لماذا لم تتسامح الأغلبية اليهودية مع حكومة إسرائيلية اعتمدت على العرب؟

لا شك في أن الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 تختلف عن بعضها البعض أيديولوجياً، ولديها وجهات نظرٍ متفاوتة حول الموقف السياسي من "الدولة" والأحزاب اليهودية، ومدى إمكانية الانخراط في ائتلافٍ حكومي يهودي.

2023-01-02

مُنطلق الأحزاب العربية هو أنه لا توجد اختلافاتٌ جوهرية بين اليمين واليسار والوسط في “إسرائيل” في ما يتعلق بنظرتها ونهجها التمييزي تجاه المجتمع العربي. ولذلك، فإن قرارها المشاركة في النظام السياسي الإسرائيلي يطرح عليها أسئلةً تتعلق بكيفية الموازنة بين الاهتمام باحتياجات الجمهور العربي، وموقفها السياسي المبدئي من الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المستمر!

بعد الانشقاق عن “القائمة المشتركة”، ذَهَبَ زعيم حزب “القائمة العربية”، منصور عباس، إلى تبني النهج القاضي باستنفاد إمكانيات التعاون مع أيٍ من الأحزاب اليهودية، والاندماج في ائتلاف حكومي بهدف إحداث تغييرٍ جوهري في طبيعة “الدولة”، وتعزيز المصالح المدنية الحيوية للعرب بشكلٍ فعّال. وبالطبع، لا يمكن تحقيق ذلك، وفقاً لعباس، باستمرار الجلوس في كُرسي المعارضة، بل يجب الانتقال من سياسة الاحتجاج إلى سياسة عملية أكثر، من خلال تطوير القانون في الممارسة والانضمام إلى أي حكومة، حتى لو كانت يمينية.

حدث هذا التطور في النظام السياسي الإسرائيلي في ذروة الأزمة السياسية المستمرة التي جعلت من المستحيل تشكيل ائتلاف، وبالتالي تشكيل حكومة، وتطورت عملية “شَرعَنة الصوت العربي” في نظر معظم الأحزاب اليهودية، من اليمين إلى يسار الوسط، بسبب ما أفرزته الانتخابات المتكررة من تعادلٍ مستمر بين الكتل الانتخابية وظهور الإمكانات الحاسمة للصوت العربي بالنسبة لها، ولهذا الغرض أطلقت الأحزاب اليهودية رسائل “مُعتدلة”، منها إمكانية دمج الأحزاب العربية في تحالفٍ حكومي.

يعتمد تفسير تقبّل حكومة إسرائيلية تضم حزباً عربياً وتستند إليه في وجودها على عاملين مهمين: الأول هو التغيير في السياسة اليهودية إثرَ انشقاق أحزاب “اليمين اليهودي”، ما استدعى ضرورة وجود حزبٍ عربي من أجل تشكيل حكومة. أما العامل الآخر، والمهم بالقدر نفسه، فهو انقسام الأحزاب السياسية العربية الذي دفع حزباً عربياً إلى التخلي عن سياسة المواجهة في المعارضة، والسعي للدخول في أي تحالفٍ يهودي حتى لو كان يمينياً، وهو ما أنتج شراكةً سياسية يهودية – عربية في تحالفٍ مع حكومةٍ يرأسها “نفتالي بينت”، زعيم البيت اليهودي الصهيوني المتطرف ورئيس مجلس المستوطنات سابقاً، ويرأس ماليتها، أفغدور ليبرمان، العُنصري الذي طرح نقل المواطنين العرب في “إسرائيل” إلى الدولة الفلسطينية!

تضافرت الظروف التي أدت إلى تشكيل حكومة بمشاركة طرفٍ عربي، لكن الاعتراضات اليهودية على مشاركة الأحزاب العربية في الحكومة ظلت حاضرةً بقوة، ومنها الارتباط بالشعب الفلسطيني، ونفي الطابع اليهودي لدولة “إسرائيل”، وافتقاد الأغلبية اليهودية في الحكومة. وقد أعربت الأحزاب الصهيونية الدينية عن معارضةٍ قوية لتشكيل ائتلافٍ حكومي بدعم من حزبٍ عربي.

لسنا بصدد الحديث عمّا تمكنت، أو لم تتمكن، الحكومة المنتهية ولايتها من تحقيقه للوسط العربي الذي يبلغ تمثيله في مؤسسات “دولة إسرائيل” حالياً 13.2٪ فقط، ولا يوجد لهم تمثيلٌ بالمُطلق في بعض الوزارات الحكومية التي تتخذ قراراتٍ مصيرية بشأن حياة العرب ومستقبلهم، لأن النتيجة النهائية التي أفرزتها هذه الحكومة مفادها أنه لا تزال هناك أغلبية يهودية بارزة لا تستطيع تَحمّل حُكومة تعتمد على حزبٍ عربي لأكثر من عام. وقد وصف رئيس المعارضة في حينه وزعيم الليكود ، بنيامين نتنياهو، قرار خصومه السياسيين حلّ الحكومة ودفع الانتخابات قُدماً بأنه “إعادة الكبرياء الوطني لمواطني إسرائيل، فالحكومة اعتمدت على مؤيدي الإرهاب، وعرّضت الصورة اليهودية لبلدنا للخطر”.

يعتقد الجمهور اليهودي أن المواطن العربي الذي يُعرّف نفسه بأنه “عربي فلسطيني في إسرائيل” لا يمكن أن يكون مُخلصاً لـ”دولة إسرائيل” وقوانينها، وبالتالي يستمر في إدارة ظهره لإمكانية إضفاء الشرعية السياسية على المجتمع العربي. ففي الاستطلاع الذي أجراه معهد دراسات الأمن القومي (تشرين الثاني/نوفمبر 2020)، تبين أن ما يقرب من 60٪ من الجمهور اليهودي يوافقون على أنه يجب عدم تشكيل حكومة مع الأحزاب العربية. وكشف الاستطلاع الذي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي (أيار/ مايو 2021) أن نحو 30٪ فقط من الجمهور اليهودي يؤيد تشكيل حكومة بمشاركة الأحزاب العربية. ولم يكن من المُستغرب أن تتركز المعارضة في الجمهور اليهودي في أحزاب اليمين، الذين يؤمنون بأن مفهوم “الأغلبية” في “حُكم الأغلبية” هو الأكثرية اليهودية لأن العرب ليسوا من “الشعب”!

أصبحت مسألة “شرعية الأحزاب العربية”، ولأول مرة، قضيةً مركزية في الأجندة الإسرائيلية، لكن “زيادة” شرعية الأحزاب العربية لم تكن نتيجة لعملية طبيعية وطويلة وصلت إلى مرحلة النُضج، بل نتاج ظروفٍ سياسية عابرة سبقت الإشارة إليها. وهذا يعني أن “الشرعية السياسية” للصوت العربي هشة وغير قائمةٍ بذاتها، لأنه عندما تحدث مصالحة داخلية بين أحزاب اليمين و الوسط اليهودية، لن تكون الأحزاب العربية ضرورية لهم لتكوين ائتلاف، ومن المرجح في هذه الحالة أن تتآكل شرعية الأحزاب العربية، بل أن تنتهي. من المشكوك فيه جداً ما إذا كانت مشاركة حزبٍ عربي في الحكومة ستؤدي إلى مزيدٍ من “التكامل الاجتماعي” بين العرب واليهود، وإلى قبول العرب “إسرائيل” كدولة يهودية وصهيونية، وإلى إضعاف روابطهم بالشعب الفلسطيني.

ستستمر “إسرائيل”، كسلطة احتلال، في كونها مجتمعاً منقسماً بعمق بين العرب واليهود، وستظل السياسة العربية سياسة مواجهة إلى حدٍ كبير، لذلك يمكن الافتراض أن أحزاب الكتلة اليمينية اليهودية ستتجنب إشراك الأحزاب العربية في الائتلاف في المستقبل قدر الإمكان، لأنه ثبت أن هذه الشراكة تعتمد على علاقة ظرفية مؤقتة، ويمكن التخلي عنها إذا لم تؤتِ ثمارها.

المصدر: الميادين/ محمد هلسة