ايران تنال "جائزة كونفوشيوس" في هذا المجال

نجاح حرکة محو الأمیة فی ایران … وتحقیق العدالة فی التعلیم

نمو محو الأميّة في إيران في الأربعين عاماً الماضية كان بمقدار ثلاثة أضعاف المعدل العالمي وحصلت على المرتبة الأولى عالمياً في “العدالة في التعليم” بين الفتيات والفتيان

2022-12-31

الوفاق/ خاص/ عبير شمص

يُعد محو الأميّة حقاً من حقوق الإنسان، وأداة من أدوات تعزيز قدراته الشخصية، وتحقيق التنمية البشرية والاجتماعية. كما أنه عامل ضروري لرفع المستوى المعيشي والوعي الصحي، وضمان التنمية المستدامة، وخاصة ً لدى الشباب الذين هم روح المجتمع وعماده، والذين يتسمون بالحماسة والقدرة على المبادرة، وهذان الصفتان الضروريتان لبناء البلدان وتقدمها، وهذا هو الحال في إيران التي كان للشباب الدور الأكبر في قيام الثورة الإسلامية وحفظها. ولقد نهل هؤلاء الشباب مع قيام الثورة وبعدها من توافر فرص التعليم والتطوير في جميع المجالات، وتوافرت لديهم فرص متعددة ومتنوعة.

بمناسبة ذكرى تأسيس منظمة محو الأميّة في إيران ( 28 كانون الأول/ ديسمبر 1979) ستضيء هذه المقالة على واقع الأميّة قبل الثورة وبعدها وعن التغييرات والتطورات الضخمة التي حصلت بين الفترتين وآلية العمل التي اعتمدت لتحقيق ذلك.

نسبة الأمية قبل الثورة الإسلامية

يُظهر تاريخ التعليم في إيران أنّه في فترات طويلة نسبيًا، لم يتم اتخاذ أي قرار أو إجراء محدد لتعزيز التعليم العام ومحو الأمية والتعليم كان حكرًا على طبقات اجتماعية معينة. منذ فترة طويلة، كان أحد أهم برامج المستعمرين وأتباعهم المحليين في كل بلد الاستعباد الفكري للشعوب عبر محاربة التعليم والتعلم.
ذلك لأنّ محو الأمية لدى الناس يهدد المصالح الاستغلالية لطبقة الأقلية وأسيادها. لذلك، تبنى المستعمرون السياسة المتمثلة في إبقاء الناس أميين في فترات تاريخية مختلفة وبطرق مختلفة. إذ منعوا الأمم من اكتساب المعرفة إما عبر احتلال الأراضي والسيطرة المباشرة على المناطق المحتلة، أو عبر تمكين النخب السياسية والقادة السياسيين المحليين من مقدرات البلاد والعباد. وهذه حالة إيران في ظل حكم النظام الملكي السابق، فعلى الرغم من وجود الكثير من الدعاية لمحو الأمية، إلا أنّ هذا لم يكن واقعياً ولا عادلاً إذ كان عددًا كبيرًا من الناس يعيشون في حالة من الأمية، وكانت هذه بالضبط رغبة الاستعمار للسيطرة بسهولة على البلاد.

تظهر الإحصاءات حول تلك الفترة عدم تطابق الواقع مع الدعاية، فحتى السنوات الأخيرة من سقوط النظام الملكي السابق، حُرم عدد كبير من الأطفال المحتاجين إلى التعليم من فرصة دخول المدارس، وبالتالي كان عدد الأميين يتزايد باستمرار بسبب الاتجاه التصاعدي للنمو السكاني. ووفقًا للتعداد السكاني لعام 1976، كان 14.2 مليون (52.5٪) من الأمييّن من إجمالي عدد السكان البالغ 27.1 مليون نسمة بين سن 6 سنوات فما فوق.

تأسيس منظمة محو الأميّة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية

وبعد مرور نحو عام على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، دعا الإمام الخميني(قدس) وبسبب أهمية وضرورة محو الأميّة، إلى إنشاء منظمة محو الأميّة في ديسمبر/ كانون ثاني 1979 م، وفي النظام الأساسي للمنظمة الذي أقره مجلس الشورى الإسلامي عام 1984، وضعت تحت إشراف وزارة التربية والتعليم وينص القانون على أن يكون رئيسها مساعداً لوزير التربية والتعليم.
وقد تحدث الإمام (قدس)عن المنظمة قائلاً:”أحد الاحتياجات الأساسية لكل أمة هو الصحة والسكن، ولكن الأهم منهما، التعليم للجميع، للأسف بلدنا وريث أمة حُرمت من هذه النعمة العظيمة في النظام السابق، ومعظم الناس في بلادنا لا يملكون [نعمة] القراءة والكتابة، ناهيك عن التعليم العالي، يجب علينا تحويل الثقافة التابعة لبلدنا إلى ثقافة مستقلة ومكتفية ذاتياً في الخطة طويلة الأجل”. لذلك دعا الشعب الإيراني إلى التعاون مع المنظمة في سبيل القضاء على الأمية، ورفع مستوى التعليم بما يتواكب مع المستجدات على الساحة الإيرانية.

هذا ويقوم عمل المنظمة بالتعاون مع جهات أخرى ورجال الدين على  تعليم الكبار المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة والحساب، والارتقاء بمستواهم الثقافي ونشر الثقافة الإسلامية بينهم، وتعليم الذين لم ينخرطوا في النظام التعليمي الأساسي ممن هم في سن التعليم، كذلك إعداد كتب دراسية ومواد تعليمية تتوافق مع الثقافة الإيرانية، وتحفيز المواطنين عبر الوسائل المادية والروحية لجذبهم لفصول محو الأميّة، وقد حددت منظمة محو الأميّة في إيران معايير صارمة يجب توافرها في معلم محو الأميّة، إذ يكتسب اختياره اهتماماً وتركيزاً شديدين.

وقد قامت المنظمة بالعديد من الأنشطة والمشاريع من أجل مكافحة الأميّة، ومنها: تعليم الرجال والنساء في المدن والأرياف، وتعليم الموظفين غير المتعلمين، والسعي إلى القضاء على الأمية بين رجال القوات المسلحة والسجناء، وقد حققت عبر هذه الأنشطة انخفاضاً ملحوظاً في معدل الأميّة لدى نسبة كبيرة من المواطنين، إلى حد أنّ نمو نسبة محو الأميّة في إيران في الأربعين عاماً الماضية كان بمقدار ثلاثة أضعاف المعدل العالمي مما يؤكد على نجاح الخطط المرسومة وتحقيقها في هذا الشأن .

نسبة الأمية بعد الثورة الإسلامية

بعد تنفيذ خطة التعبئة العامة لمحو الأميّة في عام 1990 وتعليم أكثر من 4.1 مليون شخص كانوا يعانون من الأميّة الكاملة، بلغ معدل تعلم القراءة والكتابة في إيران 79.5٪ (زيادة بنسبة 18٪) في عام 1996 ؛ واستمرت هذه الزيادة في احصاءات 2006 و 2011 و 2016 لتصل إلى 84.6٪ و 84.8٪ و 87.6٪ على التوالي، وفي عام 2021 ارتفع هذا الرقم إلى 90.5٪.

وقد أعلن رئيس منظمة نهضة التعليم في إيران “شابور محمد زاده” إنّ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة ارتفع من 47.5٪ عام 1976 إلى 87.6٪ في عام 2016 وفي عام 1400 زاد إلى 90.5٪ ؛ بعبارةٍ أخرى، ارتفع معدل تعلم القراءة والكتابة في البلاد في الأعوام التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية إلى 42.5٪، وأضاف:” إنّ نسبة المتعلمين في البلاد بلغت 90.5٪ في عام 2021 حيث شهد معدل معرفة القراءة والكتابة في الأعوام التي تلت انتصار الثورة الإسلامية ارتفاعا بنسبة 42.5٪”.

وتابع: “إنّ نسبة الفارق في التعليم بين المدينة والقرية للفئة العمرية 10-49 عاما تبلغ 5.6 بالمائة وبين النساء والرجال 2.1 بالمائة، وبأن عدد الأمييّن في البلاد يبلغ أقل من مليون شخص وفقاً لقاعدة البيانات المسجلة المتوفرة في الوقت الحاضر”.

كذلك تفيد إحصائيات البنك العالمي بأن نسبة الأميّة بين النساء في إيران قد تراجعت من 60 بالمئة إبان انتصار الثورة الإسلامیة إلى أقل من 10 بالمئة في عام 2010، وحسب تقرير المجمع العالمي للاقتصاد، حصلت إيران على المرتبة الأولى عالمياً في “العدالة في التعليم” بين الفتيات والفتيان.

وتجدر الإشارة إلى أنه وفقاً لإحصاءات اليونسكو التي نشرها البنك الدولي، فإنّ معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في إيران مرتفعة بحسب معايير الشرق الأوسط، فقد بلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين 84,6% عام 2013، مقارنةً بــ 78% في الدول العربية المجاورة، ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 15-25 عاماً أعلى من ذلك وبنسبة 98%.

جائزة اليونيسكو لمنطمة حركة محو الأمية في إيران

اختير المشروع المقدم من منظمة حركة “محو الأميّة الإيرانية” كأفضل مشروع من قبل الأمين العام للجائزة الدولية في اليونسكو لعام 2018 والتي تسمى “جائزة كونفوشيوس”، ووفقاً للأمين العام للجوائز الدولية لمحو الأمية في اليونسكو تم اختيار مشروع “الدمج بين محو الأميّة ومهارات الكمبيوتر الأساسية خلال الفترة الانتقالية” المقدم من قبل “حركة محو الأميّة الإيرانية”، من بين 57 مشروعاً في قائمة الفائزين بالجوائز الدولية لعام 2018.

يشار إلى أن اليونسكو تقوم بمنح هذه الجائزة مند عام 1967 م سنوياً للمنظمات الحكومية وغير الحكومية وهي من الفعاليات البارزة في مجال محو الأمية.

ختاماً لقد قدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا المجال نموذجا ً فريداً  في المنطقة من جهة القضاء على الأمية في وسط محيط ما زال يعاني منها وبنسبٍ كبيرة، ومن جهة تأمين فرص متساوية للدراسة لجميع مواطنيها في مختلف مراحلهم العمرية والأكاديمية ومناطقهم السكنية بدون تمييز، وبشكل ٍ مجاني، هذه هي إيران الثورة الإسلامية التي عملت وما تزال تعمل لتحقيق التنمية المستدامة والرقي الفكري والثقافي لشعبها من دون الاتكال على الخارج و بعون الله سبحانه وتعالى وسواعد أبنائها وحكمة قادتها.