المفكر اللبناني الشيخ توفيق علوية من لبنان للوفاق:

مراجعة نهج البلاغة لعلاج تحديات اليوم أمر ضروري جداً

خاص الوفاق:ان تاثيرات افكار وقيم الامام علي عليه السلام لو أمكن وصولها الى المجتمعات الاسلامية لعاشت المجتمعات الاسلامية نفستلك الحياة الروحية والمعنوية والايمانية والجهادية والعلمية والابداعية والحضارية

2024-04-01

فاطمة محبي

بمناسبة الذكرى السنوية لإستشهاد الإمام علي عليه السلام أجرت  جريدة الوفاق لقاء  مع المفكر اللبناني الشيخ توفيق علوية وتطرق فضيلته الى عدة مسائل ذات صلة بالإمام علي عليه السلام ونهج البلاغة والذي جمعه المرحوم الشريف الرضي.

فيما يلي  نص اللقاء:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما هو رأیکم في تأثیرات الأفکار و القیم الأخلاقیة لأمیر المومنین علی علیهالسلام علی المجتمعات الاسلامیة؟

 

القيم الانسانية مع امير المؤمنين الامام علي عليه السلام لها قصة مختلفة عن باقي الشخصيات الانسانية ما عدا الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم، فهي متفرقة،  وهو عليه السلام يجمعها في شخصيته الالهية المقدسة، بل ان اسم الامام علي عليه السلام يغنينا عن تعداد هذه القيم واحدة تلوالاخرى ، ولا نبالغ اذا قلنا بأن القيم الانسانية الاعلائية والخلاقة هي التي تتشرف بالانتساب الى امير المؤمنين عليه السلام .

اما عن تاثيرات افكار وقيم امير المؤمنين عليه السلام على المجتمعات فاننا نعلم بأن افكار وقيم الإمام  لم تصل بكل اسف الى سائرالمجتمعات الاسلامية ذلك اما لان المجتمعات الاسلامية يذهب تركيزها على غيره منالشخصيات بسبب الظلم التاريخي للامام عليه السلام الذي يؤدي الى عدم ذكره عليه السلام ، أو  لان هناك من يتعمد طمس ذكره وفضائله عليه السلام ، ولكننا نستطيع القول بان تاثيرات افكار وقيم الامام علي عليه السلام لو أمكن وصولها الى المجتمعات الاسلامية لعاشت المجتمعات الاسلامية نفس تلك الحياة الروحية والمعنوية والإيمانية والجهادية والعلمية والابداعية والحضارية التي كان على الامة ان تعيشها في حال اتباعها الدقيق للرسول الاعظم صلىالله عليه واله وسلم ، وذلك لان الامام علي عليه السلام هو الوحيد الذي اخلص في كل حياته في عملية الاقتداء والتاسي بالرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم والعمل بما كان يعمله وترك ما كان يتركه ، بل حتى صلاته التي كان يصليها كانت تذكر الناس بصلاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باعتبارها تلك الصلاة الحقيقية التي صلاها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .

ان تاثيرات افكار وقيم امير المؤمنين الامام علي عليه السلام توصل البشرية عموما والامة الاسلامية خصوصا الى الاهداف التي ارادها الله المتعال من بعثة كل الحجج الالهيين ومن الاسلام  ومن القران المجيد ، فببركة وصول تاثيرات افكار وقيم الامام علي عليه السلام الى الناس وتأثرهم بها سلوكياً  فإننا سنرى المجتمعات الاسلامية،  تلك المجتمعات المؤمنة الخلوقة الحضارية الابداعية التي تتسابق نحو الفضائل وتتخلى عن الرذائل،  وتتنافس على الابداعات والاختراعات، وتنبذ الطبقية ، وتفتخر بالزهد، وتتخلى عن الانانيات والاحقاد والحسد والغش والكذب والنميمة والغيبة والبهتان، وتتحلى بالكرم والحلم والشجاعة، وتعيش الحب والقناعة والوئام ، وتعتبر الحكم وظيفة ومسؤولية لا أبهة وتسلطا وامتيازا ، كما انها تظلل كل هذا بتقوى الله المتعال وجعل رضاه مقياسا وميزانا لكل قبول ورفض .

 

برأیکم أي جانب من حیاة و تعالیم الإمام علی علیه السلام له علاقة أکثر مع العصر الراهن؟

هناك جوانب عديدة من شخصية الامام عليه السلام وتعاليمه مرتبطة بواقعنا المعاصر، باعتبار ان الامام علي عليه السلام كان عابرا للازمنة والامكنة ، ومن هنا فإن كل ما كان عند علي عليه السلام وما وصلنا من صفاته وخصاله وخصائصه يجعلنا في تماس مع واقعنا ، فعصرنا الراهن يحتاج الى علم علي عليه السلام لا فقط لرفع الجهل وانما لمسابقة الامم والحضارات والتفوق عليها، وزهد علي عليه السلام يحتاجه عصرنا الراهن من اجل ان تعيش مجتمعاتنا عدم الاستغراق في الماديات والشهوات والانكباب عليها ، وبالتالي من اجل التحرر من الاهواء ، وشجاعة علي عليه السلام يحتاجها عصرنا الراهن من أجل مواجهة الاعداء وعدم تسلل الخوف والجبن الى افرادنا ومجتمعاتنا، وحكمة علي عليه السلام يحتاجها عصرنا الراهن من اجل تحديد مشاكلنا بدقة واعطاء الحلول الصائبة والسديدة لرفعها من الوجود، وحلم علي عليه السلامنحتاجه في عصرنا الراهن من اجل ان لا نعيش التهور في انفعالاتنا وسلوكياتنا بسبب الغضب والطيش ، وعبادة علي عليه السلام تحتاجه مجتمعاتنا في عصرنا الراهن من اجل ان نتوجه الى قلبه المتعال بقلوبنا وعقولنا وبكل خشوع وخضوع كي نسمو روحياً ونرتفي معنوياً ، وصبر علي عليه السلام نحتاجه في عصرنا الراهن من اجل الصمود امام كل التحديات والنجاح في تخطيها،  وبصيرة علي عليه السلام نحتاجها قي العصر الراهن من اجل الاحاطة بحقائق الاشياء دون ان تغرنا مظاهر الاشياء فنقع في افخاخ الاعداء، وعدل علي عليه السلام نحتاجه في عصرنا الراهن من اجل ان لا نظلم بعضنا بعضا ومن اجل صلاح حكامنا ومن يسوسنا، وتواضع علي عليه السلام نحتاجه في عصرنا الراهن من اجل ان لا نتحول الى مجتمعات تعيش الخيلاء الكاذبة والزهو المصطنع ، وكرم  وعطاء وصدقات علي عليه السلام نحتاجه في عصرنا الراهن من احل ان نتكافل بعضنا بعض ، وحب علي عليه السلام نحتاجه في عصرنا الراهن من اجل تلافي البغض والغل والحقد وما اشبه، وعفو علي عليه السلام نحتاجه في عصرنا الراهن كي لا نتحول الى مجتمعات تعيش دوامة الثارات والانتقام والانتقام المتبادل ، وصدق علي عليه السلام نحتاجه في عصرنا الراهن من اجل ان لا نكون في دائرة الكذب فتنتهي بذلك صلاحيات الانسانية فينا ، والقناعة التي كانت عند علي عليه السلام نحتاجها في عصرنا الراهن لكي لا نقع فريسة خداع الاطماع ، وهكذا فاننا نحتاج الى كل ما وصلنا من علي عليه السلام من اجل علاج كل مشاكلنا والنجاح في كل استحقاقاتنا ورفد مجتمعاتنا والاخذ بيدها الى السمو والرفعة والكمال ، وهنا لا بد من كلمة لكل إنسان  انه لا يمكنك ابدا الاستغناء ابدا عن الاقتداء والتأسي بعلي عليه السلام في حال اردت الصلاح مهما بالغت واجتهدت في اختيار غيره ؛ لان علياً عليه السلام هوالامتداد الحصري لكل الانبياء والرسل والحجج الالهيين ولرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وما يقوم به الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف هو تطبيق عملي لمنهج علي عليه السلام.

 

  کیف یمکن أن نستفید من أفکار الإمام علی علیه السلام لحلالمشاکل و التحدیات الکبیرة في المجتمع؟

 

لا يمكن الصيرورة الى حل مشاكل كل البشرية وليس مشاكل مجتمعاتنا فحسب الا من خلال منهج علي عليه السلام الذي هو المنهج الامتدادي والحصري لكل الانبياء والرسل والحجج الالهيين ولرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ولكن حتى نصل الى نتيجة وضع منهج الامام علي عليه السلام في اطار حل مشاكلنا نحتاج اولاً الى تبني هذا المنهج على الصعيد العام والقبول به ، وذلك لان اغلب البشرية بكل اسف لا تتبنى هذا المنهج اما بسبب التراكمات التاريخية التي تكفلت باخفاء شخصية الامام علي عليه السلام واخفاء منهجه عن البشرية واما لاجل تلك الخطة الخبيثة التي ينفذها اعداء منهج علي عليه السلام والتي تقوم على تجهيله،  فلا بد اذن اولا من التعريف بهذا المنهج،  وهنا يكمن دور الاعلام ومنه ما تقوم به صحيفتكم المباركة ، وبعد التبني لمنهج علي عليه السلام هناك عملية اخرى تحتاج الى جهد كبير وتتمثل بوضع النظريات التابعة لمنهج الامام علي عليه السلام على المشاكل القائمة ، وبعد ذلك يتم تطبيق هذا المنهج تطبيقا عمليا ، واعتقد ان هذه المقاربة تحتاج الى جهد بشري عام والى امكانيات وخبراء ، كما تحتاج الى تحويل العمل بمنهج الامام علي عليه السلام نمطاً حياتياً وسلوكياً ومعيشياً ، وبطبيعة الحال فإن مجموعات المناهج الاخرى التي تضرر مصلحيا من منهج الامام علي عليه السلام سوف تشن حربا على هذا المنهج كما هم عليه الان ، ومن هنا فإن الطريق طويل لتحقيق هذا الامر ، وما هو علينا العمل به الان ان يعيش الخواص على الاقل والعمل بهذا المنهج ، فاذا عشنا العمل بهذا المنهج فإننا بلا شك سنقدم نموذجا يحتذى به .

 

أي جانب من حياة أميرالمؤمنين هو أكثر إِثارةً للإهتمام بالنسبة لأتباع الأدیان الآخری و خاصة الفئة المثقفة منهم؟

اعتقد ان الكثير من الجوانب كان لها التأثير الكبير على اتباع الاديان الاخرى، واحدى هذه الجوانب نفس شخصية الامام علي عليه السلام ، فذات الشخصية المشتملة على هذه الصفات العالية ادهشت اتباع الاديان الاخرى ،الى حد ان احد ادباء هؤلاء وهو الشاعر والاديب بولس سلامة قال :

لا تَقُـل شيعةٌ هواةُ علــٍّي إنَّ كلَّ منصفٍ شيعـيـًا

 

هُوَ فخرُ التاريخِ لا فخرَ شعبٍ يَصطَفِيهِ ويَدعِيهِ وَلِـيَّـًا

 

ذِكْرُه إن عَرى وجومَ الليالي شقّ في فلقة الصباح نَجيّا

 

يا عليَّ العصورِ هذا بياني صِغتُ فيه وحيَ الإمام جليّا

 

يا أميرَ البيان هذا وفائي أحمَدُ اللهَ أن خُلِقتُ وفيّا

 

يا أميرَ الإسلام حَسْبيَ فخراً أنّني منك مالئٌ أصغَرَيّا

 

جَلجَلَ الحقُ في المسيحي حتى صَارَ مِن فَرطِ حُبِهِ عَلَويّـًا

 

أنا مَـن يَعشقُ البطولةَ والإلهامَ والعدلَ والخلقَ الرَضِيّـَا

 

فإذا لم يكن عَلــيٌّ نَبيّـًـا فَلَقَد كانَ خُلُقَهُ نَبوّيــَا

 

أنتَ ربٌ للعالمـينَ الهــي فَأَنِلهُم حَنَانَكَ الأَبَويــًا

 

وأَنِلني ثوابَ ما سَطـَـرَت كَفِّي فهاجَ الدموع في مقلتيا

 

سِفرُ خيرُ الأنامِ مِن بعدِ طَـهَ مَا رَأَى الكونُ مِثلَهُ آَدميـًا

 

يا سماءُ اشهَدِي ويَا ارضُ قَرِّي واخشَعِي إنَني ذَكَرتُ عَليِّـًا

نعم اذا اردنا ان نذكر امثلة على بعض هذه الجوانب يمكن ان نذكر ثلاثة وهي:

١العلم : وبعضهم قال بأن الامام علي عليه السلام لو كان موجودا في عصرنا الراهن لكان كل علماء العالم وكل المبتكرين والاختصاصيين والمبدعين تحت منبره في جامع الكوفة .

٢العدالة الاجتماعية : فقد ارسى الامام علي عليه السلام العدالة الاجتماعية، فساوى بين الناس ، ونفى الطبقية ، واتخذ سياسة تعيين الولاة الاكفاء ، وحكم بضرورة الانماء المتوازن ، وغير ذلك .

٣القضاء : فكان قضاء علي عليه السلام قضاء عادلا بحيث ان كل الناس تحت سيادة القانون بمعزل عن المنصب والثروة والنسب وما اشبه .

واكبر قاعدة بشرية انسانية ادهشت الغرب واتباع الاديان الاخرى اعتباره عليه السلام الناس صنفان اما اخ في الدين او شبيه في الخلق .

 

ما هي توصيتكم للشباب و البنات حول الإهتمام بقراءة نهج البلاغة و البحث عن معارفه؟ برأيكم قراءة أي خطبة أو أي خطب تمكّن شبابنا وبناتنا من التمييز ما بين جبهتي الحق والباطل؟

نهج البلاغة تلي القران المجيد ، وهو كتاب كان اساس جمعه من قبل الشريف الرضي ، هو جمع الخطب والحكم والرسائل البليغة والفصيحة ، وهذا الكتاب لايمكن تبعيضه والافتئات فيه وانما كله مطلوب ، غاية الامر ان على شبابنا ذكورً اواناثا وضع كل قيمة معرفية في نهج البلاغة في موضع الحاجة ، فاذا ارادوا الفصاحة والبلاغة فلستعتعملوا عبارات نهج البلاغة ، واذا ارادوا العلم فليفردو ابحوثا خاصة حول موضوعات العلم ، وإذا ارادوا معرفة صفات المتقين واستلهامها في حياتهم فليقراوا ويتمعنوا في خطبة المتقين ، واذا ارادوا الوقوف على المجتمعات فليمعنوا في وصف الامام علي عليه السلام للمجتمعات ومعاناته مع بعضهم ، واذا ارادوا الجهاد فعليهم بخطبة الجهاد ، واذا ارادوا التفكر في خلق الله المتعال وصنعه فعليهم بالخطبة الاولى ، واذا ارادوا اختصار الكثير من المواقف بعبارات موجزة فعليهم بالحكم ، واذا ارادوا تعلم فن المراسلة والمضمون الجميل لمخاطبة الناس فعليهم بالرسائل… وهكذا فإنني انصح الشباب بقراءة نهج البلاغة من الجلدة الى الجلدة بتمعن مع اختيارالتفاسير الميسرة لاسيما تفسير المفردات، بل اوصيهم بأن يستخدموا عبارات نهج  البلاغة في كتاباتهم ورسائلهم والفاظهم.

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة