خاص الوفاق/ أمل محمد شبيب
هو القائد الفارس، الذي لا يشبه اي فارس بل هو ليس ككل الفوارس، هو القائد الذي نبض قلبه بفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وأفغانستان وكل بلد حر يرفض الظلم والإستكبار، صال وجال في كل بقاع سوريا، ورأي في ترابها حبات معطرّة بالطيّون، هو القائد الذي رحل وعينه شاخصة على دول المحور، كان كلّما دخل بلدة او قرية أو مدينة يقرأ سورة النصر والعصر، والملائكة تقف معه صفاً صفا، تقاتل معه من معلولا حتى حقّق الإنتصار، واهدى لأهلها بشارة الحسم الواضحة يوم الفصل حين أتى…
عندما دخل التكفيريين على سوريا، ثارت في عروق القائد الحر الثائر دماء المقاومين والمستضعفين، لم يهاب أميركا ولا من صنع الإرهاب، وهو الذي قال بوجوده ومقاومته وإدارته المعارك بأن معلولا، البلدة السورية المسيحية، تسكن في القلب.
في ذكرى استشهاده الثالثة، وفي لقاء خاص لجريدة الوفاق عن البلدة النموذجية والتاريخية معلولا، مع كاهن دير مارتقلا في بلدة معلولا الأب متي رزق.
شهدت معلولا حدثاً أليماً هو اختطاف الراهبات من دير مارتقلا
تستريح بلدة معلولا بين صخور جبالها، وتحتل مكانة دينية عريقة في التاريخ، لذا كان بداية اللقاء مع الأب متي رزق حول البلدة وأهميتها وكيف استباحها الإرهاب بعد مئات السنوات من الأمن والأمن، حيث قال بأن معلولا باللغة الأرامية تعني المعبر، وهو المعبر الذي عبرت به القديسة تقلا بين الصخور من وثنية ابوها الى نور المسيحية، ونحن اليوم في بلدة معلولا نعبر من هذا المكان الى ادراج السماء، ويتقدس الإنسان بالحضور الى معلولا. هذه البلدة الجميلة بأهلها وطبيعتها استباحها الإرهاب، وشهد الدير فيها، دير مارتقلا حدثاً أليماً وصعباً للغاية، لم يكن كأي حدث عابر مرّ على تاريخ هذا الدير، كان هذا الحدث هو اختطاف الراهبات من دير مارتقلا من قبل التكفيريين والدواعش بعد ان عاثوا في المنطقة فساداً.
معلولا تستذكر جميع الشهداء وعلى رأسهم الشهيد قاسم سليماني
وفي استكمال الحوار عن الإرهاب التكفيري، أضاف الأب متي رزق بأن هذه الذكريات تحملها الكثير من الألم الذي لا يمكن أن يسنى مع الزمن، فمعلولا مثل اي قطعة في سوريا عانت من الإرهاب ومن الجماعات التكفيرية، شهدت أحداث أليمة من اختطاف الراهبات وتعذيبهم، ثم ارجاعهم بخطة معينة، وشهدت الدمار والتكسير والمجازر، حتى تم تحريرها بشكل عام، وبعد تحريرها كان اول من زار البلدة سيادة الدكتور بشار الأسد، الذي يجلّ هذا المكان، كما من الواجب أيضاً ان نتذكر شهداء قناة المنارالذين كانوا شاهدين على هذا الحدث الإرهابي في معلولا، فالكثير من الشهداء تم سفك دماءهم لأجل وجودنا نحن اليوم، وما دليل دمهم المسفوك إلاّ من أجل حمايتنا وحماية وجودنا المسيحي نحن في هذه البلدة، وهنا استذكر كلام السيد المسيح: “ليس حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه فداء عن الآخرين”، بمعني من المعاني، الذين قدموا دماءهم لأجلنا عشقوا ثلاثة أمور هي: “حب الله، حب الوطن وحب الآخر”، وفي معلولا لا بد ان نستذكر بشكل خاص جميع الشهداء الذين نحن عايشين بفضلهم وعلى رأسهم الشهيد الحاج قاسم سليماني.
استباحة معلولا من قبل التكفيريين لم تكن عشوائية بل كانت منظمة من أجل تحطيم وحرق الآخر
لا تزال حادثة اختطاف الراهبات تحمل تأثيراً كبيراً في نفوس أهالي البلدة، فهناك من جاء الى معلولا من أجل هدم الكنائس واستباحة مكانتها وخصوصياتها، والله سبحانه وتعالى خصّ السيدة مريم عليها السلام بسورة في كتابه المقدّس، القرآن الكريم، بسورة مريم، ومن يزعمون الإسلام دخلوا الى البلدة وفعلوا فيها المحرمات، وعاثوا فيها فساداً، وعندما كانت الراهبات مختطفات لديهم حاولوا ان يوهموا العالم بأنهم يعاملون الراهبات بإحترام وأمام مرآى العالم حرقوا وكسروا ودمروا، وفي هذا يتابع الأب متي رزق قائلاً: “الراهبات هن سيدات بذلن أنفسهن من أجل خدمة الآخر، على مثال مريم كلية الطهر، وفي القرآن الكريم سورة كاملة موجودة من أجلها، الراهبات تأذين معنوياً، ذلك أن تهجيرهن بالسر من هذا المكان الى مكان آخر كان له تأثير نفسياً، ليس فقط على أنفسهن، بل على الدير ايضاً، فقد شهد دير مارتقلا تحطيماً للصلبان، وتكسيراً للمجسمات الرمزية والنصب التذكارية، كما حرقوا الدير كاملاً مثلما حرقوا البيوت في معلولا والكنائس والأديرة.وأقول مجدداً بأنه على الررغم أن معلولا بلدة صغيرة، إلاّ أنها تحمل على ارضها الكثير من الأديرة والكنائس التي استباحها التكفيريون، وهذه الإستباحة لم تكن عشوائية، بل كانت منظمة من أجل تحطيم وحرق الآخر، وهذا مرفوض لدينا نحن كمسيحيين، ذلك أن المبنى على باطل باطل، وهجوم التكفيريين على معلولا باطل، وكل ما بنوه هو باطل، وأؤكد بان اختظاف الراهبات من دارهم قسراً هو بحد ذاته رسالة بشعة، فكرامة الإنسان في بيته وفي داره وليس في دار جاره مهما كان هذا الجار، وهم كانوا أعداء وليس جيران، واختم بأنهم لم يعبروا عن الإسلام الحقيقي، بل يعبرون عن جهة متطرفة بعيد كل البعد عن الإسلام الحقيقي، لأننا نعرف وعرفنا الإسلام الحقيقي ونعيش مع المسلمين.
الشهيد قاسم سليماني نموذج من المسلمين الذين دافعوا عن الوجود المسيحي
لأن الحديث عن معلولا لا يشبه الحديث عن اي بلدة أخرى، سألنا الأب متي رزق عن الصورة المشهورة جداً في البلدة، التي تعود لأحد شباب حزب الله وهو يؤدي التحية للسيدة مريم عليها السلام التي نكن لها كل الإحترام، كما تحدثنا عن الحاج قاسم سليماني، مضيفاً: للحاج قاسم سليماني دور لوجستياً مهماً في معلولا، وقاتل الكثير في مناطقنا المسيحية، وهو نموذج من المسلمين الذين دافعوا عن الوجود المسيحي وعن هذه الأرض، وما فعله الشهيد قاسم سليماني والشهداء في معلولا يليق بإنسانيتهم واخلاقهم وعلموا بما يأمرهم الدين الإسلامي الصحيح وليس كما فعله التكفيريون.
دم الشهيد حاضر في ذاكرة الإنسانية ومحفوظ في ذاكرة معلولا
وأضيف أيضاً: ” في معلولا عرفنا بعض الأشخاص شخصياً من حزب الله، تعرفنا على بعضهم عن قرب، وتعرفنا على مدى صدقهم ومحبتهم للآخر، عرفنا حقيقتهم من خلال تقديماتهم لا سيما دماء الشهداء في سوريا وفي معلولا تحديداً، قد لا نعرفهم شحصاً شخصاً بالإسم، لكن من دير مار تقلا اقول بأن دمهم مثل شقائق النعمان تزهر بها الأرض لتقول أن دم الشهيد هو حاضر في ذاكرة الإنسانية، محفوظ في ذاكرة أهل هذه البلدة، وما قاموا به لأجلنا في معلولا يسلّم من جيل الى جيل، ومهما صارت ظروف لا يمكن أن ننسى دماءهم التي سفكت من أجل هذا المكان المقدس وتحديداً معلولا.
حتى استشهاده بقي الشيهد سليماني صورة في مخيلة من رآه دون معرفة اسمه
وفي العودة الى الحديث عن الشهيد قاسم سليماني، فالكثير في معلولا قالوا أنهم رأوا الحاج قاسم سليماني بأم العين، لكن دون أن يعرفون من هو هذا الرجل، وما هو دوره، وما هو اسمه، ومن يكون وأنه القائد الكبير لتحرير أراضي سوريا من الإرهاب الداعشي، حتى استشهاده بقي الشيهد سليماني صورة في مخيلة من رآه دون معرفة اسمه، وأدركنا عند استشهاده هويته الشخصية، وأنه الرجل القائد الذي كان يدافع عن سوريا ومعلولا. أما انا شخصياً سمعت عن الحاج قاسم سليماني الكثير، لكني لم التق معه شخصياً، سمعت ماذا قدّم من أمو لوجستية ومساعدات إنسانية وحربية لهذا الوطن، لهذه البلد، طبعاً هذا الأمر يعود الى كرم أخلاق، لإيمان حقيقي بأهمية الآخر، باهمية هذه المنطقة، وهذا ليس غريب عن اشخصا عرفناهم غن كان من حزب الله أو القيادة الإيرانية بشكل عام.
الحاج قاسم سليماني شهيد وقدّيس عند المسيحيين
ويتابع الأب متي رزق مضيفاً: للأمانة وحفظها، ولأني تعرفت على المقاومين في معلولا ومع كل الإحترام الذي أكنّه لهم لكل ما فعلوه لأجلنا، اريد أن انقل عن كنيسة ام الزنار في حمص، حيث قالوا لنا بأنه عندما تناهى الى مسمعهم نبأ استشهاد الحاج قاسم سليماني بعدما اغتالته أميركا، وبعد عودة حمص مدينة آمنة بعد تضحيات الشهيد قاسم سليماني، أدركوا قيمة هذا الرجل والقائد الفذّ وبلغ بهم الوفاء الى أقامة مجالس عزاء على الطريقة المسيحية، وهذا وفاء كبير من المسيحية تجاه هذا الرجل الشهيد، وعلى العلن اعطوه منزلة “شهيد وقديس” والشهيد في المسيحية كلمة عميقة.
الشهيد قاسم سليماني دمه محفوظ في ذاكرة الشعب وذاكرة الشعب هي ذاكرة الوطن الذي لا يُمحى
ثم أكملنا الحوار حول الشهيد الحاج قاسم سليماني، وأضاف: “الشهيد في المسيحية يجلس في احضان أحضان الله، ودمه يصرخ دائماً من الأرض، للشهيد مكانة كبيرة جداً في نفوسنا وفي السماء، ومهما قدّمنا من التكريمات والتشريفات للشهداء لا نوفيهم حقهم، رغم أنه واجب علينا، وأقول في ذكرى استشهاد الشهيد قاسم سليماني بأن دمه محفوظ في ذاكرة الشعب، والمحفوظ في ذاكرة الشعب محفوظ الى الأبد، لأن ذاكرة الشعب ذاكرة وطن لا تنمحى، واجب اكرام الشهداء جميعا وعلى رأسهم الشهيد قاسم سليماني لما قدموه من أمور جلّها دمهم، وشهدت بلدات ومناطق سوريا على إختلاف مذاهبها تكريم هذا القائد العظيم، والشهيد المقدس، وهذا ما نتبناه نحن جميعاً كمسيحيين، أكيد دم الإنسان بشكل نظامي هو مكرّم، كذلك دم الشهيد مكرّم.