الَشبَاب ومُشكـِلـة الثَقافَة وَالإِنتمَاء الَفِكِري

إن من القضايا المتأصلة في أعماق الأنسان هي طبيعته البشرية , وإنتماؤه الشعوري واللاشعوري الى الجماعة , كالإنتماء الى الأسرة والعشيرة والى المدينة والإقليم والنادي والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الإنتماء أو التجمع

2024-04-21

أن مما يميز إنسانية الإنسان أنه كائن عاقل مفكر يُنمي فكره ومعارفه عن طريق التفكير

والتجارب والتعلم من الآخرين . وإن من الغرائز الأساسية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان هي غريزة التجمع , أو ما يسميها علماء النفس غريزة القطيع . فالحيوانات والطيور والأسماك تتجمع في شكل جماعات ومجموعات في المراعي وأثناء السير والإستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب .

وقد عبر المثل العربي عن ذلك بقوله : ( إن الطيور على أشكالها تقع ) .

فتتجمع هذه الحيوانات المتماثلة مع بعضها البعض . كما يتجمع الناس في المجالس والنوادي ومواقع الإجتماعات المتعددة .

ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة والحضارة والأنتماء الفكري والثقافي . فتساهم تلك البيئة في تكوين شخصيته وتحدد نمط حياته , فمنها يكتسب وبها يتأثر .

ولكن القرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية , ويهاجمها بشدة , ويطالب بالوعي والتأمل .

وتوظيف العقل في إختيار الطريق الأسلم , وتحديد الإنتماء الفكري على وعي وبصيرة . قال تعالى : (( قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا من أتبعني )) . ولقد أستنكر القرآن الكريم طريقة الإنتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته المباركة منها قوله : (( وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل و الى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولايهتدون )) .

وينقل لنا القرآن معناة الأنبياء والرسل من التحجر الفكري لدى أممهم والوقوف على الموروث الثقافي المتردي لدى شعوبهم فقال : (( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون )) .

وحذر الرسول (ص) من تبعية الإمعة الذي لا يحدد موقفه وإنتماءه عن وعي وقناعة علمية , ويعيش مقلداً تابعأً للآخرين فقال (ص) : ( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا , وأن ظلموا ظلمنا , ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا , وأن أساؤوا فلا تطلموا ) .

إن من القضايا المتأصلة في أعماق الأنسان هي طبيعته البشرية , وإنتماؤه الشعوري واللاشعوري الى الجماعة , كالإنتماء الى الأسرة والعشيرة والى المدينة والإقليم والنادي والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الإنتماء أو التجمع .

ومن الطبيعي أن الجيل الجديد يشهد تحولات إجتماعية وطروحات فكرية وسياسية جديدة . فالحياة حركة وتحول وتواصل . ويختلف حجم تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه , فجيل الشباب الذي عاصر بداية الدعوة ومرحلة النبوة مثلاً كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول . فكان هو جيل الرسالة , وكان أنصار الأسلام هم من جيل الشباب والناشئين في الأعم الإغلب .

وهكذا تشهد الإحصاءات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الإسلام لاسيما في الجامعات والمعاهد والمدارس , ذكوراً وإناثاً .

وجيل الشباب المسلم , كما هو مهيأ لتقبل الفكر الإسلامي والإنتماء إليه بقوة وحيوية وإخلاص فإنه عرضة الى تيارات الفكرية والسياسية المنحرفة , أذ كانت ولازالت بعض الأجهزة الإعلامية والكتب الهدامة وقصص الأفلام والمسرحيات والشعر وغيرها من وسائل النشر هي الوسائل والأدوات لأحتواء جيل الشباب . في حين لم يعرف بعض الشباب ما أنطوى عليه الموقف من خطط سرية وأهداف عدوانية للقضاء على الدين في نفوس المسلمين , والإبقاء على تخلفهم وغوزهم فكرياً وحضارياً .

وربما حرك أعداء الأسلام بعض الحركات والتيارات الهدامة والجماعات التكفيرية لضرب كل بادرة خير في مهدها , وقبل أن يقوى عودها ويستفحل أمرها , ليتسنى لأعداء الدين الوصول الى غاياتهم وأهدافهم المريضة الشريرة .

وهنا لابد أن يكون الشباب ذكوراً وإناثاً على وعي تام مما يجري خلف الستار وما يحاك للأمة من مؤامرات خبيثة , وأن يصححوا مفهوم الأنتماء الى الدين, وأن يثقفوا أنفسهم من مصادر الثقافة الأصيلة الحقة .

ولابد للشباب أن تكون لديهم شخصية ثقافية وهوية حضارية واضحة المعالم . وهوية الشاب المسلم الثقافية هي الهوية الإسلامية . ولا يعني ذلك أن كل حصيلته الثقافية هي مجوعة من المعلومات الدينية . وإن كان الإهتمام بها مطلوباً , إنما نعني بالثقافة الإسلامية وعي الحياة والمعرفة والسلوك والطبيعة من خلال المنهج الإسلامي .

فالمثقف المسلم يتعامل مع مفهوم الحرية السياسية والدولة والجنس , والعلاقة مع الله والثروة والذات والفكر من خلال الفهم والمنهج الإسلامي .

فالشاب المسلم إذن بحاجة الى فهم العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية السيرة النبوية الصحيحة , والإلمام بالسنة المطهرة ومفاهيم القرآن , و أن يبداً بتكوين ثقافته من خلال الكتاب المخلصين والمفكرين المؤمنين , ليكون قادراً على التمييز بينما هو إسلامي وبينما هو غير ذلك .

والذي نخشاه أن يكون الشاب ضحية الأزمات والصراعات الفكرية التي يعج بها مجتمعنا اليوم وهو يعيش ثورة جبارة في نقل المعلومات بواسطة الإنترنت والقنوات الفضائية والصحافة والحاسوب الآلي وغيره .

فلا يوجد الآن بيننا وبين ثقافات العالم أي جاجز لذا ينبغي أن نمييز بين الأستفادة من ثقافات الأمم وفق ما تمليه عليه شريعتنا الغراء , وبين الذوبان وفقدان الهوية الثقافية .

وفي كل الأحوال فإن تكوين الثقافة الإسلامية وتحديد المسار الصحيح هو واجب الإنسان المسلم نفسه .

وتتحمل المؤسسات الإسلامية مسؤولية توزيع المطبوعات النافعة , وإصدار النشرات والدوريات , وبث الوعي الديني في حملة الكلمة الطيبة وهم المبلغون والخطباء , ليصل من خلالهم الى الشباب في مناطق عملهم .

 

أ.ش