمي “بروتوكول هنبيعل” لا يتطابق مع تلك الحالة من الأسرى لدى حماس، وإنما يقتضي تطبيق البروتوكول في حالة إحباط عملية الأسر لحظة وقوعها، بحيث يمكن إطلاق نيران على منفذي عملية الأسر ولو أدى ذلك إلى الاطاحة بالجنود الأسرى أيضًا.

 

يرى بعض الذين يحاولون التجرؤ على رفع الصوت ضد هذا البروتوكول أنه ينطوي على جريمة أخلاقية تنبع من وجهة نظر فاشية، تعطي الأولوية للسلطة على الفرد، وأنه إذا كان الفرد المستعد لأن يعرّض حياته للخطر دفاعًا عن “الدولة” يفعل ذلك وهو يعلم أن “الدولة” ستفعل كلّ ما في وسعها لإعادته حيًّا، وأنها لن توجّه سلاحها نحوه، فإن الظروف الآن لا يمكن معها تبنّي مثل هذا التفكير بعيدًا عن الواقع شديد الدموية والقسوة، ليس بحقّ الفلسطينيّ فقط.

 

على الرغم من تعمد تبسيط المسألة، لكنّها في الجوهر تبدو اظهارًا للقتل المشبع بالروح الإجرامية كتكوين بنيوي فاشي إلى جانب التكوين الدعائي القائم على الأكاذيب التي لا تستهدف الأعداء فقط وإنما المستوطنين أنفسهم وقد تجند لذلك “جيش من الاعلاميين” يردّدون ما يزودون به كالببغاوات، وأحيانا الشيء ونقيضه، وفي هذا السياق رصد الكاتب الإسرائيلي روغل ألفر ما وصفه بـ “دراما التضليل” بشأن كيفية تقديم القائد الفلسطيني يحيى السنوار إلى المستوطنين: “جنرالات الإعلام الإسرائيلي الذين كانوا قد أخبرونا أن السنوار “متزوج القضية” على غرار ياسر عرفات، عادوا ليخبرونا أن لديه تسعة أطفال”، مشيرًا إلى “تجند الإعلام الإسرائيلي ودوره في دراما التضليل التي أخرج فيها الشريط الذي قيل انه للسنوار وولديه في أحد الانفاق، كان واضحًا أن هناك يدا خفية غير أنظمة العمل وأنماط التفكير المتشابهة في أوساط الصحافيين الذين يغطون الحرب في القنوات التلفزيونية، من محررين ومقدمين ومعلقين ومراسلين، خلقت شعورا بأن هناك حملة مخطّطة ومنظمة لها هدف واضح”.

 

يقول روغل ألفر متهكمًا على “جنرال الاعلام”: “لا يكفي أن الناطق بلسان الجيش الذي وعد الإسرائيليين بتقديم رأس “السنوار” وغيره ممن اعتبرهم مسؤولين عن أحداث السابع من أكتوبر على طبق، فهو يقوم بعد أربعة أشهر من الحرب بعرض شريط، يظهر فيه السنوار في ثالث أيام الحرب وهو “يتمشى” مع زوجته وأولاده في أحد أنفاق خان يونس الواقعة أقصى جنوبي قطاع غزّة، وكأن جيشه لم يقم خلال الأشهر الأربعة الماضية بـ”قلب” شمال غزّة “رأسا على عقب” و”لم يبق فيها حجرًا على حجر” بحثا عنه وعن رفاقه، كما “نسي” تدمير المستشفيات وحصار مجمع الشفاء الطبي واقتحامه بادعاء أنه يشكّل مقرا تحت الأرض لقيادة حماس وعلى رأسها السنوار”.

 

كل أجهزة الاستخبارات حول العالم بما فيها أجهزة استخبارات العدوّ الصهيوني، ومن خلال التقارير التي نشرت بعيد “طوفان الأقصى” الذي أذهلها وشكل صدمة مرعبة لها، أجمعت تقديراتها على أن المقاومة في غزّة لن تصمد شهرًا أو شهرين على الأكثر، وها هي تختتم الشهر الخامس بحيوية غير مسبوقة، حتّى أن الأجهزة نفسها باتت تردّد ما يقوله المحللون للأحداث سيما أن القتال في شمال غزّة متواصل، وعادت إلى اجترار الأسباب التي حدت بالمقاومة الفلسطينية لإطلاق المارد المحاصر، وفي السياق تعتبر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أنه تبلورت لديها “صورة واضحة جدا” حول الأسباب التي دفعت حركة حماس ورئيسها في قطاع غزّة يحيى السنوار، إلى شن هجوم “طوفان الأقصى”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وذلك بحسب معلومات استخباراتية تم ضبطها أو تحليلها خلال الحرب على غزّة، وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الى وجود خلافات أحيانًا بين شعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”) وبين جهاز الأمن العام (الشاباك)، لكن توجههما متشابه جدًّا في فهم الدوافع، بسبب توفّر معلومات يصفونها بأنها “أدلة صلبة”.

 

وحسب هذه المعلومات التي تقول أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إنها ضبطتها، فإن السنوار توصل إلى قناعة بأنه “انتهت كافة السبل”. وخلال مداولات في الأشهر التي سبقت الحرب، كانت حماس تعتبر أنه “يجب التركيز على إشعال” الضفّة الغربية. لكن كلما مرّ الوقت تبين أن عمليات مسلحة، وكذلك محاولة أسر جنديّ، لن تكون كافية. فقد توصل السنوار والمقربون منه إلى الاستنتاج أن الوضع بات خطيرًا على القضية الفلسطينية. ورأوا أن الوضع القائم في المسجد الأقصى في خطر بسبب اليمين المتطرّف في الحكومة الإسرائيلية، وأن وضع الأسرى يتدهور، وسيتدهور أكثر من دون احتمال لتحريرهم سوى “بعملية اختطاف عملاقة”. كما أن الاعتقاد لدى حماس كان أن اتفاق تطبيع علاقات بين “إسرائيل” والسعودية أصبح قريبا، وأن القضية الفلسطينية ستتراجع في سلم الأولويات، وربما لفترة طويلة.

 

يجهد الكيان الصهيوني بكلّ مكوناته إلى تغييب المسألة الأساس وهي الاحتلال لأرض فلسطين التي لا بديل عنها للشعب الفلسطيني مهما توزعت الخيارات وضمنها العربية، التي تحاكي الاجرام والفشل والضياع والدعاية الإسرائيليين.

المصدر: العهد