الذكاء الوجداني في التعليم

ينظر إلى الذكاء الوجداني على أنه مجموعة من المهارات والخصائص غير المعرفية، أي أن عناصر الذكاء الوجداني عبارة عن كفاءات شخصية واجتماعية وليست قدرات.

2024-04-15

إن تنمية الذكاء الوجداني لا يقل أهمية عن تنمية الجانب المعرفي والمهاري، فقد تناولت الأدبيات مهارات الجوانب الوجدانية على أنها مهارات أساسية للنجاح المستقبلي للمتعلم، تساعده على تحقيق ذاته، وإدارة عواطفه، وتشكيل خصائصه، وتوجهه للتصرف السليم بطريقة أخلاقية ومسؤولة.

 

ويعد الجانب الوجداني القاعدة الأساسية في التربية، لأنه يمثل شخصية الطالب وميوله ودوافعه التي ينبغي العمل على إبرازها وصقلها وتنميتها، فلا يُختزل الطالب ويُحصر أداؤه في جانبه العقلي فقط، ولذلك نجد أن أهداف التعليم في المملكة العربيَّة السعوديَّة تعطي أهميَّة كبيرة للمتعلم، وذلك من خلال تحقيق النمو المتكامل للطالب في جميع النواحي الروحيَّة والجسميَّة والعقليَّة والوجدانيَّة والاجتماعيَّة إلى أقصى حدٍّ تمكنه من استعداداته وقدراته في جميع المراحل.

 

وتعد مهارات الذكاء الوجداني ذات أهمية بالغة في حياة الأفراد من خلال الدور التي تقوم به في نجاح هؤلاء الأفراد، وإمدادهم بالمهارات اللازمة لضبط انفعالاتهم، والتعامل بكفاءة مع المواقف الاجتماعية المختلفة، ومواجهة متطلبات البيئة وضغوطها.

 

وقد أكدت الدراسات أن الذكاء الوجداني له أهمية في النجاح بدرجة لا تقل أهمية عن الجانب الأكاديمي والذهني، كما يعتبر الذكاء الوجداني عاملاً مهماً في بناء العلاقات القوية بين الوالدين والأبناء، كما أن الأفراد الذين يتمتعون بذكاء وجداني عالٍ يتصفون بأنهم محبوبون، ومثابرون، ومتألقون، وقادرون على التواصل والقيادة، ومصرون على النجاح، وأكثر إحساساً بالرضا عن أنفسهم، وأكثر توافقاً، وأقل عرضة للوقوع في دائرة الاضطرابات النفسية.

 

 

مفهوم الذكاء الوجداني

يعد الذكاء الوجداني من المفاهيم الحديثة نسبياً والذي حظي باهتمام كبير من الباحثين في المجالات التربوية والنفسية، وربما يرجع هذا الاهتمام إلى أهمية الذكاء الوجداني في توفير فرص متعددة للنجاح في حياة الأفراد، وفي عام 1990-1993م قدم “ماير وسالوفي” مفهوم الذكاء الوجداني باعتباره شكلا من أشكال الذكاء الاجتماعي، ويرجع الفضل في انتشار مفهوم الذكاء الوجداني إلى العالم دانيال جولمان Goleman)) والذي أصدر عام 1995م كتابه “الذكاء العاطفي” ، وأشار فيه إلى أن الذكاء العاطفي يتنبأ بـ 80٪ من نجاح الإنسان، بينما يتنبأ الذكاء المعرفي (نسبة الذكاء العام) بما نسبته 20٪، مستنداً بذلك على نتائج بحوث استمرت لسنوات طويلة.

 

كما ينبع مفهوم الذكاء الوجداني جزئياً من إسهامات “جاردنر” في نظريته عن الذكاءات المتعددة والتي وضع معالمها في كتابه “أطر العقل” عام 1983م، وقد أشار أن لكل إنسان سبعة ذكاءات يؤدي كل منها دوراً محدوداً، وهي الذكاء اللغوي، والمنطقي، والموسيقي، والمكاني، والجسمي، والحركي والشخصي والاجتماعي، ثم أضاف الذكاء الطبيعي (Gardner,2000).

حيث بنى “جولمان” فهمه للذكاء الوجداني وفقاً لنظرية الذكاءات المتعددة، لاعتماد الذكاء الوجداني على نوعين منها وهما الذكاء الشخصي والذكاء الاجتماعي.

 

وتعددت مسميات الذكاء الوجداني فتارة يُطلق عليه (الذكاء العاطفي) وتارة (الذكاء الانفعالي)، وهو عبارة عن مجموعة من السمات المزاجية والاجتماعية التي تؤثر على تنوع المحتوى الوجداني للأفراد من حيث دقة فهمهم ووعيهم لمشاعرهم، ويؤدي ذلك إلى مستوى أعلى للتعامل مع المشكلات التي تواجه حياة الأفراد.

 

وتعد الانفعالات واحدة من أربعة أقسام رئيسة للعقل، وتتمثل هذه الأقسام فيما يلي:

 

الدوافع: وتعتبر من محددات سلوك الفرد، فهي مسؤولة عن توجيه الكائن الحي للقيام بالأعمال المسؤولة عن إشباع الاحتياجات الأساسية اللازمة لبقائه مثل الجوع والعطش.
الانفعال: ينشأ من خلال الاستجابة للمثيرات أثناء التفاعل مع البيئة كالخوف الذي ينشأ نتيجة الاستجابة للخطر.
المعرفة: وهي ما نتعلمه من البيئة والتي تتيح حل المشكلات المختلفة.
الوعي: وهو يتضمن عمليات التفاعل بين الدوافع والانفعالات من جهة وبين المعرفة والانفعالات من جهة أخرى، فمثال تفاعل الدوافع مع الانفعالات عندما لا تلبى الحاجة يتولد لدى الفرد الشعور بالغضب، ومثال تفاعل الانفعالات مع المعرفة عندما يشعر الفرد بمزاج جيد يقوده ذلك إلى التفكير بصورة ايجابية، فيعتبر الوعي هو محور التفاعل بين الأقسام الثلاثة الأخرى (الخولي، 2013م، 121).
وقد عرف جولمان وبوياتزيز (Goleman & Boyatzis, 2007) الذكاء الوجداني بأنه: إدراك المشاعر الذاتية وتقييمها، والإحساس بقيمة الذات وقدراتها، والتحكم في الحالات الانفعالية للذات وإمكانية التكيف، وضبط النفس ويقظة الضمير، والمجاهدة في تحسين وتحقيق معيار التميز، والمثابرة وراء الأهداف، وإدراك مشاعر الآخرين والإحساس بها، وقيادتهم والتأثير فيهم وإقناعهم، والاتصال الجيد معهم والتعاون فيما بينهم.

ومن خلال الاطلاع على تعريفات الذكاء الوجداني عبر ما تناوله علماء النفس والباحثين، أمكن التمييز بين اتجاهين من التعريفات التي قدمت للذكاء الوجداني:

الاتجاه الأول: ينظر إلى الذكاء الوجداني على أنه مجموعة من القدرات العقلية المستقلة عن سمات الشخصية، والتي تميزه عن الذكاء العام.

الاتجاه الثاني: ينظر إلى الذكاء الوجداني على أنه مجموعة من المهارات والخصائص غير المعرفية، أي أن عناصر الذكاء الوجداني عبارة عن كفاءات شخصية واجتماعية وليست قدرات.

أهمية الذكاء الوجداني

يمكن إجمال أهمية الذكاء الوجداني في:

القدرة على إقامة علاقات اجتماعية جيدة، لأنه يكفل القدرة على التعاطف والقدرة على تفهم احتياجات الآخرين، والتحلي بالمرونة الكافية على استمرار العلاقات، والشعور بالثقة والقدرة على رؤية الجانب الإيجابي من الحياة، والإحساس بالسلام الداخلي.

تقليل مستويات الضغوط، لأنه يسمح بتبني وجهة نظر موضوعية للمواقف، ويمد الفرد بمجموعة من مهارات التعامل معها.

تنمية الابتكار، حيث يتيح رؤية المواقف من وجهات نظر متعددة، والأخذ في الاعتبار العديد من الحلول المحتملة.

التعلم من الأخطاء، حيث يتيح الاستفادة من كل خبرة يمر بها الفرد، وبالتالي عدم تكرار الأخطاء.

يتعامل الأفراد الذين يدركون مشاعرهم وعواطفهم بصورة دقيقة مع الموضوعات الانفعالية بصورة أفضل، ومن ثم يتمتعون أكثر بحياتهم قياساً بأولئك الذين يدركون مشاعرهم وعواطفهم بصورة أقل دقة.

يساعد الفرد على النجاح في الحياة، ومواجهة المشكلات التي تقابله، ويستطيع من خلال معرفته بمشاعر الآخرين أن يكون قادراً على التواصل معهم وقيادتهم.

ويمكن القول إن الذكاء الوجداني يشكل استعدادا جوهريا يعمل على تفعيل قدرات ومهارات الشخص ويزيد من إيجابيتها، فالنقص في امتلاك مهارات الذكاء الوجداني يؤدي إلى عدم القدرة على تفهم انفعالات الآخرين، بالإضافة إلى عدم القدرة على ضبط الانفعالات في المواقف المختلفة.

د. نعيمة حبيب الثويني

 

أ.ش