وجاءت هذه العملية التي نفذها الشهيد محمد مناصرة من مخيم قلنديا، وأدت إلى مقتل مستوطنَين، بعد أيام فقط من هجوم مماثل على حاجز «الزعيم» قرب القدس، علماً أنها الثانية من نوعها التي تستهدف «عيلي»، بعد العملية الأولى التي تبنّتها «كتائب القسام»، ونفذها الشهيدان مهند شحادة وخالد صباح، وقُتل فيها 4 مستوطنين.
والواضح، على ضوء ما تقدّم وغيره، أن المستوطنين تحوّلوا إلى هدف رئيس للعمليات الفدائية، في ضوء تصاعد الجرائم التي يرتكبونها بحق الفلسطينيين منذ بدء الحرب على غزة، وتشكيلهم عصابات للقتل والسرقة، بالشراكة مع جيش الاحتلال وتحت غطاء سياسي، لا يفتأ يتمدّد برعاية وزراء اليمين الفاشي، وعلى رأسهم وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن أنه سيطلب من مجلس الوزراء «تغيير نهجه» في الضفة، معتبراً أن سبب ما يحدث ليس الاقتصاد بل «كراهية عميقة لـ “إسرائيل”»، وأنه لا اختلاف بين الضفة وقطاع غزة.
وقال سموتريتش إنه «لا يمكن أن يتحول رمضان في كل عام، والمدة السابقة له، إلى حمام دم لقتل اليهود»، مضيفاً أن «ذلك ليس قدراً محتوماً، بل هو أمر يتطلب من الجيش توسيع جهوده العسكرية لا تقليصها، وإغلاق الطرق وإعادة نقاط التفتيش وتوسيع الاستيطان كرد صهيوني ملائم». في المقابل، عززت عملية «عيلي» هواجس سلطات الاحتلال بشأن شهر رمضان، ودفعت «الشاباك» إلى مطالبة المستوى السياسي بالابتعاد عن الغموض بشأن القيود المتعلقة بدخول المصلين إلى الأقصى. لكن قادة المستوطنين لا يفتؤون يضغطون من أجل تمرير مخططاتهم الاستيطانية، التي يجري تسويقها بوصفها السبيل الوحيد لـ«توفير الأمن» للمستوطنين. وفي هذا السياق، يواصل سموتريتش، وزميله وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، اللذان دخلا في ائتلاف مع بنيامين نتنياهو ضمن تسويات لتعزيز الاستيطان بالضفة، التعهد يومياً بمواصلة توسيع المستوطنات، وهو ما تجلّت آخر حلقاته في إعلان وزير المالية، ليل الثلاثاء – الأربعاء، الموافقة على بناء مستوطنة جديدة تسمى «مشمار يهودا» في «غوش عتصيون» جنوبي القدس. وقال سموتريتش، الذي يعيش في إحدى مستوطنات الضفة، إن «”إسرائيل” ستواصل السماح ببناء المزيد من المستوطنات، وسنواصل زخم الاستيطان في كل أنحاء البلاد»، بينما قال شلومو نئمان، رئيس بلدية المجلس الإقليمي لـ«غوش عتصيون»: «هذا أيضاً ردنا على دول العالم… سنواصل طريقنا ونعزز غوش عتصيون بمزيد من السكان وبالمزيد من المدارس والمزيد من الطرق والمزيد من رياض الأطفال».
عززت عملية «عيلي» هواجس سلطات الاحتلال بشأن شهر رمضان
وتشمل المستوطنة التي تدفع حكومة الاحتلال بها، أكثر من 13 ألفاً و600 وحدة استيطانية جديدة يُفترض أن تُبنى على مرحلتين، بموجب القرار الذي صدر عن حكومة نتنياهو في شباط 2023، بشرعنة 9 بؤر استيطانية، بما فيها «متسبي يهودا»، وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية. وبحسب ما أفادت به حركة «السلام الآن» الإسرائيلية، فقد وقّع قائد المنطقة الوسطى في الجيش، يهودا فوكس، على أمر يحدد نطاق الولاية القضائية لمستوطنة جديدة شمال بلدة العبيدية، شرق بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية. وأشارت إلى أن «المستوطنة ستضمّ في المرحلة الأولى 3600 وحدة شرق بيت لحم، على أن تُقام 10 آلاف وحدة إضافية في مرحلة لاحقة». وأوضحت الحركة أن «الأمر يتضمن مصادرة نحو 417 دونماً لإتمام المرحلة الأولى» المشار إليها، والتي سيستفيد منها «جمهور القومية الدينية»، فيما في المرحلة الثانية «ستتوسع المستوطنة على مساحة 2000 دونم إضافية، لمصلحة السكان اليهود الحريديين».
وسبق أن وافقت حكومة الاحتلال، الأسبوع الماضي، عقب العملية الفدائية على حاجز «الزعيم»، على التئام «مجلس التخطيط الأعلى» للموافقة على بناء نحو 3300 وحدة جديدة في مستوطنات القدس، منها 2350 في مستوطنة «معاليه أدوميم» شرقي القدس الشرقية، ونحو 300 في مستوطنة «كيدار» جنوب شرقي القدس الشرقية، و700 في مستوطنة «أفرات» جنوبي القدس. كذلك، صادرت دولة الاحتلال، الخميس، 650 فداناً من الأراضي الفلسطينية قرب «معاليه أدوميم» شرقي القدس، بهدف ضمّها إلى المستوطنة المذكورة، من دون أن تكون ثمة خطة للبناء عليها حالياً، وإن كان ثمة توجه لتصنيفها على أنها «أراضٍ مملوكة للدولة»، بينما تستعد سلطات الاحتلال لإدراج 7 آلاف دونم ضمن الخانة نفسها، تمهيداً لضمها إلى مستوطنات غور الأردن. ووفقاً لتقرير صادر في كانون الثاني عن «حركة السلام الآن» الإسرائيلية التي تراقب التوسع الاستيطاني، فإن هناك زيادة غير مسبوقة في الأنشطة الاستيطانية منذ 7 تشرين الأول الماضي، فيما يفيد تقرير صادر عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بوجود ما يقل قليلاً عن 700 ألف مستوطن في 279 مستوطنة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مقارنة مع 520 ألفاً في عام 2012.
وتشهد منطقة الأغوار، خصوصاً، تصاعداً في الأنشطة الاستيطانية التي لا تقتصر فقط على إعلان حكومة الاحتلال نيتها بناء 7000 دونم كـ«أراضي دولة»، بل بات ملاحظاً وجود مخططات لجذب مستوطنين إلى تلك المنطقة عبر أنشطة متنوعة، كان منها تنظيم مهرجان «الأغوار خضراء» الذي انطلق في 15 شباط ويستمر حتى 15 آذار، ويشمل جولات إرشادية، ومعارض، وورش عمل، وورشاً لجمع النباتات الصالحة للأكل والنباتات الطبية، على أن يُختتم بفعاليات «الأسبوع الأخضر». كما وجهت جماعة يمينية دعوة إلى المستوطنين لزراعة الأشجار في منطقة صحراء الضفة الغربية، بهدف ربط هذه الأخيرة بالأغوار، معتبرةً أن ذلك يأتي تخليداً لمن سمّته «رجل الأغوار والاستيطان»، هارئيل شرفيت، الذي أرسل تحية إلى قاتل عائلة الدوابشة، وقتلته المقاومة في قطاع غزة.
أ.ش