“بسم الله وبالله وفي سبيل الله، فزت ورب الكعبة”.. أمير المؤمنين عليه السلام.
ليلة خيرٌ من ألف شهر. هكذا وصف الله سبحانه وتعالى ليلة القدر، التي يتلمسها كلّ مسلم في شهر رمضان المبارك، وتقول مرويات إنها ربما صادفت يوم الجمعة الماضي ليلة التاسع عشر. هي ليلة فارقة أيضًا بالنسبة لكل إنسان، كونها ليلة الغدر بأحد الرموز الإنسانية الرفيعة وحاملي ألوية المثل العليا وأهم نماذج العدالة في التاريخ البشري المعروف لنا، على الأقل، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام. كانت الليلة فرصة لحديث إيماني بصوت سماحة السيد حسن نصر الله، وفهمه العميق وروحه التي تجيد ربط هذه الأحداث بواقعنا اليوم، وتضبط بوصلة من شذ أو تشوش ذهنه، بفعل أخطبوط سام يسيطر على المنطقة اسمه “الإعلام” الخبيث.
وإذًا كان محور حديث سيد المقاومة هو الربط التلقائي بين طوفان الأقصى الذي يخوضه الثلة الأشرف من المجاهدين ضدّ العدوّ ورعاته الغربيين وداعميه الداخليين، وبين ليلة القدر التي هي ليلة نور إلهي وفيض كرم على المؤمنين الصابرين، خصوصًا من أهل الجبهات، ينابيع العزة والفخر والفداء، وبين فكر أمير المؤمنين الناصع القاطع اليقيني، وليد أقدس بقعة في الأرض، الكعبة المشرفة، ولي وأمير الذين آمنوا، وشهيد ليلة القدر، وفي المحراب، أطهر بقعة من بيت الله، وفي سجود صلاة فجر، وكان أول ما نطق به “فزت ورب الكعبة”. هنا الفارق بين فكرة الجهاد/المقاومة وبين غيرها ليس عاديًا ولا قريبًا. هو فارق أصلًا في المنطق لا الحساب، الجرذ لن يفقه الطهارة لكي يتعلم أهمية النظافة، هو يعيش بين أدران وأقذار، ويظنها طبيعة الحياة، يفهمها بالشكل المادي الذي لا يفرق بين إنسان وحيوان. الحرب بالنسبة له – في الأساس – هي مغامرة مرفوضة، ومرادفها الذي يفهمه منها أنها نقص في الأموال والثمرات وتوديع لحياة العجز والكسل، وهو بذلك المنطق يرى الموت شرًا دائمًا، ولا يؤمن حين يؤمن إلا بالذهب اللماع أو بالسيف الحاد.
لم يكن السيد حين تحدث عن أعز أبناء حزب الله، وجبهة المقاومة بشكل عام، ممن كرمهم الله بالشهادة، تاج المجد السماوي والخلود، يتحدث كما إعلامنا عن “خسائر بشرية”، لو كان الشهيد خسارة فمن هو الفائز إذًا؟ كانت الرسالة البليغة إلى الكيان و”الكيانيين” العرب، أن قرار العدوّ بفتح جبهة القتال بعد “طوفان الأقصى” شيء، والتحكم في تدفق المياه شيء آخر تمامًا، وأنه أذا كان الكيان يفترض واهمًا أنه يستطيع إنهاء المعركة وقتما يريد هو آخر ما يمكن أن تقبله الصورة التي آلت إليها الحوادث اليوم.
بكلمات صافية ومباشرة كشف سماحة السيد عن هدف المحور كله من عملية طوفان الأقصى بأنه النصر، ولا شيء سواه، وقال: إن ما نبحث عنه هو النصر، ومعنويات المجاهدين في كلّ الجبهات عالية وقوية وصامدة، ولا وجود لأي شعرة ضعف أو وهن في جبهة المقاومة”. وهذا ليس هدفًا فحسب، لكنّه واجب أمام كلّ التضحيات التي قدمتها الأمة في ساحات الشرف والعز، مقابل ما تحملته غزّة وفلسطين وجنوب لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران، النصر الذي أصبح فريضة مع كلّ هذه الدماء الغالية والتضحيات الشريفة.
آن اليوم للتضحيات الغالية التي بذلتها نفوس كريمة حرة أن تصل إلى عتبات الرضا والسلام، السلام الحقيقي الوحيد الذي نعرفه هو أن تعود فلسطين حرة لشعبها، ليس أقل، وأن درسنا الإيماني والتاريخي الأبلغ في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، هو أن من يملك الإيمان يملك قدرة وجرأة الحلم بالنصر، وهؤلاء الحالمون وحدهم من يستطيعون كتابة التاريخ أو تغييره.
البعض من عشاق الحسابات والساقطين في فخ المقاييس والمعايير قد يجدون صعوبة بالغة في تقبل كلمة نصر أمام ما حققته جبهة المقاومة فعلًا وعلى أرض القتال، في وجه عدو مستشرس، ودعم غربي مفتوح ولا حدود أو نهاية له، وخذلان عربي يعجز الضمير عن وصف آلامه ومرارته وسقوطه. الأديب المصري الشهير عباس محمود العقاد كتب عن معيار النصر عند أمير المؤمنين عليه السلام: “فزت ورب الكعبة، أقسم برب الكعبة لو اجتمعت كلّ قواميس السياسة والحكم في العالم لما استطاعت أن تحيط بمعنى هذا الفوز، منذ سنين كلما مررت على هذه الكلمة “فزت ورب الكعبة” أشعر أن كلّ منظومتي الفكرية تهتز؛ إذا كان علي عليه السلام هو الفائز فمن الخاسر يا ترى؟ الفوز والخسارة في قاموس علي يرسمان لوحة الإنسانية التي أرادها الله أن تستخلفه في عالم الوجود”
أحمد فؤاد
أ.ش