إيهاب شوقي
مع تطوّرات الأمور في المنطقة ومراقبة السلوك الأميركي المنافق تجاه الأحداث والذي لا يراعي إلا أمرين رئيسيين، هما الأمن الصهيوني، والانتخابات الرئاسية الأميركية، ومحاولة التوفيق بين الأمرين وإخراجه في صورة المقاربة الأميركية الراهنة والتي تصيب الكثير من التحليلات بالقصور، ولا سيما التحليلات التي لا تتبنى حقيقة أن أميركا هي القائد الفعلي للعدوان، فإن هناك أمورًا جديدة تتكشف لتؤكد حقيقة الصمت العربي وتكشف كثيرًا من فضائحه.
وقبل الخوض في هذه التفاصيل الفاضحة للصمت الذي يعد فضيحة في ذاته، تجيء الإشارة إلى أن الرؤية الأميركية للنصر الحقيقي هي أنه ليس مجرد تفكيك “حماس”، بل من خلال استبدال شيء آخر بها يتسق مع النموذج المفضل للسلطات الطيعة العاملة مع أميركا و”إسرائيل” ومن خلالهما.
وربما كشف ذلك روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، والخبير في السياسات العربية والإسلامية وسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، والذي فضح الكثير من الأمور مستندا إلى ما قاله المسؤولون المحليون خلال رحلته الجماعية الأخيرة إلى مصر والمملكة العربية السعودية والأردن و”إسرائيل” والسلطة الفلسطينية.
ولعلّ أخطر ما قاله روبرت ساتلوف هو أن الدول العربية تأمل في السر أن تتمكّن “إسرائيل” من تدمير “حماس”، حتّى أن أحد كبار المسؤولين العرب قال: “إن “إسرائيل” تقاتل من أجلنا في غزّة، وإذا فازت، فسوف تنجح في هزيمة وكيل إيراني للمرة الأولى منذ أربعين عامًا”.
وكشف ساتلوف أن الدول العربية تود عمومًا عودة عقارب الساعة إلى السادس من تشرين الأول/أكتوبر، وأنها تواجه حالة سياسية ملحّة في الداخل بسبب التعاطف الجماهيري مع الفلسطينيين والغضب من الإسرائيليين، مما دفع هذه الدول إلى توجيه طاقاتها نحو إحراز بعض التقدم الملموس في ما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية، وهي طاقات لم تكن موجودة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وبخصوص السعودية، كشف ساتلوف أنه تم إحراز بعض التقدم اعتبارًا من السادس من تشرين الأول/أكتوبر في الصفقة السعودية الإسرائيلية الأميركية الثلاثية “المدوّية” التي يرغب السعوديون في إتمامها، لكن لا يبدو أن السعوديين يريدون بذل الكثير من الجهود لتحقيق ذلك. فمن وجهة نظرهم، إن الأمر متروك للولايات المتحدة لإقناع “إسرائيل” بأنه من المنطقي أن يرتفع اليوم الثمن الذي يجب أن يكون الإسرائيليون مستعدين لدفعه للسعودية.
ويؤكد ساتلوف من خلال رحلته للمنطقة ولقاءاته، حقيقة أن السعوديين يرغبون بشدة على ما يبدو في إبرام معاهدة للدفاع المشترك مع الولايات المتحدة، وأن العائق الأميركي يكمن في تصديق مجلس الشيوخ الأميركي على أول معاهدة للدفاع المشترك بين الولايات المتحدة ودولة أجنبية منذ عقود.
وبالمثل، تريد “إسرائيل” التطبيع بشدة باعتباره الطريق للخروج من العزلة التي تواجهها “إسرائيل” حاليًّا ولأنه يمنح الكيان تحالفًا إقليميًا استراتيجيًا واسع النطاق في مواجهتها مع إيران، لكنّهم غير مستعدين لدفع الثمن حتّى بحل شكلي للدولتين.
نحن اذن بصدد تحالف عربي رسمي مع أميركا والكيان يراهن على هزيمة حماس ومحور المقاومة ويريد إخراج المشهد فقط بشكل يحتوي التعاطف الشعبي ويراهن على الوقت لتمرير الانتخابات الأميركية وإلحاق المزيد من الدمار بغزّة والرهان على تفكيك المقاومة، وتفيد الشواهد بأثمان تقبضها الأنظمة العربية سواء على المستويات الاقتصادية لحل أزماتها المستحكمة وكذلك وعود بمعاهدات مشتركة مع أميركا.
ولكن كلّ ذلك يبقى من جانب واحد من الصورة، وهي المنظور الأميركي الصهيوني والرسمي العربي التابع، بينما هناك جانب آخر بالصورة يرسمه المقاومون على الأرض ومحور كامل بيده اتمام الصورة الكاملة للمشهد والنتيجة النهائية للصراع وتبقى العين دوما على الميدان.
أ.ش