على أعتاب ذكرى انتصار المسلمين

إضاءات قرآنية حول غزوة بدر

الآيات القرآنية تذكرجانب من جوانب التهيئات الإلهية للمؤمنين في مواجهتهم مع الأعداء

2024-03-27

 

دراسة الظروف وتعدد سبل المواجهة

عندما نقرأ السيرة النبوية الشريفة فإننا لابد أن نقرأ مرحلتين في هذهِ السيرة حتى تستوضح أمامنا حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله.

🔸المرحلة الأولى هي المرحلة المكية.. وهي المرحلة التي احتوت الدعوة السرية والجهرية بالإسلام وما قابله من ضغوطات وسياسات قمع ومؤاذاة بحق كل إنسان اعتنق هذا الإسلام..

كان الصبر هو ما تتم به مقابلة هذه التصرفات العدوانية.. فكان المسلمين آنذاك مظلومين ولم يكن لهم موقف آنذاك لأن الظروف آنذاك لم تكن مستوسقة للقيام بأي تحرك مضاد لأكثر من سبب من ضمن ذلك ضعف شوكة المسلمين.

🔸المرحلة الثانية هي المرحلة المدنية؛ وفيها اتخذت صورة المعركة منحى ومسار آخر.. وهي التي حددتها الآية الكريمة من سورة الحج (أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُوا۟ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِیرٌ).

ومنها كانت بداية إرهاصات غزوة بدر

🔴 في أجواء غزوة بدر”

🔸القافلة من أجل ماذا؟

(وَإِذۡ یَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّاۤئفَتَیۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَیُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ)

البعض فهم موضوع القافلة موضوع يتماشى مع هواه في نقده للإسلام كدين وفكر وتاريخ.. إذ أنه وصف اعتراض المسلمين للقافلة عبارة عن أسلوب من أساليب غارات البدو على العير والقوافل وهذا يعتبره نقد في جانب من جوانب الإسلام، لابد أن نفهم الأمر من ثلاثة نواحي:

🔹أن تعرض القافلة هي وسيلة من وسائل الضغط التي تخبر المتآمرين بقوة الإسلام وتتيح له الحرية ببعد أن كان سبيل المواجهة من قريش كان الاضطهاد والظلم والذي مازال جاثماً كموقف حتى بعد الهجرة.

🔹لم يكن التعرض للقافلة من أجل القافلة بل هي رسالة يمكن من خلالها إيجاد ايحاء للمسلمين بقوة المسلمين لأن الأجواء التي توحي إلى القوة كان لابد منها وكذلك رسالة أخرى إلى أعداء الإسلام بأن الإسلام بات في قوة كحرب نفسية.

🔹كان هنالك موازين قوى في شبة الجزيرة العربية.. فكان رسول الله صلى الله عليه وآله آنذاك يريد أن يكون للإسلام قوة توازن، توازي تلك القوى في شبه الجزيرة العربية.
وكذلك كتخفيف ضغط على الفئات المقهورة المسحوقة التي تخضع للقوى العسكرية والمالية ومنها قريش وذلك بالإيحاء أن قريش ليست القوة الوحيدة التي يمكن الخضوع لها.

 

 معركة بدر

 

 

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن یَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَـٰبِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِۚ وَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفࣰا مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ ۝ ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰاۚ فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ صَابِرَةࣱ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِۚ وَإِن یَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفَیۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ)

هنا للقوة فلسفتها.. ولأن كثير من المسلمين حديثي عهد بالمعارك والحروب وهم من عاشوا ذات يوم ظروف ضاغطة من قهر واذلال..

كان هنالك مفهوم خاطيء مازال هو الجاثم على صدور الكثير من الناس إلى يومنا هذا.. فالقوة بالمفهوم المتعارف لهم هي قوة المادة وقوة العضلات وقوة الكثرة والسلاح..

ولكن الله تعالى في الآيات أعلاه أراد لهم أن يفهموا بأن القوة ليست في ذلك فقط.. بل أن هنالك جانب آخر وهو الأهم وهو الأكثر قوة مما تم ذكره وهو قوة الإرادة وقوة الصبر وقوة التحمل وقوة الارتباط بالله..

وهذا ما أزاح تلك الذهنية التي عاشت أيام من الألم والقهر وان يبتدئوا مرحلة جديدة من الصبر والجهاد الذي يرسم طريق العزة والكرامة.

تهيئة المعركة

(إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّی مُمِدُّكُم بِأَلۡفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤئكَةِ مُرۡدِفِینَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَىِٕنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمٌ ۝ إِذۡ یُغَشِّیكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةࣰ مِّنۡهُ وَیُنَزِّلُ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ لِّیُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَیُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ وَلِیَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَیُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ ۝ إِذۡ یُوحِی رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَـٰۤئكَةِ أَنِّی مَعَكُمۡ فَثَبِّتُوا۟ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۚ سَأُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُوا۟ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُوا۟ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانࣲ ۝ ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّهُمۡ شَاۤقُّوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن یُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ ۝ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابَ ٱلنَّارِ)

مثل هذهِ التهيئات العظيمة لابد أن تكون دروس لنا بمعية الله لنا في كل التحديات التي تواجهها الأمة

فالآيات أعلاه ذكرت لنا جانب من جوانب التهيئات الإلهية للمؤمنين في مواجهتهم مع أعدائهم.. من نُعاس ومن غيث من السماء لما له وقع في النفوس وكذلك في الجغرافيا وساحة المعركة التي كانت رمال في وادي..
وكذلك وجود ملائكة تثبت المؤمنين وكذلك إلقاء الرعب على قلوب المشركين.

 من ضعف إلى قوة

قال أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله أثناء التحضير لمعركة بدر ( يا رسول الله هذه قريش ما ذلت منذ عزت).

ولكن أراد الله ورسوله أن يحاولوا نقاط الضعف هذهِ إلى قوة واقتدار ويزيح تلك الثكنات الفكرية في قلوب المسلمين وعقولهم التي تؤمن بجبروت القوى المستكبرة وتحويلها إلى قوة تؤمن بقوة الله العزيز.

آيات تتحدث عن المعركة

(إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِی ٱلۡمِیعَـٰدِ وَلَـٰكِن لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا لِّیَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَیِّنَةࣲ وَیَحۡیَىٰ مَنۡ حَیَّ عَنۢ بَیِّنَةࣲۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ ۝ إِذۡ یُرِیكَهُمُ ٱللَّهُ فِی مَنَامِكَ قَلِیلࣰاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِیرࣰا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ۝ وَإِذۡ یُرِیكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَیۡتُمۡ فِیۤ أَعۡیُنِكُمۡ قَلِیلࣰا وَیُقَلِّلُكُمۡ فِیۤ أَعۡیُنِهِمۡ لِیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ۝ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا لَقِیتُمۡ فِئَةࣰ فَٱثۡبُتُوا۟ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ)

وهذه من ضمن التهيئات الجغرافية العسكرية النفسية المبهرة من قِبل الله تعالى..
والتي تحتاج إلى مبحث آخر للحديث عنها حول كيف هيأ الله حيثيات المعركة هذهِ في مواقعها وفي نفسيات المسلمين ونفسيات الكفار وكيف هيأ موعدها..

وفي هذهِ آيات يجب ألَّا نتوقف عندها لما لها من تأثير نفسي كبير يقويه الإرتباط بالله سبحانه وتعالى في إطار التحرك في سبيل الله.. فهذه آيات لم تبقى رهينة التاريخ بل لها أن تتجدد كتمكين وتهيئة إلهية لعباده المؤمنين المتحركين في سبيله تعالى..

 انتصار من قِلة

( لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)

حقيقة تاريخية كحجة على كل التاريخ في خضم التحديات والمخاطر والضغوطات التي يعيشها المؤمنين في كل مكان وزمان.

 

أمين المتوكل

كاتب يمني

 

المصدر: الوفاق- خاص