الكابينة الصهيونية الجديدة والتحديات السياسية الاجتماعية

بعد ما يقرب من شهرين على اجراء انتخابات كنيست الكيان الصهيوني، ارتفع مؤشر المخاوف والآمال في قلوب الصهاينة لتشكيل الكابينة بزعامة بنيامين نتانياهو ، علماً ان الصهاينة، الذين شاهدوا خلال الاشهر القليلة الماضية شرخاً عميقاً في القضايا السياسية والاجتماعية، ليسوا راضين كثيراً عن النتائج التي افرزتها تلك انتخابات.

2023-01-01

الأشخاص المطلعون على تفاصيل المجتمع الصهيوني يعلمون حق العلم انه منذ بداية تأسيس الكيان المزور كانت هناك فجوة في المجتمع الصهيوني بين المتدينين والعلمانيين، وحتى بين الحريديين والسفارديين وبين يهود الشرق ويهود الغرب.

لكن هذه المرة فان الفجوة ليست فقط بين المتطرفين والعلمانين او حتى بين الحريديين والسفارديين، بل يمكن مشاهدتها حتى بين المجتمع التقليدي والمجتمع الديني(الاسرائيلي). مع العلم ان الاستياء من الوضع القائم لا يقتصر على الوقت الحالي وانما المجتمع الصهيوني يعاني منذ سنوات من مثل هذا التصدع.فالمتدينين كانت لهم مطالب لم تتمكن حكومة الكيان العلماني الصهيوني تحقيقها، منها الاعفاء من الخدمة العسكرية والحصول على خدمات وتسهيلات خاصة للعيش في المناطق المحتلة علاوة على حقوق وامتيازات خاصة و… والتي كلها تتعارض مع القوانين النافذة في الكيان.

اما الصهاينة المتطرفون فسعوا منذ فترة طويلة لنيل مطالبهم، والتي من اجلها قاموا مرات عديدة بالتظاهر في الاراضي المحتلة. وشاهد العديد من المراقبين آنذاك وقوع اشتباكات دموية بين الحريديين والحسيديين من جهة والشرطة الصهيونية من جهة أخرى. وهذه الاشتباكات لم تحصل فقط في نقاط تماس الصهاينة في المناطق المحتلة من الضفة الغربية مع الفلسطينيين، وانما جرت أيضاً في المستوطنات ومناطق سكن الصهاينة مع الشرطة الصهيونية، وامتدت الى المناطق المحتلة عام 1948.

يذكر ان الاحزاب اليمينية الدينية طالبت دائماً باقرار وتطبيق القوانين الدينية طبقاً للشريعة اليهودية في كافة مناطق فلسطين المحتلة. وكانت منذ فترة طويلة مستاءة من الاوضاع الاجتماعية وعدم الالتزام بالاخلاق في المدن المحاذية للبحر الابيض المتوسط. وهذه الاحزاب تنوي استخدام قدراتها و أدواتها السياسية و الاجتماعية الحالية لممارسة الضغط على الحكومة الصهيونية. هذا كله في الوقت الذي يعتزم بن غفير و اسموتريج تنفيذ مخطط لاخراج الفلسطينيين والعرب من المناطق المحتلة عام 1948، وتطبيق وعودهما في هذا الصدد في حالة تسنمهما مناصب وزارية. وهذا يمكن ان يكون ارضية لتفجّر الكثير من المجابهات والنزاعات وتحديات اضافية للنظام الصهيوني.

يذكر ان يائير لابيد ونفتالي بينيت بذلاً جهوداً كبيرة لتشكيل كابينة ائتلافية، وتمكنا خلال فترة قصيرة من تشكيل كابينة أزمة ائتلافية وعالجوا بذلك الازمة القائمة في الكنيست. لكن نقاط الخلاف بين اعضاء الكابينة والكنيست كانت الى حد أجبر بسببها نفتالي بينيت على تقديم استقالته ليتولى يائير لابيد امور الكابينة الصهيونية.

يمكن تقييم التصدعات الاجتماعية والسياسية في الكيان الصهيوني من مختلف الابعاد. وقد كانت هذه التصدعات والفجوات على الدوام واحدة من معضلات المجتمع الصهيوني، والتي اشتدت وتعمقت وبدت اكثر للعيان في الفترة الحالية، مولدة حالة جديدة من الاستياء بين اليهود العلمانيين واليهود المتدينين.

والآن بعد مضي قرابة شهرين على انتخابات الكنيست وتولي بنيامين نتانياهو تشكيل الكابينة ، التي نالت مصادقة الكنيست قبل أيام ، تصاعدت وتتصاعد مخاوف وآمال الصهاينة. كما ان الصهاينة العلمانيين والديمقراطيين يخشون من تشكيل هذه الكابينة، لانه بتواجه اشخاص فيها مثل بن غفير واسموتريج، سيتم توجيهها على نحو متطرف يميل للاحتراب وبالتالي الى تحديات جديدة.

التحدي التالي للكيان الصهيوني، هو التعامل مع يهود الولايات المتحدة. واللوبي الصهيوني في أمريكا هو منذ أمد طويل واحد من اللوبيات الاكثر نفوذاً وقوة في العالم. ويهود أمريكا غير راضين عن الوضع القائم، وبما انهم كانوا على الدوام يحاولون تعزيز و تثبيت علاقات كيان الاحتلال مع الحكومة القائمة في واشنطن، فمن البديهي ان التطرف وسياسة التوجه للمجابهة والحرب التي يعتمدها المتطرفون في الكيان ستفرز انقساماً وفرقة بين يهود أمريكا.

اما التحدي التالي للكيان الصهيوني فهو التعامل والمحافظة على التعادل في العلاقات مع تنظيمات الادارة الذاتية الفلسطينية التي لها منذ سنوات عديدة اتفاقية غير تحريرية مع الكيان والتي لن تستطيع مواصلة تعاونها الامني مع هذا الكيان في حالة تولي السلطة متطرفون وأناس لهم مشاكل جذرية ووجودية مع الفلسطينيين. كما ان المجابهات بين الصهاينة والفلسطينيين في نقاط التماس في الضفة الغربية والقدس يمكنها ان تعمق الصدع. علما ان مواجهة الكيان الصهيوني وتنظيمات الادارة الذاتية في هاتين المنطقتين (الضفة الغربية والقدس) وقوى المقاومة الفلسطينية في غزة، ليست فقط بدون نهاية وانما آخذة بالتصاعد يوماً بعد يوم. وهذا يجعلنا لا نستبعد سيناريو فشل الكابينة الصهيونية والائتلاف الصهيوني هذه المرة أيضاً.

المصدر:  الوفاق/خاص/حميد مهدوي راد