الغزيون «ينسون» الشبع:

الجوع يواصل حصد الأطفال

تحوّل قسم الحضانة ورعاية الأطفال والخُدَّج في «مستشفى كمال عدوان»، في شمال قطاع غزة، إلى ما يشبه ثلاجةً للموتى، إذ خرجت منه، خلال أسبوع واحد، جثامين 15 طفلاً ماتوا نتيجة تراكم أعراض الجفاف والجوع وسوء التغذية

2024-03-05

ويقول مدير المستشفى، الدكتور حسام أبو صفية، إن التدهور السريع الذي يطرأ على صحة الأطفال، يبدأ بظهور أعراض سوء التغذية والرضاعة، ويقود ذلك إلى حدوث التهابات في الأجهزة الحيوية للجسم، ثم يفقد الأطباء السيطرة على الحالة. ويوضح، في حديث إلى «الأخبار»، «أننا أصبحنا نفقد عدداً من الأطفال بشكل يومي. فالأمهات فقدن القدرة على الإرضاع بسبب سوء التغذية. وفي حال توفّر الحليب الصناعي، فليس من المضمون أن يتقبّل جميع الأطفال ما هو متوفّر من أنواعه الرديئة».وخلال زيارة قامت بها «الأخبار» للقسم المذكور، وصلت والدة الطفل محمد أبو جراد، حاملة رضيعها، الذي لم يمضِ على خروجه إلى هذه الدنيا سوى عشرة أيام. وتقول إنه «لم يستطع التبوّل منذ ثلاثة أيام، والآن ظهرت عليه أعراض الهزال والضعف». وبعدما أخرج الطاقم الطبي والدة الطفل أبو جراد إلى خارج القسم، أفاد الطبيب بأن «تلك الأعراض تشير إلى احتمال تدهور في الكلى، وكذلك إلى إمكانية وجود مشكلات صحية في أجهزة حيوية أخرى».

 

أما قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى نفسه، فيعكس على نحو أكثر وضوحاً ما تفعله المجاعة بسكان المنطقة المحاصَرة. فالمئات من المسنّين يتوافدون إليه، وقد بدت على ملامحهم أعراض الهزال والضعف الشديد. أما الأطفال، فقد تفشّى مرض الكبد الوبائي بين عشرات الآلاف منهم. ويقول نضال إبراهيم، الذي كان ممدّداً على أحد الأسرّة، إنه منذ تناوله خبزاً مصنوعاً من علف الدواب، تدهورت صحته. ويضيف: «صار عندي تسمّم. أُجري لي غسيل معدة، وما عدت قادراً على أكل أي شيء. ومن يومها عايش على الأمصال (..) خسرت 40 كيلوغراماً، وتحوّلت إلى هيكل عظمي حرفياً».

 

بالنسبة إلى أهالي شمال القطاع الذين يمنع جيش العدو دخول المساعدات إليهم منذ أكثر من 100 يوم، فإن فكرة الأكل حتى الشبع، أضحت شيئاً من الماضي. ويقول محمد أبو رامي، لـ«الأخبار»: «والله صرنا نتحايل على الجوع، يعنى بنصحى من النوم، بناكل شوية بزر قرع أو دوار الشمس. هذا يأخذ وقتاً طويلاً. تشعر بأنك تمضع شيئاً لمدة نصف ساعة. أما الأكل الحقيقي، لأ هذا نسيناه، لا يتوفّر شيء لا نوعاً ولا كماً. اللحوم نسيناها، المعلبات، البقوليات، الحلويات، الفواكه، الخضر، والله ما شفناها منذ أربعة أشهر».

 

في الأسواق، تنعدم كل أنواع السلع. الآلاف من الناس يتجوّلون في الشوارع، هرباً من صراخ أطفالهم الجوعى. لا الباعة يعرضون ما يصلح للشراء، ولا الأهالي يمتلكون المال لشراء أي شيء. ويقول فخري السيد، وهو بائع على بسطة في سوق الصحابة شرق مدينة غزة لـ«الأخبار»: «كل اللي على البسطة، ما بيصلح لصنع وجبة طعام. عندي فانيلا وتوابل وفطر وصلصة بندورة، أما العدس والحمّص والفول والمعلّبات، فكلّها مفقودة منذ أشهر. والناس ما بتقدر تشتري أي شي. كيلوغرام الأرز يصل ثمنه إلى 100 شيكل، بعدما كان خمسة شواكل. هذه أسعار غير منطقية، بدها زبائن بيقبضوا باليورو».

 

أ.ش

المصدر: الاخبار