أولمبياد باريس 2024.. الوجه الآخر لعاصمة الأنوار!!

 في حين تجري المياه في نهر "السين"، تستعد العاصمة الفرنسية باريس على قدم وساق لاحتضان دورة الألعاب الأولمبية الصيف المقبل، ولا يتعلق الأمر بالتحضير اللوجيستي أو الهاجس الأمني فحسب، بل يتعدى ذلك إلى تحدٍّ آخر يشمل وجه الشوارع والساحات وضواحي العاصمة.

2024-04-23

وتقود باريس، مهد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على امتداد أشهر، حملة صامتة لإبعاد المشردين والمهاجرين غير النظاميين، بهدف تصدير صورة مثالية لعاصمة الأنوار، لكن روائح هذه السياسة بدأت تفوح لدى المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، وتثير أسئلة بشأن مدى احترام القيم الأولمبية للألعاب نفسها.

أهداف الفكر الأولمبي

==============

من بين أهداف الفكر الأولمبي، كما تحددها الحركة الأولمبية على موقعها الرسمي، “تسخير الرياضة لخدمة التنمية البدنية المتجانسة، بغية تشجيع إقامة مجتمع يسوده السلام، ويعنى بالمحافظة على كرامة الإنسان، ويساهم في بناء عالم أفضل عن طريق استثمار ممارسة الرياضة في تعليم الشباب الفكر والقيم الأولمبية”.

وتمثل “الصداقة” ركنا أساسيا في أهداف الفكر الأولمبي، من خلال التشجيع على استثمار الرياضة كوسيلة للتفاهم والتواصل المتبادل بين الأفراد والشعوب والثقافات في كل أنحاء العالم ومد جسور الصداقة، وتبادل الخبرات، وتوطيد العلاقات بين كافة منتسبي الحركة الأولمبية.

وفي تعريف الفكر الأولمبي، تسعى الألعاب الأولمبية والألعاب الرياضية ذات الصلة إلى تكريم الإنسان، وجعل الرسالة الإنسانية القيمة المثلى في العلاقات المتبادلة، ومحاربة كافة أشكال العنصرية والتغلّب على الفوارق السياسية والاقتصادية والدينية.

كما تصنف الحركة الأولمبية “الاحترام” كقيمة أساسية في الألعاب، تقوم أولا على احترام الإنسان واحترام الأفراد لبعضهم البعض، والاحترام المتبادل للثقافات المختلفة التي تجمعها المنافسات الرياضية.

وفي حديثه مع الجزيرة نت، يشير الناشط الحقوقي والمحامي عبد المجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة “إيفدي” لحقوق الإنسان في باريس، إلى التضارب الواضح بين القيم الأولمبية وسياسات باريس -مضيفة الألعاب- على أرض الواقع.

ويقول مراري إن “السياسات تخالف القيم المنصوص عليها في الإعلان المؤسس للألعاب الأولمبية، فمن غير الأخلاقي استهداف الإنسان بسياسات تمس الكرامة وتضرب قيم الصداقة، وهذا يعطي صورة خاطئة عن الألعاب، وكأننا عبر عمليات الإبعاد نريد أن نخفي شيئا ما”.

ويضيف الناشط الحقوقي والخبير في القانون خلال تعليقه أن هذه السلوكيات ليست فقط منافية للقيم الأولمبية وحقوق الإنسان، لكنها أيضا منافية للقيم الدستورية التي قامت عليها الجمهورية الخامسة، كما هي منافية لروح الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تعد المرجع الأساسي الذي ينبغي أن يضبط سلوكيات السلطات الفرنسية.

حملات ممنهجة

===============

في منطقة “سين سانت دوني” بضاحية باريس، كان يعيش قرابة 400 من المشردين، أغلبهم قدموا من أفريقيا، في مبنى عشوائي مهجور كان فيما مضى مقرا لمكاتب.

لكن منذ أبريل/نيسان 2023 اضطروا جميعا لحزم أمتعتهم ومغادرة المكان إلى وجهة أخرى بقرار من الأجهزة الأمنية الفرنسية، وكانت السلطات القضائية قد أصدرت بالفعل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020 قرارا بالإخلاء، بحجة أن المبنى غير صالح للسكن.

ولا يمثل هذا المشهد سوى جزء من حملة واسعة النطاق تشمل الشوارع والساحات والجسور في باريس والضواحي بدأت قبل أشهر من انطلاق الألعاب، وتصاعدت الحملة مع إخلاء مخيمين مخصصين للقاصرين غير المرافقين في بداية مارس/آذار 2024، وهو ما يعد أمرا نادرا من قِبل السلطات.

وفي مارس/آذار 2024، تم إخلاء مبنى آخر في ضاحية “فيتري” من المئات من ساكنيه من المهاجرين واللاجئين إلى وجهة غير معلومة، وقبل سنوات كان المبنى يأوي في المعدل قرابة 200 شخص، لكن مع تواتر عمليات الطرد والإخلاء من نقاط أخرى بضواحي باريس تضاعف عدد ساكنيه.

ومن بين أكثر من 450 شخصا، تم إخلاؤهم من المبنى، فإن 40% يتمتعون بصفة لاجئ وفق منظمة “ميغرانتس يونايتد”، بينما 43% هم من طالبي اللجوء و17% مهاجرون من دون وثائق، وتقر المنظمة بوجود أزمة سكن وإيواء حادة في فرنسا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من اللاجئين.

ومع أن الحكومة أعلنت عن فتح عدد محدود من مراكز للإيواء في مدن أخرى، مثل مرسيليا وليون وتولوز وبوردو، فإن نحو 80 منظمة نددت بما يحدث من مطاردات وعمليات طرد جماعي، ووصفتها بأنها عملية “تطهير اجتماعي”، بينما اعتبرتها نقابات مدافعة عن تجارة الجنس بمثابة “الحجر الاجتماعي”.

ولاحظت صحيفة “ليبيراسيون” في تقرير موثق، تصعيدا في حملات الإبعاد منذ سبتمبر/أيلول 2023، ومع نهاية العام تم تسجيل 17 عملية أمنية لإخلاء مباني إيواء عشوائية أو مخيمات لاجئين. وفي مقارنة مع وتيرة هذه العمليات الأمنية في الماضي فإنها لا تتعدى معدل العملية الواحدة في الشهر.

حملات واسعة ضد اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين في باريس تتزايد مع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية  (الأناضول)

ويشير المحلل السياسي عن مركز الدراسات الغربية في باريس أحمد الشيخ، في حديثه مع الجزيرة نت، إلى أن هذا التناقض بين باريس الحضارية من جهة وباريس “غير الحضارية” من جهة أخرى، ليس وليد اليوم لكنه يتزايد ويتفاقم مع الأيام.

ويتساءل الشيخ ما إذا كانت عمليات “التطهير الاجتماعي” ستفضي في نهاية المطاف إلى الحد من تناقضات باريس أم ستزيد من حدتها، ويرى أنه كان من الأجدى تبني إجراءات أخرى أكثر إنسانية تليق بفرنسا وحضارتها بعيدا عن التوظيف السياسي للمشاكل التي يطرحها وجود عدد كبير من المشردين ضحايا البؤس وسياسات التضخم والغلاء.

وفي ظل الانتقادات الموجهة لسياسات باريس، يشارك الشيخ السؤال ذاته الذي يطرحه كثير من المراقبين: “أي قناع سترتديه باريس عند إطلاق شارة الألعاب؟”.

 

 

أ.ش

المصدر: الجزيرة