من الرودكي السمرقندي إلى حافظ الشيرازي ومولانا وغيرهم..

أي حضور لشهر رمضان في الشعر الفارسي؟

حضرت التعاليم الدينية في قوافي "الغزليات" والدواوين، ومنها مناسك شهر رمضان.

كما تُعرف إيران بحضارتها العريقة وفنونها وحرفها الأنيقة، فإنها تعرف كذلك بشعرائها الذين جابت قصائدهم المعمورة. ولعل شهر الصيام مناسبة لتقصي حضور رمضان المبارك في الشعر الفارسي.

فبعد دخول الإسلام إلى بلاد فارس، تأثر الأدب الفارسي بالتغيير الذي أحدثه الدين الجديد، واتخذ هذا الأدب طابعاً جعله لا ينفك عن جوهر تعاليم وأركان الدين، وهو ما عمل عدد كبير من شعراء إيران على ترسيخه.

هكذا حضرت العبادات والتعاليم الدينية في قوافي “الغزليات” والدواوين، ومنها مناسك شهر رمضان من صيام وقيام وإفطار المحتاجين، وتزكية النفس، وذلك في حقل معجمي لا تخلو منه أزهار بلاد فارس وخمرة العشاق العتيقة.

يقول أستاذ العلوم الإجتماعية والباحث في شؤون الفلكلور، محمود رضا اكرامى فر ،إن المناسك والعبادات الإسلامية ظهرت في الأدب الفارسي بشكل كبير بدءاً من القرن السابع الهجري القمري.

ويؤكد اكرامي فر، أنه خلال مطالعة الأدب الفارسي وعلى الأخص أبيات كبار الشعراء الأوائل مثل رودكي وفردوسي، يمكن ملاحظة المضامين المتعلقة بشهر رمضان، قبل هذا التاريخ، إلا أن النقلة النوعية الكبيرة التي تواجدت فيها وفرة مصطلحات كالصيام، وشهر رمضان، وعيد الفطر، ومساعدة الناس، ومناسك الصيام، ثبتت خلال القرنين السابع والعاشر الهجري القمري.

ومن الشعراء الكبار الذين يمكن الإشارة إليهم: الرودكي، الفردوسي، الشيرازي، الرومي، وسعدي.

والرودكي السمرقندي، أول شاعر صاحب ديوان في الأدب الفارسي، لذلك يعتبر أب الشعر الفارسي وكان أول من استخدم تعبير الصيام في أدبياته بلفظة “روزه”، والتي تعني “أخذ اليوم”، أي صيام اليوم، وقد عبّر عن فرحه بقدوم “عيد رمضان”، كما سمّاه، في أحد أبياته قائلاً:

انتهى الصيام وجاء عيد جديد

وكل يوم تحت سمائك عيد

كما يحتل ذكر الصلاة مقروناً بالصيام في مصطلحات شعراء الأدب الفارسي حيزاً خاصاً، بحيث أنهم حينما يريدون مدح شخصٍ يمدحونه بصلاته و صيامه.

وقد نظم الشاعر فردوسي أبياتاً في هذا الصدد فقال:

قلب من قام الرفيق حلّ

في ليل صلى نافلة وصام وتولى

وهنا تظهر هذه الخاصية التي يوليها الشاعر فردوسي لمن اتخذ من قيام الليل والصوم “منسكاً” (آئين)، واصفاً إياه بأن أصحاب هذا المقام يحل الرفيق (الله سبحانه وتعالى) في قلوبهم.

أما حافظ الشيرازي فقد نظم أبياتاً عديدة عن شهر الصيام والقيام والإفطار، ومناسك العبادة، نورد منها هذا البيت الذي يصور حالة حافظ ونصيحته لنفسه للاستفادة من أيام الشهر الكريم فيقول:

لا تجلس يا حافظ بلا خمرة المعشوق والزمان

هي أيام الورد والياسمين وعيد الصيام الآن

ويتضمن شعر الشيرازي الكثير من مضامين “الخمر” و”الكأس” والتي يعني بها خمرة العشق العرفاني في التقرب من الله وأداء المناسك والرياضات العبادية، وكذلك الطبيعة كالورد والأشجار والنسيم، فنراه يوجه نصيحة لنفسه قبل أي شخص آخر بالاستفادة من هذا الشهر، الذي يراه عيداً قبل العيد (الفطر).

كما يكثر الحديث عن أوقات السحر ومسألة إفطار الصائمين وتوزيع الطعام وأكل الطعام وعدم أكله، بحيث يمكن العثور على هذه الكلمات في آثار العديد من الشعراء. كما نقع في الشعر الفارسي، على إشارات إلى الفلسفة العملية للصيام، وضرورة مساعدة وإطعام الآخرين. ففي أحد قصائد سعدي الشيرازي، نراه يتحدث عن أجر الصائم واقتران ذلك بعمله حيث يقول:

المفطر الذي يتوزع الخير من يداه

خير من صائم الدهر عبد دنياه

وفي موضع آخر يقول:

مُسلّم لمن أدى فرض الصوم

أنه لم يترك محتاجاً بلا قوت اليوم

وإلا ما لزوم تعبك في السعي

أتاخذ من نفسك ولنفسك تعطي؟

أما عن الشاعر جلال الدين البلخي، فيقول أستاذ الأدب الفارسي توفيق سبحاني، إن “مولانا” نفسه وشعره معجونان بالدين، ولذلك نرى بأن شهر رمضان قد ترسخ في ظاهر وباطن شعره. هكذا أتى ذكر شهر رمضان والصيام في عدة من “غزلياته”، إلا أن لــ “الغزلية” رقم 1602 من ديوان شمس وقعها الخاص. فقد اختار “مولانا” لفظة “صيام” كقافية لغزله معبراً عن معاني وأهمية الصيام وآثاره في حياة الإنسان فيقول:

خمرة تُصنع في القلب والروح من عجائب معدن الصيام

فلو أردت خوض العجائب خذ العجائب من الصيام

إن أضغت طريق المعراج في دورة الحياة

تجد جواد الوصول في ميدان الصيام

وفي أبيات أخرى يقول:

إن كان حجراً بلا قيمة ولا وزن لا يعيره أحد اهتمام

يقلبه ياقوت ساطع مثل شمس معدن الصيام

ويستمر “مولانا” في غزلياته المقفاة بـ”صيام “بالشرح والوصف المسهب عن آثار الصيام إلى حد يجعله في أحد أبياته أعظم الأركان الخمسة للإيمان.

كل ما سبق شواهد تظهر التعابير المختلفة الموجودة بوفرة عن شهر رمضان في قالب الأشعار الفارسية ومقامها الرفيع والخاص لدى الشعراء. فقد أسهب كل شاعر في التوغل بآثار ومعاني الصيام بلغة ومضامين جميلة عرفانية مثل الـ”كان” (معدن أصل الوجود) والـ “لعل” (الياقوت ) والـ “مي” (خمرة العشق)، وطبيعية تارة أخرى مثل “گل” (الورد) و “ياسمن” وفروسية حتى “دانک” (حدوة) “اسب” (الخيل) و “میدان”، مظهرة تفرداً للأدب الفارسي في توصيف الشهر الفضيل.

 

حسن شرف الدين

 

أ.ش

المصدر: الوفاق - وكالات