وقالت المنظمة في تقريرها أن محمود عبد الجبَّار كان فتًى قاصرًا يبلغ من العمر 17 عامًا عندما اعتقلته السلطات البحرينية بعد مطاردته في شوارع بلدة كرانة في 13 نوفمبر 2019 من دون تقديم مذكرة توقيف. تعرّض محمود خلال احتجازه للتعذيب والصَّعق بالكهرباء والحرق. استجوب من دون حضور محاميه، وتعرض للمحاكمة غير العادلة المبنية على اعترافات منتزعة تحت التعذيب، كما تعرض للإهمال الطبي. وهو يقضي حاليًا حكمه الصادر بالسجن 10 سنوات بتهمٍ ذات خلفياتٍ سياسيةٍ في سجن جو بعد نقله من سجن الحوض الجاف لصغار المحكومين و بعد أن أتم الحادية والعشرين من عمره.
في 13 نوفمبر 2019، قبضَ ضباط بزيٍّ مدني على محمود بعد مطاردته بسياراتٍ لا تحمل أي علامة أو شعار قبل اقترابهم منه في الشارع، من دون إبراز مذكَّرة توقيف أو التبليغ بسبب الاعتقال. رغم السَّماح له بالاتصال بعائلته في نفس اللَّيلة من تاريخ اعتقاله، انقطع التَّواصل معه ابتداءً من الساعة الثامنة والنصف مساءً. واصلت أسرته بحثها عنه خلال تلك الفترة في المراكز والمستشفيات قبل علمها أخيرًا أن محمود محتجزٌ لدى مديريَّة التحقيقات الجنائيَّة.
استُجوِبَ محمود تقريبًا من سبعة إلى تسعة أيام في مديريَّة التحقيقات الجنائيَّة من دون حضور محامٍ. وطيلة مدّة التحقيق تعرَّض للتَّعذيب والصَّعق بالكهرباء والحرق بغرض إجباره على الاعتراف. حُرِمَ من تلقّي علاج الإصابات التي لحقت به خلال استجوابهِ، لأن الطَّبيب الذي أجرى الفحص الطبّي ادَّعى أن الحرق في المنطقة الحساسة لم يكن نتيجة التَّعذيب، بل وقع في “مسرح الجريمة” عند اعتقاله، وهو أمر غير واقعي لأن لا وجود لعلامات إصابة على أي جزءٍ آخر من جسده. تم استخدام اعتراف محمود القسري كدليل ضده لاحقا في المحكمة.
بعد استجوابه، مثّل محمود أمام النيابة العامة التي أمرت باعتقاله لمدَّة شهرين. نُقِلَ بعدها إلى سجن الحوض الجاف، حيث سُمح له بعد أسبوع بمقابلةِ أسرته لأول مرة منذ اعتقاله. ظلَّ والداه يجهلان التُّهم الموجهة إليه في الأشهر الأولى من اعتقاله.
حكمت محكمة الجنايات الكبرى في 30 نوفمبر 2020 على محمود بالسجن لمدة عشر سنوات بعد اتهامه بالانضمام لخلية إرهابية إرهابي. تم تقديم أدلَّة في دفاع محمود لكن المحكمة لم تأخذها بعينِ الاعتبار بعد الطعونات التي باءت بالفشل، أيدت محكمتي الاستئناف والتَّمييز الحكم الصَّادر ونُقِلَ محمود إلى مركز الحوض الجاف الجديد لقضاء مدة عقوبته، ثم نقل إلى سجن جو بعد أن أتم الحادية والعشرين من عمره.
يعاني محمود من فقر الدم المنجلي ونقص الخميرة وآلام في قدميه وعظامه وتزداد آلامه في الطقس البارد والرَّطِب. في 15 مايو 2022 أعلن محمود إضرابه عن الطَّعام احتجاجًا على الإهمال الطبي الذي تمارسه إدارة السجن بحقه. حُرِم محمود باستمرار من تلقي العلاج ولم ينقَل إلى العيادة إلا لأخذ المسكّنات لوقف الآلام المبرحة من دون تقديم أي علاجات أخرى. كذلك لم يؤخذ محمود إلى المواعيد الطبية ليتلقى الرّعاية الطبية المناسبة رغم تحديدها من قبل سلطات السجن. في 18 مايو 2022، التقى المُدَّعي العام محمود ووعده باحترام حقه في العلاج الطبي ونقلِهِ إلى المستشفى، أوقف محمود إضرابهِ عن الطعام بناءً على تلك الوعود. في تاريخ 9 يونيو 2022 أظهر موقع وزارة الصحة إصابة محمود بفيروس كورونا ين السجناء في سجن الحوض الجاف.
لا زال محمود يعاني آلامًا مبرحة ومضاعفات صحية خطيرة منذ اعتقاله عام 2019، نتيجة التعذيب الشديد والضرب المبرح الذي تعرض له على مدى عشرة أيام من التحقيق، حيث تعرض للرفس والركل والصعق الكهربائي في جميع أنحاء جسده وبالتحديد في المناطق الحساسة، وهو ما تسبب له بآلام حادة حتى بات غير قادر على التبول بشكل طبيعي ويعاني من خروج الدم في البراز. وبعد معاناة طويلة ومطالبات متكررة أثناء تواجده في سجن الحوض الجاف، تم أخذه إلى عيادة السجن، كما تم تحويله في إحدى المرات إلى عيادة القلعة، وتم عرضه كذلك على الطبيب الشرعي، ورغم إعلامه الطبيب بمعاناته إلا أنه لم يتلق علاجًا مناسبًا ولم يتم صرف أي دواء له. ولا تزال معاناة محمود مستمرة بعد نقله إلى سجن جو، حيث يعاني من إهمال طبي وعدم التشخيص الصحيح لوضعه الصحي.
في 19 يناير 2024، تعرض محمود لانتكاسة صحية بسبب سياسة الإهمال الطبي، نقل على إثرها إلى عيادة سجن جو، وبعد معاناة مع الطبيب المتواجد في العيادة، نقل إلى مجمع سلمانية الطبي بشكل عاجل بسبب سوء حالته. كشفت صور الأشعة السينية عن أنه يعاني من التواء في الخصية، مما يستلزم إجراء عملية عاجلة له. وحذره الطبيب أنه إذا ما تأخر نصف ساعة عن هذه العملية فإنه سيضطر لاحقًا لاستئصال الخصية، وطلب منه الطبيب إبلاغ والده نظرًا لصغر سنه إذ لم يتجاوز ال21 عامًا وتأثير هذه العملية على مصير حياته مستقبلًا. طلب محمود من الشرطة المرافقين له السماح له بإجراء اتصال هاتفي مع والده لأخذ رأيه، خاصة ألّا علم له في مدى خطورة هذه العملية وتداعياتها وفي حال كانت مفيدة له أم لا، كما لا خبرة له في العمليات والنظام الصحي. لكن طلب محمود رفض وبقوة، وعندها اضطر لأخذ القرار وحده برغم صغر سنه، ورغم تأثير هذه العملية على حياته في المستقبل. أعلم محمود الطبيب بموافقته على إجراء العملية، وقد تردد الطبيب بداية في إجرائها كون محمود بمفرده ويحتاج إلى تواجد عائلته بجانبه في هذه المدّة، لكنه خضع لإجراء العملية نظرًا لخطورة وضعه وكون الحالة لا تتحمل التأجيل. ونتيجة لذلك، تعرض محمود للضغط النفسي أثناء العملية وأثناء تواجده في مجمع السلمانية الطبي من دون علم أهله بوضعه و عدم السماح لهم بالاطلاع على التدهور الصحي الذي عانى منه.
على الرغم من وضعه الصحي الذي يستلزم متابعة دقيقة، لا يزال يعاني محمود من سياسة الإهمال الطبي، وهو لا علم له بمستجدات وضعه الصحي بعد العملية، كما أنه لم يمنح الأدوية العلاجية. وبدلا من تأمين كرسي متحرك لمساعدته على المشي كونه لم يعد قادرًا على التحرك لمسافات كبيرة، بل اضطر لمدة من الزمن التنقل من خلال وضعه على العربة المخصصة لتوزيع الطعام، أو حمله على الفراش الخاصة للنوم.
إن اعتقال محمود على خلفيات سياسية من دون مذكرة توقيف وتعرّضه للتعذيب والمحاكمة غير العادلة والإهمال الطبي يشكّل انتهاكًا لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة واللاإنسانية، إضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تعدّ البحرين طرفًا فيهم. بالإضافة لذلك، فإن الانتهاكات التي تعرض لها بالرغْم من كونه قاصرًا، تنتهك اتفاقية حقوق الطفل التي تعدّ البحرين أيضًا طرفًا فيها.
من هنا، تدعو منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) السلطات البحرينية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن محمود، والتحقيق في ادعاءات الاعتقال التعسفي والتعذيب والحرمان من الاستشارة القانونية في مرحلة الاستجواب عندما كان قاصرًا والإهمال الطبي وتعويضه على الإصابات التي ألمت به نتيجة التعذيب، وصولًا لمحاسبة الجناة، أو على أقل تقدير، إجراء إعادة محاكمة عادلة له وفق قانون العدالة الإصلاحية للأطفال، وصولًا إلى إطلاق سراحه. كما تطالب المنظمة إدارة سجن جو بتقديم الرعاية الصحية الضرورية لمحمود فورًا لمعالجة الإصابات الناجمة عن التعذيب، محملة إياها مسؤولية أي تدهور إضافي في وضعه الصحي.
أ.ش