فرغت الأم “حياة الرضيع” من هرس حبة طماطم ناضجة مع كسرة خبز وأخذت تطعم طفلها، من ذوي الاحتياجات الخاصة، محمد الذي يبلغ من العمر عامين ونصف.
يرقد محمد بلا حراك، بجانب دورة مياه بدائية حفرها الوالد جميل الرضيع، داخل خيمة في رفح جنوب قطاع غزة لم يفارقها الذباب.
تقول الأم “حياة”، التي نزحت وعائلتها من بيت لاهيا، شمال غزة، إن ابنها يعاني منذ ولادته من وضع صحي لم يستطع الأطباء تحديد ملامحه بشكل حاسم حتى الآن.
“توجهنا لأطباء كثيرين وذهبنا به لأطباء في مصر وحتى الآن لم يتضح التشخيص”.
وتقول، إن طفلها ووفقا لأطباء يعاني من وجود سائل في الدماغ، الأمر الذي يعيق نموه بشكل طبيعي، وأكدت أنه وفقاً لإجماع الأطباء لا علاج له في غزة.
لا طعام ولا نظافة
وأضافت أنه يعاني من سوء الامتصاص والهزال وعدم القدرة على المضغ ويصدر أنيناً لا يتوقف ولا تعرف سبيه.
وحول أثر النزوح والعيش في خيمة على حياة محمد، قالت والدته حياة، إن أهم ما يفتقر له هو النظافة، لا نظافة في خيمة منذ النزوح ، ولا أكل جيد فالطفل يحتاج خضار وفواكه وبروتينات حيوانية وكل هذا عير متوفر.
“أحيانا نحصل على حصص غذائية وكلها معلبات وبعضها فاسد فنضطر للبحث عن حبّات خضار نخصّها بمحمد فقط”، قالت حياة.
وأضافت أن حفاضات الأطفال مشكلة كبيرة، فالطفل بحاجة لغيار وتنظيف بمعدل 4 مرات، وشنطة “البامبرز” ثمنها كبير جداً، هذا إذا وجدت.
“يئن في الليل والنهار ولا أعرف هل هو جوعان أم يتألم من شيء ما أو بلل ملابسه، كل شي غامض في حالة محمد”، قالت الأم.
بحاجة لعملية حساسة جداً
وقال والده جميل الرضيع، إنه أرسل صور مقطعية لأطباء في الأردن وأجمعوا أنه بحاجة لعملية حساسة جدا ومن المستحيل إجرائها في غزة لأنها بحاجة لتقنيات غير موجودة.
وناشد جميل الرضيع المؤسسات الانسانية للالتفات إلى ابنه ولذوي الحالات الخاصة لأنهم بحاجة لرعاية خاصة مثل حفاضات ومستلزمات إضافية عن المواطنين.
من وسط بعض العفش والشنط المحشوة بالملابس أخرج والد محمد علبة دواء “phenytion sodium ” فيها حبتين فقط، وقال، إن الدواء ينفذ ولا يستطيع شراء بديل له لأنه مقطوع من الأسواق.
وأشار إلى أنه ينقل ابنه يومياً لمستشفى الكويت للحصول على “تبخيرة” ليتخلص من ضيق في النفس كل ليلة.
“نحن نعيش في منطقة خطرة لا يدخلها الإسعاف فأضطر لحمله والذهاب مشياً (حوالى 4 كم) وان كنت محظوظا أجد كارة يجرها حمار.
نور: حياة قاسية
في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تلجأ نور فرج (25 عاماً) من ذوي الحالات الخاصة مع والدتها وأخويها وزوجتي أخويها وأطفالهم في غرفة واحدة في روضة أطفال نستخدم كمركز إيواء.
ولا تزال نور وهي من شمال غزة، تستخدم الرضّاعة الصناعية لتناول الطعام وتستهلك “الكثير” من الحفاضات، وفقا لوالدتها سعاد.
وقالت سعاد، إن نور تعرضت خلال ولادتها لنقص في الأكسجين أثر على النمو العقلي والآن هي بعمر زهاء عامين.
ولفتت إلى أن حياة النزوح قاسية سيما لذوي الحالات الخاصة.
“تحتاج طعاماً مطحوناً للرضّاعة ولا يوجد خلّاط ولا كهرباء للطحن وتحتاج حفاضات ما يعني مزيدا من المصاريف والنظافة وسط شح مياه.
“نأمل أن يكون هناك مؤسسة تهتم بهذه الحالات، لقد تعبنا واستنزفنا”، قالت سعاد فرج.
توقف الجمعيات المعنية
وبسبب العدوان الاسرائيلي دُمرت أو توقفت جمعيات تهتم بمرضى الشلل الدماغي وبالمعاقين حركياً.
وقال محمد لبد مدير جمعية مبرة فلسطين، إن “جمعيته كانت تؤوي سبعين من حالات الشلل الدماغي والمعاقين حركياً لكن الجمعية أغلقت بسبب الضرر الكبير الذي أصابها جراء قصف قوات الاحتلال التي احتلت المكان لمدة 3 شهور.
وقال لبد إن أسمهان التي تبلغ من العمر (25 عاماً) ووالدتها (60 عاماً) ومي حمادة (23 عاماً) استشهدن جراء استهداف قوات الاحتلال للجمعية.
كما توفيت الطفلة بتول عزيز 8 سنوات نتيجة لعدم توفر الغذاء المناسب والأجهزة الطبية والبرد الشديد، وفقا لمحمد لبد.
وكشف لبد أنه يأوي الآن 15 شخصاً يوجد 9 منهم في بيت إيواء علي شاطئ البحر وست حالات في رفح، وباقي الحالات عند ذويهم سواء في خيام النزوح والمدارس أو في بيوت.
وأضاف “نقدم لهم رعاية المأكل المشرب والتنظيف، ونفتقد إلى علاج التأهيل مثل العلاج الطبيعي لعدم توفير الامكانيات والمعدات والبيئة السليمة للعمل، المشكلة الأكبر الآن الحفاضات والغذاء الصحي، فما يتوفر من طعام مثل الخبز والجبن والفول لا يصلح لهم لأنهم يحتاجون طعام مهروساً ناعماً يعد بطرق خاصة”.
وتعكس هذه الحالات صورة عن المئات وربما الآلاف من الحالات المشابهة والتي تعاني مشكلة حقيقية في استمرار العيش في منطقة باتت تفتقر لكل المقومات الأساسية للحياة.
د.ح