مهرجان برلين يصدح بغزة.. ألمانيا تحارب الكلمة

تقوم الحكومة الاتحادية الألمانية بتمويل مهرجان برلين السينمائي "برليناله" من خلال تمويل بقيمة 12،6 مليون يورو، من مفوض الحكومة الفيدرالية للثقافة والإعلام، فيما يتصاعد دعم الكيان الإرهابي بعد الحادثة من قبل بعض المسؤولين الألمان وعدم اكتراثهم بمأساة الفلسطينيين.

2024-02-28

أثار الحفل الختامي لمهرجان برلين السينمائي موجة من الغضب، بعد اتهامات بمعاداة السامية، وفيما أساءت الصحف ووسائل الإعلام الألمانية الشعبوية بتضخيم الادعاءات والدعوات لإقالة المسؤولين ومحاسبتهم، وطالبت وزيرة الثقافة بالاستقالة، واستنكرت الصحف ذات الجرأة والموضوعية الحقيقة وتطرقت إلى ردود فعل السياسيين الألمان، مشددة على ضرورة تدخل المستشار الألماني أولاف شولتس وإصدار تصريح يوضح موقفه من الأحداث، وبعد حفل توزيع جوائز “برليناله” ظهرت ادعاءات بمعاداة السامية نتيجة للتصريحات حول الصراع بين “إسرائيل” وغزة، وانتقد سفير الكيان الإسرائيلي رون بروسور بشدة “المشهد الثقافي الألماني”، ومن بين الانتقادات البارزة التي وجهها السفير الإسرائيلي كانت تصرفات المخرج الأمريكي التجريبي بن راسل الذي صعد على خشبة المسرح مرتديًا الكوفية الفلسطينية، حيث انتقد بشدة الإبادة الجماعية وسلوك “إسرائيل” في قطاع غزة، والذي لاقى خطابه إعجابًا وتصفيقًا من الجمهور.

 

 

فلسطين حرة من النهر إلى البحر

 

تم تداول صور لعضوة لجنة التحكيم الفرنسية فيرينا بارافيل وهي تعلق ورقة على ظهرها كُتب عليها بأحرف كبيرة واضحة “وقف إطلاق النار الآن!” في حفل اختتام “برليناله”، وقام العديد من العاملين على خشبة المسرح بارتداء شارات مماثلة، وحسب السفير الإسرائيلي، فإن الجميع ذكر غزة، ولم يذكر الفائزون بالجائزة هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وطالت الاتهامات ادعاءات ضد المخرج الفلسطيني باسل عدرا بفيلمه “لا أرض أخرى”، حيث دعا عدرا ألمانيا إلى التوقف عن تزويد “إسرائيل” بالأسلحة، ودعا زميله الإسرائيلي يوفال أبراهام إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال.

 

وبالمقابل، تصرفت إدارة المهرجان بإيضاح من مارييت ريسنبيك، المديرة المشاركة لمهرجان برلين، في بداية الحفل، حيث أكدت على عدم وجود مكان في مهرجان الأفلام “برليناله” لما أسمته خطاب الكراهية ومعاداة السامية ومعاداة المسلمين وأي شكل من أشكال التمييز، ووصفت حرب غزة بأنها “كارثة إنسانية”، كما قالت: “إننا ندعو حماس إلى إطلاق سراح الرهائن على الفور، وندعو “إسرائيل” إلى بذل كل ما في وسعها لحماية السكان المدنيين في غزة وضمان إمكانية استعادة السلام الدائم في المنطقة، القتال يجب أن يتوقف، فيما اوضح منظمو المهرجان السينمائي أن التصريحات التي أدلى بها الفائزون بالجوائز تعتبر آراءً مستقلة وفردية و”لا تعكس بأي حال من الأحوال موقف المهرجان”، وأكدوا في بيان أنه “طالما ظلوا ضمن الحدود القانونية، فكان لا بد من قبولهم”.

 

وفيما يتعلق بالمطالبة بإقالة وزيرة الثقافة، حمّلت صحيفة بيلد الألمانية وزيرة الثقافة كلوديا روت المسؤولية، وأشارت إلى دعوى قضائية مقدمة ضدها في البرلمان من البرلمانية غيتا كونيما، تحمل فيها ادعاءات خطيرة ضد روت، معتبرة ما حصل فضيحة سياسية نتجت عن تقاعس الوزيرة الألمانية كلوديا روت (68 عامًا، حزب الخضر) التي تتولى مسؤولية الفن والثقافة في ألمانيا منذ ديسمبر 2021، وأضافت بيلد: “لنذكر أولاً فضيحة كراهية اليهود في معرض ’دوكومنتا’ الفني في عام 2022 والذي عرض لوحات معادية للسامية، والآن حفل توزيع الجوائز في برليناله 2024، حيث ألقى أعضاء لجنة التحكيم وصانعو الأفلام خطابات متحيزة مناهضة لإسرائيل، وشوّهوا الدولة اليهودية والتزموا الصمت بشأن حماس”.

 

مناصرو فلسطين يحظون بدعم الوزيرة كما تزعم أبواق الكيان في ألمانيا، ويقول إنه تم تعيين الكاميروني بونافنتورا سوه بيجينغ نديكونغ (47 عامًا) رئيسًا لبيت الثقافات العالمية في برلين (HKW)، على الرغم من أنه دعا مرارًا إلى “تحرير فلسطين”، وعندما سئلت كلوديا روت عن ذلك، قالت: “يجب أن يتم الحكم عليه بالدرجة الأولى على إنجازه الفني”، أما على منصة إنستغرام، فقد نشر محرر صحيفة “فيلت” الألمانية، فريدريش شندلر، لقطات قيل إنها ظهرت على حساب مسابقة “بانوراما” في برلين، وتظهر صورة حصان على شاطئ البحر تحمل شعار “فلسطين حرة من النهر إلى البحر”.

 

والمهرجان حمل شعارات لنصرة غزة وإنهاء إرهاب الدولة الذي تموله ألمانيا، وبعد وقت قصير، لم يعد من الممكن العثور على المشاركات، وفي حينه، هدد وزير العدل الألماني ماركو بوشمان بالملاحقة الجنائية في أعقاب التعليقات المؤيدة للفلسطينيين في مهرجان برلين السينمائي في نهاية الأسبوع، وأوضح في تصريح لمجموعة فونكه الإعلامية الألمانية، أن استخدام شعار “فلسطين حرة من النهر إلى البحر” على سبيل المثال، يمكن تفسيره على أنه تغاضٍ عن جرائم القتل التي ارتُكبت في الكيان كجزء من هجمات حماس في أكتوبر 2023، مؤكدًا أن القانون الجنائي مجهز جيدًا لمعاقبة التصريحات المعادية للسامية.

 

من ناحية أخرى، قال منظمو “برلين السينمائي” بالمهرجان عن المنشور الذي تمت إزالته: إن الحساب تعرض للاختراق، وإنهم لا يحملون أي مسؤولية نتيجة ما حدث، لكن وزيرة الثقافة كلوديا روت اهتمامها بما حدث في مهرجان برلين السينمائي، وخاصة أحداث الحفل الختامي، وقالت إنها ستحقق في الأمر، وأضافت إنه “ينبغي دراسة ما حدث والتحقيق في هذه الادعاءات، بيد أننا نريد أن نعرف هل نريد هذا المهرجان ليكون مكانًا للتنوع ووجهات النظر المختلفة والحوار أم لا”، وقالت الوزيرة إنها تريد ضمان أن يكون المهرجان في المستقبل خاليًا من الكراهية للجميع، لليهود وللمسلمين أيضًا، وأضافت: “لا يجب أن يكون المهرجان منصة لمعاداة السامية ولا معاداة المسلمين وأيضًا أي نوع من الكراهية”.

 

وتقوم الحكومة الاتحادية الألمانية بتمويل مهرجان برلين السينمائي “برليناله” من خلال تمويل بقيمة 12،6 مليون يورو، من مفوض الحكومة الفيدرالية للثقافة والإعلام، فيما يتصاعد دعم الكيان الإرهابي بعد الحادثة من قبل بعض المسؤولين الألمان وعدم اكتراثهم بمأساة الفلسطينيين، حيث كتب عمدة برلين كاي فيغنر (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي) عن الحادث على منصة إكس: “ما حدث في برليناله كان لا يطاق”، وأوضح أن “معاداة السامية ليس لها مكان في برلين، وهذا ينطبق أيضا على المشهد الفني”، وأضاف: “أتوقع من الإدارة الجديدة لبرليناله أن تضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث مرة أخرى”.

 

أيضا، المستشار الألماني أولاف شولتس، أدان التصريحات التي تنتقد “إسرائيل” في “برليناله”، وقالت نائبة المتحدثة باسم الحكومة، كريستيان هوفمان في برلين، إن شولتس يوافق على أنه “لا يمكن السماح بمثل هذا الموقف الأحادي، ومن المهم في أي نقاش حول هذا الموضوع، أن نأخذ في الاعتبار الأسباب التي أدت إلى هذا التصعيد المتجدد للصراع، وبالتحديد هجوم حماس على “إسرائيل”في 7 أكتوبر 2023” وفق قولها.

 

 

دعم ألماني لمجازر الاحتلال

 

لا شك أن القرارات والمواقف الألمانية تشكل دعمًا واضحًا لكيان الاحتلال الذي بات يُعرف دوليًا بصفات “الفاشية” و”الفصل العنصري”، وعلى الرغم من جرائم “إسرائيل” المتصاعدة بحق الفلسطينيين – أصحاب الأرض والمقدسات -، ومخالفة كل القوانين الأخلاقية والإنسانية والدولية من قبل العصابات الصهيونية، تُصر الحكومة الألمانية التي تربطها علاقات جيدة بتل أبيب أن تواصل الضغط على الفلسطينيين ومن يساندهم أينما وجدوا.

 

ومن ناحية أخرى، لا ترغب ألمانيا – صاحبة الشعارات الحقوقية الزائفة – بتعكير صفو علاقتها مع مجرمي الحرب الصهاينة الذين ينزعجون بشدة من أدنى انتقاد لهم حول جرائم سلب الأرض والمجازر التي يرتكبونها كل يوم بحق هذا الشعب الذي حاولت تل أبيب ومن يدعمها إبادته عن بكرة أبيه، وقد شهدنا مراراً مدى الاستماتة الإسرائيلية لدفع برلين لاتخاذ خطوات لمحاربة الفلسطينيين ومن يدعم مقاومتهم، فالفلسطينيون لا يملون من مقاومة المستعمرين بكل الوسائل.

 

لهذا كثيراً ما نشاهد إنهاء عقود عمل الفلسطينيين، بسبب حديثهم المتكرر عن انتهاكات حقوق الإنسانية الإسرائيلية، ناهيك عن الموظفين العرب والأجانب، سواء شاركوا في فعالية مناصرة للشعب الفلسطينيّ أو تفوهوا بكلمة في هذا الإطار، أو حتى كتبوا منشورات على إحدى وسائل التواصل الاجتماعيّ باعتبارهم صحفيين – على الأقل -، في انتهاك صارخ لحرية الرأي والتعبير الذي تتشدق بها ألمانيا، والتي أثقبت مسامع العالم بها عبر كل مسؤوليها ووسائل إعلامها المتحيزة للقتلة.

 

وبات موقف الدفاع عن المظلوم أو إحدى القضايا الأهم دوليّاً، جريمة وتهمة خطيرة بالنسبة لهذا البلد، في وقت تتخذ فيه العصابات الصهيونيّة قرار محاربة وإبادة الفلسطينيين ومن يوالي قضيتهم المحقة في مختلف الميادين، وقد شاهدنا في هذه القضية ثمن التعبير عن الرأي على الأراضي الألمانية، فهل من المعقول في دول العالم “الأول” أن تُطرد من عملك كوزير نتيجة لمواقفك السياسية والإنسانية والحقوقية والاجتماعية؟.

 

“هجوم صارخ على حرية التعبير وعلى الصحفيين وعلى الهوية الإنسانيّة”، هكذا يمكن وصف الموقف الألمانيّ من قضايا المناصرين لفلسطين، وخاصة أن أصحاب مزاعم “حرية الرأي والتعبير” تصيبهم نوبة هيستيريّة شديدة – نتيجة الضغط الإسرائيليّ -، ما يدفعهم لمحاربة كل ما يشكل “رأس حربة” برأيهم في معركة الدفاع عن قضية فلسطين ضد العصابات الصهيونيّة الفاشيّة، وإضافة إلى منع مساندة الفلسطينيين في ألمانيا لقوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة والأهالي المحاصرين بين فكي كماشة الاحتلال، بما يوصل رسالة لمن يناضل من أجل حقوق المرأة وحقوق الإنسان وحريات التعبير، مفادها “ألمانيا ليست مكانك المناسب”.

 

في النهاية، في الوقت الذي تشهد فيه الأراضي الألمانيّة سلسلة تضييقات غير مسبوقة إزاء أيّ نشاط أو سلوك متعلق بدعم القضية الفلسطينيّة داخل مؤسساتها العامة والخاصة، سواء ضد الفلسطينيين أم غيرهم المتضامنين مع القضية الفلسطينية، يزداد الدعم الألمانيّ المباشر للكيان الغاشم يوماً بعد آخر، وقد اختارت برلين، حسب مواقفها، الوقوف في صف العصابات الإرهابيّة التي باتت تؤرقها مواقف وكلمات وأشخاص ومنشورات مرتبطة وغير مرتبطة بها حتى.

 

وبات واضحاً للقاضي والداني أنّ إظهار أيّ دعم علنيّ لفلسطين يعتبر تُهمة كافية للمحاربة ومخالفة كبرى للقانون الألمانيّ، في ظل تعامٍ قذر من تلك الدول عن جرائم الكيان الصهيونيّ، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه العنصريّة البشعة بحق أصحاب الأرض، وأظهرت الحكومة الألمانيّة نفسها كداعم أول للعصابات الصهيونيّة، وبدل أن تتخلى عن تاريخها النازيّ، باتت تطبقه على الفلسطينيين والداعمين لفلسطين، كما أنّ المؤسسات الإعلاميّة الألمانية – التي تدعي التحرر التام – وضعت نفسها في مأزق حرج نتيجة لتلك القضايا.

 

أ.ش