د. جمال واكيم
تتواصل المجازر الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول أكتوبر ما أدى إلى سقوط عشرات آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين، إضافة إلى التدمير شبه الكامل لقطاع غزّة على صعيد الوحدات السكنية والبنى التحتية. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن الغرب بشكل عام لم يتحرك للتنديد بالمجازر الإسرائيلية، بل إن غالبيته ما تزال تدعم هذه الحرب وتقف سدًا منيعًا في وجه أي قرار لوقف إطلاق النار بذريعة أن لـ”إسرائيل” حق الدفاع عن نفسها. هذا الأمر يطرح إشكالية الوجدان الأخلاقي للغرب والأسباب التي تجعله يدعم “إسرائيل” من دون قيد أو شرط، بما يخالف القوانين والشرائع الدولية المرتبطة بحق تقرير المصير وحقوق الإنسان التي صاغها الغرب نفسه خلال القرن الماضي.
فما هو السبب الذي يجعل الغرب داعمًا للمجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني؟
يرى أستاذ الفلسفة وعضو مجموعة أناستاسيس فوكو جولياني أن هنالك أسبابًا تاريخية وسياسية تدفع حلفاء “إسرائيل” الغربيين إلى إضفاء الشرعية على حق الأقوى في الصراع مع غزّة من دون أي خطة حقيقية لفرض عقوبات تسمح بمنع “إسرائيل” من مواصلة حربها غير الإنسانية ضدّ الفلسطينيين. وهو يرى أن الدول الغربية متواطئة في المجازر التي تحصل ضدّ الفلسطينيين في غزّة. ويؤكد جولياني أنه بعد مرور أشهر على حرب الإبادة التي تشن ضدّ غزّة، والتي سقط فيها عشرات آلاف الفلسطينيين، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يكتفي بالدعوة إلى وقف إطلاق النار بشكل خجول مع عدم وجود خطة لفرض عقوبات على “إسرائيل”، بل إن العقوبات فرضت على بعض المستوطنين المتطرّفين. أما في البرامج التلفزيونية ومحطات الإذاعة، وعندما تتم مناقشة مسألة الحرب في فلسطين، لا يُطلب من الضيوف “إدانة” المذابح التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضدّ المدنيين الفلسطينيين، كما لا يُطلب منهم أن ينأوا بأنفسهم عن المجتمع العسكري الذي يزود “إسرائيل” بالأسلحة.
ولذلك؛ فإن التصور الإعلامي السائد هو أن ما يجري حاليًا لا يتطلب إدانة عالمية وأن إضفاء الشرعية على قتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين لا ينال من الأخلاق الأساسية والجدية الفكرية للمحاور. ومن المقبول عمومًا الاعتقاد بأن كلّ هذه الوفيات هي ضحايا جانبية مؤسفة لعملية عسكرية محفوفة بالمخاطر ولكنها ضرورية. وهذا برأيه يجعل الغرب، حكومات وشعوبًا، متورطًا في هذه المذابح وشريكًا فيها.
ويرى جوليان أن السبب الأول للتواطؤ الغربي مع “إسرائيل” يكمن في التصور الخاطئ للكيان الإسرائيلي، والذي ينظر إليه كثيرون على أنه “دولة عقلانية يحكمها القانون، ومعنية بالاستخدام المحدود والمتناسب للعنف”، وهو الأمر الذي ثبت زيفه.
ولأسباب تاريخية، مرتبطة بميلاد ما يسمى “دولة “إسرائيل” بعد المحرقة”، وسياسية مرتبطة بوضعها حليفًا من الدرجة الأولى للغرب، فالدول الغربية ترفض الاعتراف بحقيقة أن “إسرائيل” تقوم على الفصل العنصري ضدّ الفلسطينيين.
أما السبب الثاني؛ فهو رؤية الغرب لمجمل الشعب الفلسطيني في أنّه ينتمي إلى الإسلام السياسي بنسخته المزورة “المتطرفة” مع رسوخ صورة تنظيم “القاعدة” وأسامة بن لادن في أذهانهم. ويشير جولياني إلى أنه إذا كانت المحن والمعاناة التاريخية للفلسطينيين قد أسهمت في ظهور ما وصفها بـ”القوى المتطرّفة المعادية للسامية بشكل علني، فلا بد أن يكون من الخطأ الاعتقاد بأن هذا يعكس حقيقة الشعب الفلسطيني”؛ بحسب تعبيره.
ولا بد أن هذا مرتبط بعداء غربي تاريخي للإسلام منبثق عن الحروب الصليبية في القرون الوسطى. لذلك؛ جولياني يشير إلى أنه من الخطأ تصوير الإسلام على أنه دين عنيف، ما من شأنه أن يلغي إمكان إقامة شراكة روحية بين المسيحية الغربية والإسلام، وهذا يجعل الغرب ينظر إلى الفلسطينيين على أنّهم شعب همجي في ما ينظر إلى “إسرائيل” على أنها حصن للحضارة الغربية ضدّ الإرهاب الدولي، ما يسهم في التخفيف من وقع جرائمها ضدّ الفلسطينيين.
ويرى جولياني أن التواطؤ الغربي مع المجازر التي تحصل في غزّة يعود إلى الأسباب المذكورة أعلاه، ومن الواضح أن صعود قوة نظرية صراع الحضارات في الغرب، وخصوصًا في فرنسا التي يروج لها اليمين المتطرّف، تعدّ ظاهرة مقلقة للغاية.
والأكثر إثارة للقلق هو حقيقة أن هذه النظرية تنتشر في المجتمع، حتّى في العقول التي ليست عرضة لهذا النوع من الطروحات، ما يجعل معظم الجمهور الغربي يبرر المجازر الإسرائيلية “بأنها حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها ضدّ الإرهاب الجهادي”؛ بحسب تعبير جولياني.
فلسطين المحتلةالكيان الصهيوني
أ.ش