قُدّمت، خلال الندوة، مجموعة من المداخلات المهمة، كما صدر وثيقة مهمة عنها حملت عنوان الندوة. أدارت أعمال الندوة الأستاذة سميحة خلفي المحامية والباحثة في مركز دراسات أرض فلسطين، بينما ألقى كلمة الافتتاح رئيس جمعية الشتات الفلسطيني في السويد خالد السعدي.
قدّم المهندس محمد مصلح أمين سر جمعية المستقبل للتنمية والبيئة الخيرية، في قطاع غزة، مداخلة بعنوان “الأنشطة الإغاثية لجمعية المستقبل في ظل الواقع الإنساني والبيئي في قطاع غزة”، تطرق فيها إلى الجرائم البيئية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني، وآثارها التدميرية على حياة الناس في القطاع، خاصة في ما يتعلق بمتطلبات الحياة اليومية بتفاصيلها، ومن ضمنها النقص الشديد في الاحتياجات الأساسية. كما استعرض نشاط الجمعية الذي يأتي محاولةً لتوفير الطرود الغذائية للأسر المتضررة، بآليات متعددة تتناسب مع ظروف الحصار وشح الإمكانات المتوفرة.
الناشطة الحقوقية كوثر عباس
من جهتها، قدّمت الناشطة الحقوقية النسوية كوثر عباس، وهي عضو بالمسيرة العالمية للنساء في جنوب أفريقيا، مداخلة بعنوان “مقاومةً الاحتلال الأخضر.. أحد سبل الشعوب الأصلية للتحرر”، سلطت فيها الضوء على الروابط بين الفلسطينيين والشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم، بأنها أهم الميكانيزمات لفهم طبيعة الأنظمة الاستعمارية الاستيطانية وإعادة التفكير في معرفة هذه الشعوب الأصلية، ومنها الشعب الفلسطيني بعمق معرفتهم، بآليات واستراتيجيات دفاعهم عن أرضهم، وخصوصية العلاقة التي تربطهم بمحيطهم الطبيعي، وهو ما يستعصي على المحتل تفكيكه ومحوه بالرغم من كل المحاولات.
قالت “عباس” إن تفكيك العدو لأراضي الفلسطينيين بذريعة الحفاظ على البيئة، والذي يسمى سياسيًا الاستعمار الأخضر، هو وسيلة حرب، والهدف منها تهجير الفلسطينيين عن أراضيهم وشرعنه الاستيلاء عليها، تمامًا كما حدث مع العديد من الشعوب الأصلية الأخرى في أميركا وأفريقيا. وأكدت أنه يجب فهم قضية الاستعمار الأخضر والتغير المناخي في عمق سياقه السياسي الاستعماري، ويجب على المجتمع الدولي العمل على وقف مشاريع التطبيع الأخضر والاعتراف بحقوق وسيادة الفلسطينيين على أراضيهم ومياههم، وحماية روابطهم التاريخية مع محيطهم الطبيعي.
الإعلامية الفلسطينية ريهام القيق
أما الإعلامية الفلسطينية ريهام القيق فقد قدّمت مداخلة بعنوان “الوضع الإنساني في غزة”، أشارت فيها إلى أن غزة تتعرض لحرب إبادة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حيث تعمّد الاحتلال قتل جميع مناحي الحياة، وقطعَ الكهرباء والماء منذ اللحظات الأولى للحرب، وكذلك دمرَ البنية التحية والمربعات السكنية على رؤوس ساكنيها، لافتةً إلى أن العدو في هذه الحرب الشرسة استهدف الحجر والبشر والشجر والمدنيين، وما يزيد عن نصف الشهداء هم من النساء والأطفال وكذلك الجرحى، بالإضافة إلى مسح عائلات بالكامل من السجل المدني.
وقالت: “في هذه الحرب تتعرض غزة إلى مجاعة حقيقية، وخصوصًا في شمال القطاع، حيث يمنع الاحتلال دخول المساعدات، والآن تقريبًا 5 شهور لم يدخل إليهم أي نوع من المساعدات، وهناك من مات جوعًا، ومنهم من لا يتناول الطعام لأيام، كذلك المساعدات التي تدخل إلى جنوب القطاع ووسطه لا تكفي النازحين والسكان الحقيقين قبل الحرب، حيث إنها تدخل بكميات قليلة. وهناك أصناف كاملة فُقدت من السوق، خصوصًا الاحتياجات الخاصة بالمرأة، حيث دُمر الوضع الاقتصادي، فأغلب السكان، أي نحو 85٪، يعملون يوميًا وليس لهم دخل ثابت، وأغلبهم فقد عمله بسبب الحرب”.
الخبير السابق البيئي وائل الزريعي
الخبير السابق في برنامج الأمم المتحدة للبيئة وائل الزريعي، وهو عضو في لجنة البيئة والاقتصاد والسياسات الاجتماعية في الاتحاد الدولي لحماية البيئة، قدّم مداخلة أيضًا بعنوان “الابادة البيئية الصهيونية في قطاع غزة في ضوء القانون الدولي والإنساني”، قال فيها إن الجريمة البيئية هي فعل المقصود به تدمير البيئة عن قصد وبفعل فاعل، وهي الممارسة الدؤوبة للاحتلال في الأراضي الفلسطينية منذ النكبة لخلق ظروف وبيئة طاردة للحياةز فمنذ احتلال فلسطين يقوم العدو بالأضرار بالبيئة وسيلةً ممنهجة منه للتخلص من السكان الأصليين، أو تهجيرهم من أراضيهم وفقًا لسياسة ممنهجة تقوم على الإخلاء العدائي، عبر تدمير البيئة الطبيعية.
وتابع: “خلال العدوان الحالي على قطاع غزة تشير العديد من التقارير للهيئات الدولية استخدام الاحتلال أسلحة محرمة دوليًا بهدف الإضرار بالإنسان والبيئة. وهذه الأسلحة ستترك آثارها على الموارد البيئية لقطاع غزة وعلى صحة الإنسان على المدى البعيد، ما يبرهن على تعامل الاحتلال مع البيئة الفلسطينية وفقًا لبروتوكول إبادة ممنهج، يمكن وصفه ببروتوكول إبادة بيئية”. وأشار إلى أن القوانين الدولية تلتقي لحماية البيئة والقوانين الدولية الإنسانية حول قاعدة قانونية، وهي توفير الحماية لضحايا العدوان والانتهاكات خلال الحروب، والمتابعة الجنائية للجرائم التي تقع تحت طائلة القوانين الدولية والإنسانية، ما يتطّلب العمل على رصد الجرائم المختلفة للاحتلال ضد البيئة، خلال العدوان الحالي على قطاع غزة، والعمل على متابعتها أمام الهيئات الدولية المعنية بجرائم الحرب وجرائم الاعتداء على البيئة.
المواثيق الدولية البيئية
كما كان للنائب في البرلمان والمهندس عز الدين شلغاف من تونس مداخلة بعنوان “التأثيرات البيئية للعدوان الصهيوني على فلسطين”، حدّد فيها الاتفاقيات الدولية التي تهتم بالبيئة في ظل النزاعات المسلحة، لافتًا إلى أن الكيان الصهيوني مستثنى من كل هذه المواثيق الدولية بدعم وغطاء دائم من الإمبريالية العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، والتي تشارك وتقود فعليًا هذا العدوان الذي خلّف أكثر من 30 ألف شهيد، 70% منهم أطفال ونساء، وأكثر من 71 ألف جريح، بالإضافة إلى تشريد 90% من السكان، والدمار الهائل الذي أصاب البنى التحتية، في كارثة إنسانية غير مسبوقة. يُضاف إليها الجرائم البيئية التي يرتكبها الكيان، من تلويث التربة والمياه وتدمير الأحياء البحرية التي هي مصدر قوت الغزاويين، والتي تتهدد حياتهم، ويمكن أن تعيش معهم لعقود قادمة، جاعلةً من حياتهم هناك شبه مستحيلة. وأوضح شلغاف أن الكيان يستحوذ على الموارد الطبيعية من أرض ومياه وغابات ومراعي والبحر- في فلسطين، لبنان، الأردن- وأن هناك صعوبة أو استحالة لوصول السكان الأصليين لهذه الموارد، وقد طالت المواقع كافة التي تحت سيطرته المباشرة أو سيطرته النارية.
مدير مركز دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء عابد الزريعي
مدير مركز دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء عابد الزريعي تطرق في مداخلته إلى التموضع البيئي، خلال مرحلة التموضع الاستيطاني الكمي والكيفي، وتناول المرحلة المحددة من بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين وحتى العام 1948 وهي مرحلة التموضع الكمي للاستيطان الصهيوني، والتي انتهت مع إعلان قيام الكيان الصهيوني الذي شكل تحولًا كيفيًا للمرحلة الأولى.
وقال: “خلال المرحلتين، اعتمد التموضع البيئي على ثلاثة عناصر، الأولى هي الصورة: فلسطين أرض خالية قاحلة بلا شعب، جرى تحويلها إلى واحة غناء محاطة بشرق أوسط منحطّ وقاحل وبدائي ومتخلّف، والثانية هي العوامل المساعدة التي اعتمدت الحركة الصهيونية في تموضعها البيئي، وهي العامل الأيديولوجي كونه عاملًا محفزًا يستند إلى التوراة ويتخذ صيغة الربط بين الأرض والمشهد الطبيعي وظهور الأمة. وفي هذا السياق ظهرت الصهيونية الخضراء التي دعت، في العام 1925، إلى التناغم الروحي مع الأرض قبل إنشاء السلطة السياسية. والعامل الاستعماري، والحكم العثماني الذي دمر الأشجار في فلسطين وفرض ضرائب عليها. والاحتلال البريطاني الذي ساعد الحركة الصهيونية في الاستيطان، وقدم مختلف المساعدات للمهاجرين اليهود. والعامل الذاتي المتمثل في حيازة السلطة القمعية والقانونية بعد العام 1948، والذي اعتمد عليه لفرض أمر واقع عززته بالقوانين لتحوّله إلى حقيقة تدعم ملكيتها لتلك “الأرض الموعودة””.
أما عن آليات التموضع، فأكد الزريعي أن الحركة الصهيونية استندت خلال المرحلتين إلى مجموعة من الآليات بهدف تكريس تموضعها البيئي. وتتمثل هذه الاليات بالاستيلاء على الأرض وإنشاء “الصندوق القومي اليهودي” بهدف شراء الأراضي في فلسطين باسم الشعب اليهودي ولصالحه، ثم التوسع في تملّك الأراضي والسيطرة على الموارد ضبط الأمن في حدود علاقات القوة والهيمنة، إلى جانب تجفيف بحيرة الحولة والمستنقعات المحيطة بها لزيادة رقعة الأراضي الزراعية، والوصول إلى منابع الماء، من خلال الربط بين حدود فلسطين ومصادر المياه، لتضم جنوب لبنان وينابيع نهر الأردن. ووضع الخطط لزيادة الموارد المائية من استثمار مياه الينابيع والمياه الجوفية والسطحية ومحاولة السيطرة على منابع أنهار الأردن والليطاني والحاصباني.
وتطرق إلى أهداف التطبيع البيئي؛ وأهمها إخفاء الطابع الاستعماري وتطبيع القمع الإسرائيلي وما ينتج عنه من مظالم بيئية في فلسطين والجولان، ونهب المياه الفلسطينية والعربية. وحذر الزريعي من تفكيك النظام الإقليمي العربي من خلال الانخراط في مشاريع اقليمية، فمصر تشترك مع العدو وقبرص واليونان لتزويد أوروبا بالغاز، وهذا جزء من جهود الاتحاد الأوروبي لإنهاء الاعتماد على الغاز الروسي. وأشار إلى التنكر لفلسطين من خلال مشاركة مصر والمغرب والأردن والإمارات في مشاريع الطَّاقة مع “إسرائيل” التي تنهب موارد الطاقة الفلسطينية والجولانية.
وثيقة الندوة
صدرت وثيقة عن الندوة؛ شدّد فيها المشاركون على أن جرائم الإبادة البيئية تشكّل جزءًا رئيسًا من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني، وتتضمنها الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضدها أمام محكمة العدل الدولية. وقالت الوثيقة إن وقف حرب الابادة على قطاع غزة لا يعني وقف التنكيل بالبيئة الفلسطينية، واستمرار آثار الخراب البيئي على الإنسان ومحيطه الطبيعي، بسبب الأساليب الهمجية التي لجأ إليها العدو خلال الحرب. الأمر الذي يجعل من إعادة الإعمار لتلافي بعض تلك المخاطر تحديًا قادمًا، خاصة أن العدو ذاته سيحاول استخدامه كسلاح في وجه محاولة استعادة الحياة الطبيعية في قطاع غزة.
وأكدوا أن قضية البيئة الفلسطينية ترتبط بقضية المناخ فهي قضية إنسانية، الأمر الذي يجعل منها شكلًا من أشكال معاناة الشعوب الأصلية التي عانت من الويل الاستعماري. لذلك؛ فإن النضال من أجل حماية البيئة الفلسطينية هو نضال إنساني ووطني فلسطيني من أجل تقرير المصير والسيادة على الموارد الطبيعية للشعوب.
وأشار المشاركون، في البيان الختامي، إلى أن التطبيع البيئي الذي يتنامى في ظل تطبيع علاقات بعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني يشكّل غطاء أخضر يمنح الفرصة للكيان الصهيوني لتدمير وانتهاك ونهب البيئة الفلسطينية، الأمر الذي يجعل من النضال من أجل حماية البيئة الفلسطينية جزءًا لصيقًا بنضال الشعوب العربية ضد التطبيع.
كما جرى طرح تصور نضالي بيئي ودعم الصمود البيئي للإنسان الفلسطيني بكل ما يعنيه المصطلح من معنى، ومن ناحية ثانية حصار الكيان الصهيوني والقوى المتواطئة معه ومنها قوى التطبيع. وشدّد المجتمعون على أهمية المقاومة الميدانية من خلال القيام بالأنشطة الميدانية على الأرض الفلسطينية، من أجل تدعيم الصمود البيئي للإنسان الفلسطيني وتعزيز قدراته في مواجهة آلة القمع الصهيونية. وفي هذا الصدد؛ يمكن الإفادة من التجارب الناجحة في هذا المستوى، ومن ضمنها تجربة العربية لحماية الطبيعة.
أ.ش