يمثّل نتنياهو عدداً من الأنماط السلوكية التي تتصف بالأنانية والطموح الشخصي الذي يتغلّب على أي اعتبارات أيديولوجية، هذا ما خلص إليه البروفيسور الإسرائيلي شاؤول كيمحي الخبير في علم النفس، كما أضاف واصفاً إياه بأنه “أناني، ذئب وحيد، نوع الشخص الذي قد تقول إنه ليس له إله”. لا يختلف بايدن كثيراً عن هذا التوصيف في ظل مسار سياسي على المحك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، في هذا الصدد، نشرت صحيفة معآريف مقالاً ترجمه موقع “الخنادق”، يتحدث فيه الكاتب عن الزعيمين المتعطشين للسلطة، الذين تخلّوا عن مبادئهم نظراً لاعتباراتهم الشخصية، ويعود بالتاريخ إلى حكم بن غوريون وبحنين إلى الماضي يسأل “أين نتنياهو وأين بن غوريون؟”.
النص المترجم للمقال
كل من يحاول تحليل وفهم وضعنا الإشكالي في هذه الأيام الرهيبة يجب أن يبحر بخياله إلى مستقبل ما سيكتبه المؤرخون عندما يختتمون الفترة الأكثر مرارة في تاريخ “دولة إسرائيل”. سيكتبون في التاريخ أن ما غطّى على هذه الكارثة الرهيبة، التي نشأت بوضوح نتيجة لسوء الفهم، وفشل استخباراتي خطير وفشل أمني لا يُغتفر، هو حقيقة أن أمن “إسرائيل” ومصيرها كانا في أيدي زعيمين متعطشين للسلطة. أن مصالحهم الشخصية وبقاءهم السياسي تغلبت على وجهة نظر صحيحة وحكيمة للوضع والاعتبارات الحقيقية.
الأول هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي، أمضى 15 عاماً من الحكم ازدهرت فيه “إسرائيل” اقتصادياً، وأصبحت أكثر قوّة وابتكاراً في مجال التكنولوجيا، ما جعله، واحداً من أنجح رؤساء الوزراء الذين عرفتهم الدولة على الإطلاق. لكن جاء 7 أكتوبر والأيام التي تلت ذلك وكشفت عن نقاط ضعفه، التي تم التعبير عنها في افتقاده إلى المصداقية التي تميّز بها خلال هذه الفترة، في التقلبات السياسية السخيفة، كشخص يتحدث بنحو معين ويفعل خلاف ذلك، كشخص تصرّف خلافاً لضميره، وآرائه الحقيقية، في حين يخضع للرؤى المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي، الذي كان ينئ بنفسه عنها طوال سنوات حكمه، وعلى هذا النحو، فقد أخطأ في حق قيادته، والدولة، وشعب “إسرائيل”، وخاصة العديد من ناخبيه ومؤيديه باتخاذ قرارات غريبة ذات اتجاهين متناقضين.
أما الشخصية الأخرى المثيرة للمشاكل والمأساوية في هذه الملحمة فهي الرئيس الأميركي جو بايدن، أحد أكثر الرؤساء تودداً لدولة “إسرائيل”، والذي عمل من أجلها خلال مسيرته السياسية الطويلة، وتعاطفه قد تم التعبير عنه في الساعات الأولى والأكثر صعوبة من 7أكتوبر، عندما جاء لمساعدة “إسرائيل” بكل قوته. ولكن عندما بدأ التعاطف يظهر في استطلاعات الرأي ويعرّض انتخابه كرئيس للخطر في الانتخابات المقبلة (نوفمبر 2024)، عدّل بايدن من سياسته، وبدأ بالضغط على نهاية الحرب بينما كان الجيش الإسرائيلي لا يزال يعمل على الإطاحة بنظام حماس، وعمل كذلك على منع “إسرائيل” من تنفيذ مواجهة ضد حزب الله، بينما تم تشريد عشرات الآلاف من سكان الشمال، وفي تناقض تام مع الرئيس المتعاطف والداعم. حيث يبدو أنه يعمل على منع انتصار إسرائيلي. كل هذا كان بسبب اعتبارات سياسية شخصية أدت إلى تفاقم المأساة التي حلت بدولة “إسرائيل”.
في واقع آخر، مع قادة آخرين لم تكن مصالحهم الشخصية جزءاً مهيمناً من سلّم اعتباراتهم، كان من المحتمل أن يبدو كل شيء مختلفاً. كم هو محزن التفكير بالأمر هذه الأيام. إن هذا الفصل المحزن في تاريخ “إسرائيل” يتطلب نظرة إلى الوراء، وإلى الأيام الأولى منذ بناء الدولة، ولنكون أكثر دقّة، إلى قيادة رئيس الوزراء الأول ديفيد بن غوريون، الذي تأسست بفضله دولة “إسرائيل”. وخلافاً لنتنياهو، أثبت بن غوريون ما هي القيادة الشجاعة والحقيقية، حيث تحمّل مسؤولية استثنائية مع العديد من المخاطر، دون خلفية عسكرية، ودون آراء استخباراتية، ودون أي معلومات أخرى. مع جيش صغير وهشّ، مع عدم وجود أسلحة مناسبة، في واقع اقتصادي صعب للغاية، ودون أدنى مراعاة للاعتبارات الشخصية. لم ير بن غوريون أمام عينيه سوى خير الدولة ومستقبل “إسرائيل” بعد المحرقة. أعلن عن قيام الدولة، وبعد ساعات اضطر إلى أن يأمر الجيش الإسرائيلي في مهده بشن حرب بقاء ضد الجيوش العربية وعصابات العرب الإسرائيليين الذين انضموا معاً في جيوش مسلّحة ومنظمة جيداً لرمي الجالية اليهودية في البحر. روح الوحدة الوطنية والتصميم الذي رأيناه يهب في صفوف الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وفي الحدود الشمالية. نفس الروح، ولكن ليس القيادة نفسها، وهذا هو الفرق الكبير على مختلف المستويات. أين نتنياهو وأين بن غوريون؟
أ.ش