رئيس الكنيسة الإنجيلية في مدينة حلب للوفاق:

وجود الشهيد سليماني في مكافحة الإرهاب نقطة تحوّل اساسية في الميدان

ابناء مدينة حلب اليوم يفخرون بأن أحد قادة تحرير حلب هو الحاج سليماني

2023-01-03

خاص الوفاق/ أمل محمد شبيب

إزدادت مدينة حلب جمالاً منذ ألبسها الحاج قاسم سليماني تاج الإنتصار الكبير، وكلما زاد عمر الإنتصار فيها عاماً، كلّما إرتفعت عزة  وشموخاً…في حلب المدينة، بعد ان دخلها الإرهاب والتكفيريين، كتب الشهيد الحاج قاسم سليماني في شوارعها وبيوتها وحتى على أسلاكها الشائكة، قصة عشق امتدت من أبوابها التاريخية الى قلعتها الشهباء فكنائسها ومساجدها حتى مدارسها. في حلب يحدثوننا عن سقوط الجماعات التكفيرية وإنهيارها، ويتحدثون عن سيرة رجل دخلها وحرّرها، حتى باتت أحياءها وشوارعها واهلها وشهدائها تتدلى تضحيات على اشجار زيتونها وحورها قائلين: إنه الحاج قاسم سليماني، الشهيد الذي أبى إلاّ أن تكون حلب محرّرة، دافع وقاتل عنها حتى النفس الأخير، ويده على الزناد، وقلبه على أهلهاـ حتى أعادها لهم بكل طوائفها محررة بكاملها.

في ذكرى استشهاد الفريق الحاج قاسم سليماني، حوار خاص مع  رئيس الكنيسة الإنجيلية في مدينة حلب القس إبراهيم نصير، حوار حول المقاومة والصمود فيما بعد الإنتصار، استعدنا فيه ايام السيطرة على مدينة حلب من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وتحرير المدينة من التكفيريين، وأهمية المدينة ودورها في المنطقة، ودور الشهيد الحاج قاسم سليماني في تحريرها وحماية المسيحيين، وكيف يحفظ أهالي مدينة حلب ذكرى الحاج قاسم سليماني حتى اليوم.

داعش هي نموذج لهمجية وحشية استهدفت حضارة إنسانية مدنية راقية

بداية الحوار توقفنا عند الذكرى السنوية السادسة لتحرير مدينة حلب من احتلال تنظيم داعش الإرهابي، واسترجعنا مع القس ابراهم نصير السنوات التي كانت فيها حلب تحت قبضة تنظيم داعش، حيث قال إن الذكرى السادسة لسيطرة ما يسمى تنظيم داعش على اجزاء من مدينة حلب وريفها لا يمكن أن يمر دون أن تشعر بالمرارة جراء الجرائم التي ارتكبت بحق المواطن السوري تحت مبررات دينية بريء منها الله والدين كل البراءة. لا يمكن ان تمر هذه الذكرى دون الشعور بالألم على الدمار الذي ألحقه هذا التنظيم وكل التنظيمات التي تحمل اسماء مختلفة بجوهر واحد تجاه النهضة العمرانية التي ميزت حلب عن مدن أخرى وخاصة عندما اعتبرت عاصمة الثقافة الإسلامية. لا يمكن ان تمر هذه الذكرى بدون أن نتجاهل الأذية التي خلفتها هذه التنظيمات تجاه البيئة؛ فبعد أن كانت مدينة يمر عبرها نهر وتزينها أشجار نسيمها طيب؛ أصبحت مدينة تملأها القذارة، أشجارها مكسورة، هوائها تسيطر عليها رائحة الجثث المتعفنة إما لبشر أو حتى لحيوانات، وفي الحقيقة فإن داعش هي نموذج لهمجية وحشية استهدفت حضارة إنسانية مدنية راقية.

مدينة حلب عاصمة الصناعة السورية

وفي الحديث عن الأهمية الإستراتيجية لمدينة حلب من الناحية الإقتصادية، والوضع في حلب قبل سيطرة داعش الإرهابي عليها، رأى القس نصير بأن حلب تعتبر عاصمة الصناعة السورية، بل هي الرئة التي تغذي سورية بالأكسجين الذي يحفظها قوية، صلبة، خلاقة، ومبدعة لها موطئ ملحوظ بين الدول الصناعية أقليمياً، والحقيقة أن حلب كعاصمة صناعية كانت منافساً حقيقياً للصناعات التي تنتج وتغذي الاسواق أقليمياً. تميزت صناعة حلب بأسعارها الزهيدة وجودتها المنافسة وقوة وخبرة صناعها وعمالها، هكذا كانت المدينة بكل حيويتها قبل سيطرة داعش الإرهابي عليها.

صمود سوريا وضع حدّا لقوة السلاح

كل من تابع الحرب على سوريا منذ بدايتها، لم يكن ليصدّقَ ما آلت إليه الأمور اليوم، لناحية صمود الدولة السورية وشعبها وكيف حققت الإنتصار هي وحلفائها في معركة دفاعٍ كونية، لم يشهد أي ميدان أو جغرافيا عبر التاريخ الحديث مثيلاً لها، لهذا تحدّث القس نصير حول صمود المواطنين في سوريا خلال سنوات الحرب، قائلاً بأنه لا شك بأن مدينة حلب اعتبرت مدينة ليننغراد القرن الجديد حيث أن صمودها وضع حدا لقوة السلاح، فكان ابناءها والمدافعون عنها يمتلكون قوة الحق التي لا يمكن ان تهزم، وهنا لا بد من القول أن صمود مدينة حلب مبني على عدة عناصر، وسأكتفي بذكر عنصرين :

العنصر الأول، كتب ابناء مدينة حلب ملحمة لا تشابهها أية معركة في التاريخ حيث اصبح الجسد يهزم الرصاص، والحجر يهزم القذائف العشوائية، والشجر يعطي الحياة هازماً قوة الموت… بكلمات اخرى: البشر والشجر والحجر هزموا آلة الموت التي كانت تعمل لهزيمة الروح والنفس قبل قتل الجسد .

أما العنصر الثاني فهي التضحيات والتعاضد وتشارك الافراح والاتراح، تشارك المقدرات وتسخير الامكانيات، التماسك بين الكنيسة والجامع، التآزر بين الصناعي والتاجر والزراعي جميعهم كتبوا انشودة صمود حلب.

الحاج قاسم سليماني كان قائداً استراتيجياً ميدانياً تميز بشجاعته وإقدامه النابع من إيمانه بالله

وفي السؤال حول دور الشهيد الحاج قاسم سليماني وقرار تحرير مدينة حلب بعدما شهدت اعنف المعارك والتدمير من قبل الإرهاب، خاصة أن تحرير حلب مرتبط بشكل كبير جداً بالحاج قاسم وهذا بشهادة الجميع،  كما أن وجود الحاج قاسم سليماني في معركة الدفاع عن سوريا شكّل نقطة تحوّل اساسية في الميدان، قال القس ابراهيم نصير: “أنا كرجل دين سوري مسيحي لست على دراية حقيقية وميدانية  بالأدوار العسكرية للشهيد الحاج قاسم سليماني فهذه الشؤون تعتبر من الاسرار العسكرية،  لكن ما اعرفه بأنه كان قائداً استراتيجياً ميدانياً تميز بشجاعته وإقدامه النابع من إيمانه بالله وثقته بالجيش العربي السوري والقوات الرديفة وقراءته الجغرافية لأهمية مدينة حلب، وبأن هذه الجغرافية المسماة محافظة حلب ستكسر كل الخطط التي كان يتم التحضير لها لتقسيم سورية وزرع الفتن الطائفية بين أطيافها الاجتماعية. بالإضافة إلى ماسبق: يتضح تماما بأن حجم الدمار والجرائم التي ارتكبت بحق مدينة حلب، كان عنصرا أساسياً في وضع محافظة حلب على سلم أولويات التحرير، فاستهداف المدارس والمشافي والجامعة والجامع والكنيسة والحدائق وكل ما على الأرض في حلب، كان مؤشراً على ماذا ينتظر حلب،  فتراكض الجميع وفي مقدمتهم الشهيد الحاج سليماني لوضع حد لهذا الاستهداف وتحرير المدينة ومواطنيها من القتل الممنهج الذي استخدمته التنظيمات المسلحة.

الحاج قاسم سليماني كان يرى في سورية آنية احتوائية تتفرد بكل مكوناتها

وحول نظرتهم كمسيحيين في حلب الى الحاج قاسم سليماني، أكّد القس نصير بأنه لا يجب بتاتاً أن نتحدث عن الشهيد الحاج قاسم سليماني إلا في إطار سوري نهضوي. إن نظرة السوريين أكانوا مسيحيين أم مسلمين تجاه الشهيد الحاج قاسم سليماني تنبثق من الدافع الذي حمله الحاج تجاه الشعب السوري.

لقد أثبت الشهيد الحاج سليماني للجميع بأنه كان يهتم لجميع السوريين دون إقصاء أو استثناء، فكان يرى في سورية آنية احتوائية تتفرد بمكوناتها التي تعطيها جمالاً وبريقاً ولا يمكن حقيقة إيجاده بسهولة،  لقد كان الشهيد الحاج سليماني يدافع بنفس العزيمة والقوة والإرادة والصلابة عن الكنيسة وعن الجامع، وعن المسيحي والمسلم،  وعن الذكر والأنثى، وعن الطفل والكهل.

أثبت الشهيد الحاج قاسم سليماني بأن الاتهامات التي كانت توجه له وللإيديولوجيه التي يحملها حول أسلمة وتشييع المدينة هي زيف. كما تميز الشهيد الحاج سليماني بعلاقته مع جميع المرجعيات الروحية واحترامه المطلق لهم وتواضعه معهم. لقد كان الشهيد الحاج سليماني يحمل من القيم الإنسانية الكثير الكثير وما محبيه إلا مؤشر عن تأثيره على الجميع بغض النظر عن الهوية الدينية أو الأثنية أو النوعية لهم.

ابناء مدينة حلب يعلنون أن الشهيد قاسم سليماني ذاك الوفي المخلص الذي أعطى حلب عيد التحرير والإنتصار

ولأن مدينة حلب تُعرف بوفائها، فإن هذه المدينة لا تزال تحفظ مكانة الشهيد قاسم سليماني لما قدمه لهم وبإدارته الشخصية لمعركة حلب حتى تم تحريرها من ايادي الإرهاب، وأضاف القس ابرايهم نصير بأن هذه المدينة، لم تكن في يوم من الأيام جاحدة تجاه من احبها وضحى من اجلها،  فمدينة حلب بكل تفاصيلها لن تنسى الشهيد الحاج قاسم سليماني وكل الشهداء الذين سطروا بدمائهم قصة تحرير حلب، وإنطلاقة انتصار سورية وهزيمة مشروع الارهاب التكفيري. إن الشهيد الحاج سليماني هو من ترك تأثيراً وأثراً في كل ابناء مدينة حلب، الشهيد الحاج قاسم سليماني يسكن فكر أهل حلب اليوم، يتحدثون عن بطولاته، ويخبرون وسيخبرون بها اطفالهم ويعلنون أنه ذاك الوفي المخلص الذي حسب كل الاشياء بما في ذلك ذاته أضحية ليعيد لأبناء حلب عيد التحرير والانتصار.

حلب ودعت الحاج الشهيد قاسم سليماني جسداً، لكنه لم يفارق المدينة روحاً

وحول تلقي أهالي المدينة خبر استشهاد الشهيد سليماني، تأمل القس ابراهيم نصير قليلاً ثم قال بحسرة: “وحده هذا الموضوع لا يمكن تبسيطه، فخبر استشهاد الحاج قاسم سليماني لم يكن خبراً يسهل هضمه أو قبوله – وأن كنا نعلم بأنه كان امنيته. لا يمكن أن نقول إلاّ ان استشهاد الحاج قاسم سليماني ترك غصة في قلوب ابناء مدينة حلب،  لكن من يعرف الحاج سليماني كان يدرك بأنه فرد في كوكبة، وهذه الكوكبة ستحمل الراية وتجاهد في الطريق الى أن تصل وتحقق الغاية والهدف. مع كل الالم والحزن،  لكن الامل والرجاء لم يموتا في ابناء مدينة حلب، لأن الحاج قاسم كان قد أعد أفواجا من تلامذته الذين تبنوا نهجه وعقيدته بل وحتى تضحيته. حلب ودعت الحاج الشهيد قاسم سليماني جسداً، لكنه لم يفارق المدينة روحاً،  فمواجهته للإرهاب التكفيري جعل المدينة بكل شارع وحيّ فيها تتنفس حضوره في كل جغرافية في حلب.”

الشهيد قاسم سليماني هو الشهيد الذي كان شهيد الجميع

ولأنه الحاج قاسم، الرجل الذي يحفظ ذكراه كل البشر وحتى الحجر، استرجعنا مع القس ابراهيم نصير كيف تمت اقامة مراسم العزاء تعبيراً عن حب اهل حلب للشهيد سليماني، وكيف لا زال حاضراً في ذاكرة المدينة، قائلاً: “لا يمكننا ان ننسى مراسم العزاء التي أقيمت للحاج سليماني، فكل حلب كانت قد اجتمعت في خيم العزاء التي اقيمت له، اصبحت صوره معلنة في كل زاوية وفي كل شارع . ترافق الشيخ والكاهن، الصناعي والتاجر، العامل ورب العمل مسرعين ليعزوا بعضهم بعضا، الحاج قاسم سليماني استشهد، وهو الشهيد الذي كان شهيد الجميع، فكان على الجميع أن يعيدوا زرع الرجاء في أبناء مدينة حلب وبأن شهادة الحاج سليماني هي بوابة لنصر عظيم”.

حلب ترى الشهيد قاسم سليماني نموذجاً عن الإيمان بالله والإيمان بالوطن

وفي سؤال حول مكانة واستذكار الشهيد قاسم سليماني قال القس ابراهيم نصير: “أن الكتاب المقدس يعلمنا بأن ” الصديق يكون لذكر أبدي “،  فنحن لا نذكره فقط في يوم استشهاده، بل هو في فكرنا حي وإن غادرنا جسداً… ابناء مدينة حلب اليوم يفخرون بأن أحد قادة تحرير حلب هو الحاج سليماني، وهو نموذج لقادة تتقدم رعيتها ولا تتوانى ان تضحي بذاتها لتسطّر انتصاراً يفوق قوة السلاح.

إن حلب ترى وتذكر الشهيد الحاج سليماني كنموذج عن الايمان بالله والايمان بالوطن والايمان بالإنسان والإيمان بالقضية الاسمى.

الوصية التي تركها الشهيد قاسم سليماني لأهل مدينة حلب

إن الشهيد الحاج قاسم سليماني ترك وصية واحدة وهي “أن ما قد قدم نفسه من اجله وهو مواجهة المتغطرسين يحب ان لا يتوقف”، إن تحرير بلادنا من رجس الارهاب وتحرير الاراضي المقدسة فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي، وامتلاك حق تقرير المصير لبلادنا وشعوبها، وحق أن تكون خيرات بلادنا لشعوبنا، هو حق مقدس لا يجوز أن يتاح لأحد أن يسلبنا إياه، وعلينا أن نستمر بالمقاومة إلى أن ننتصر فما أخذ منا بالقوة لا يسترد لنا إلا بالقوة .

وبهذه الكلمات ختم القس ابراهيم نصير رئيس الكنيسة الإنجيلية في مدينة حلب اللقاء وماذا يقولون اليوم عن الحاج الشهيد قاسم سليماني، قائلاً: أكتفي بقول ما ورد في الكتاب المقدس على لسان السيد المسيح: ” ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه “…هنيئا لمن ربح نفسه بالإيمان بالله والوطن والإنسان، ولم يغره العالم بكل شهواته.