اشتداد الصراع.. حقائق النشأة والحصاد الإيراني ‎

لم يعد خافيًا أن احتدام الصراع في المشرق لم يكن ليكون بوجهه القائم لولا إنشاء الكيان الصهيوني المؤقت على أـرض فلسطين بقرار غربي شامل تمسك زمامه حاليًا الولايات المتحدة الأميركية. وهي تجهد بكلّ ما أوتيت من قوة إلى دمج الكيان في المنطقة ليكون قاعدةً عسكريةً متقدمةً وإحدى وسائل السيطرة والتحكم، من خلال مسألتين مركزيتين دخلتا العمل، بالتوازي مع إنشاء الكيان، وتطورت أساليبهما مع الزمن، سيما مع العثور، في تكوينات النظم الرسمية العربية وتلك التي ترفع لواء الإسلام المدجن والمحرف، على راقصين على أنغام الحلم الأميركي بالرغم من دمويته، وبالأصل تناقضه مع مصالح الأوطان.

2024-04-23

المسألة الأولى، زرع الفتن بين الدول المتجاورة، ولا سيما العربية في ما بينها. وقد نجح هذا الأمر إلى حد بعيد، ومن تجلياته ابتعاد الدول عن القضية الفلسطينية ليصبح شعار كلّ قطر “اسم بلده أولا”، والأردن أبشع مثال على ذلك. فقد تحوّل الأردن بحد ذاته إلى قاعدة عمل مركزية للغرب ضدّ الدول العربية المجاورة، سواء أكان في سورية أم في العراق، منذ إنشائه مملكةً مستقلة، وتطور دوره من محاولة القضاء على الثورة الفلسطينية المسلحة في بداية انطلاقتها إلى معاداة سورية التي تبنّت ورعت العمل الفدائي، وصولًا إلى اتّخاذ الأرض الأردنية مقرًا لغرفة العمليات المركزية الغربية – الخليجية – الإسرائيلية، والمعروفة بـ”موك” للتأمر على سورية وتنسيق العمليات الإرهابية ضدّ سورية، وبالطبع ليس آخرها التفاخر بالدفاع عن الكيان الصهيوني حين اعترض المسيّرات الإيرانية المؤزراة لفلسطين وشعبها في حرب الإبادة والتطهير العرقي غير المسبوقة التي تشنها قوات الاحتلال برعاية وموافقة غربية شبه شاملة، وإن غلفت أحيانًا بتصريحات مضللة لذر الرماد في العيون.

 

طبعًا هذا الأمر ينسحب، أيضًا، على الدول التي تقول إن الإسلام هو دين الدولة، فتعمل على إبراز التناقضات المصلحية لهذه السلطة أو تلك، ويؤدي الغرب عمله في خططه لزرع الفتن بين المسلمين انطلاقًا من القطرية إلى العشائرية، وتعمد إلى تحميل الإسلام المسؤولية بزعم أنه غير قابل لتحقيق الاستقرار والرخاء، وهو دين من التاريخ القديم ولا يتماشى مع العصرنة، أي العصرنة على الطريقة الغربية الممقوتة.

 

المسألة الثانية، وهي مكملة للأولى وبحسب الحاجة، ألا وهي “الليبرالية الجديدة”. لقد شهدت تسريعًا مخيفًا مع احتدام الصراع، في الآونة الأخيرة، والأزمة الاقتصادية العالمية بهدف اجتذاب غير المحصنين وطنيًا ودينيًا للانزلاق تحت مسميات – أهداف، مثل السعي للحرية الفردية الشخصية، ووجوب احترام استقلال الشخصية الإنسانية، ووضع القيود على السلطة والحد ما أمكن من أدوارها في حماية المصالح العامة للإنسان، والسعي إلى توسيع الحريات المدنية. وقد أدت منظمات ما يسمّى “المجتمع المدني” NGOs، دورًا تدميريًا لا يستهان به إن كان على المستوى الأخلاقي العام أو التدمير المجتمعي. الأمر الذي ظهر جليًا في التكالب الاقتصادي والمالي وانتشار الفساد. وهذا الأخير أحد أعمدة الليبرالية الجديدة في ضرورة إفساد المجتمع للسيطرة عليه وسوقه إلى أمكنة تجافي الانتماء والأخلاق والإنسانية. مع تأليب المجتمعات ولو أدى ذلك إلى حروب أهلية، وحروب بين الأشقاء، بالتوازي مع ترويج مقولات باتت واضحة في سوادها، بأن الليبرالية تحمل قيم سعادة الشعوب. وفي السياق؛ تندرج عملية تسويق المثلية والجرائم الاقتصادية الكبرى على أنها حقوق وحريات شخصية لا يجب أن تطالها القوانين الأخلاقية.

 

لقد اكتشف الغرب، بشكل عام وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية التي صنّعت تنظيم “القاعدة” ومشتقاته من “داعش” إلى “جبهة النصرة” وغيرها، أن وحدة العرب والدول الإسلامية أو العالم الإسلامي ككل يشكّل الخطر المحدق على مشاريعها-أي الولايات المتحدة- سواء في السيطرة والنفوذ أو في تدمير القيم الاجتماعية والإنسانية والقوانين التي ترعى كلّ ذلك. وباتت تجزع من إعادة تشكّل عالم جديد يكون العالم الإسلامي والعربي جزءًا وازنًا فيه. فقامت بتوسيع الحملة لتقسيم المقسم في “سايكس -ويكو” وابتداع مشكلات وتوترات، مع بروباغندا هائلة تربط الإرهاب بالإسلام والمسلمين، مقابل تمويل ورعاية الإرهاب العالمي الذي صنعته بأشكال مختلفة وضمنًا “داعش”، باعتقاد ساذج بأنها قادرة على تشويه الإسلام الحق، بالتوازي مع دعمها حرب الإبادة ورفض أي وقف لإطلاق النار واستخدام الفيتو في مجلس الأمن على أي قرار جدي في هذا السياق.

 

هذا مع الترويج النزق في أنها مع ما يسمى بـ “حل الدولتين”. لكن الطبع غلب التطبع ولو مع شعارات فارغة أصلًا. فقد رفضت أن تعترف بفلسطين دولةً في الأمم المتحدة، بذريعة أن هذا الأمر ليس من مهام الأمم المتحدة، وإنما يجب أن يكون بتوافق فلسطيني – إسرائيلي، علمًا أن “اسرائيل” “الدولة” هي نتاج قرار في الأمم المتحدة، وهي المنظمة التي شرّعت احتلال فلسطين لمصلحة الصهاينة، وهي نفسها التي كانت تصنّف الصهيونية حركةً عنصرية. وقد نص القرار الرقم 3379 على مساواة الصهيونية بالعنصرية، ورأى أن الصهيونية هى شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وطالب جميع دول العالم بمقاومة الأيدولوجية الصهيونية التي تشكّل خطرًا على الأمن والسلم العالميين.

 

تمامًا كما فعل جورج بوش (الابن) خلال حروبه من أفغانستان إلى العراق، وباراك أوباما صاحب شعار الحرب الناعمة إلى جو بايدن، يعممُ حكامُ أميركا الفعليون على أي رئيس: تحدث عن دعوتك إلى قيام دولة فلسطينية ولكن إياك والتفاصيل. إياك أن تذكر الاحتلال أو المستوطنات. إياك أن تكرّر عبارة دولة فلسطينية بعد ذلك بشكل جدي.

 

ممّا لا شك فيه أن الغرب وقيادته الأميركية في ذروة أزمة أخلاقية وإنسانية وسياسية واقتصادية، وهؤلاء جميعًا يحاولون إجهاض التغيير الزاحف على العالم، ولم تكن عملية الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي في دمشق إلا في سياق تبلور المحور المناهض للحروب الغربية، والتي محطتها المركزية الآن في فلسطين. وما الاعترافات من ممّا يسمّى “حكماء اسرائيل” بأن إيران انتصرت في هذه المعركة إلا واقعًا مرئيًا، وكذلك إعلان أن: “مصدر القلق الإسرائيلي منبثق من حقيقة أن أجهزة استخباراته لم تقدر بشكل صحيح الشراسة الإيرانية المتغيرة على خلفية تقاربها المتزايد من روسيا”. وجانب آخر في القلق الإسرائيلي مرتبط بتغيير قواعد اللعبة: الإيرانيون قرروا إخراج الحرب إلى العلن وتحويلها إلى مواجهة مباشرة”. ولذلك في أي عملية عسكرية شديدة أو مفاجئة ضدّ مصالح إيرانية، في أنحاء الشرق الأوسط، سيتعين على جهاز الأمن في “إسرائيل” أن يأخذ بالحسبان رد فعل إيراني مباشر.

 

في هذا الصدد؛ يمكن القول إن الضربة الإيرانية الموفقة، والتي حققت أهدافها العسكرية والأمنية والسياسية بمواجهة كلّ ما يقال عن تفوق عسكري وأميركي وبريطاني، زجّ في المعركة إضافة إلى صبية “إسرائيل” في الأردن، أن هدفًا آخر تحقق لإيران لم يخطر إلا لقلة نادرة الإضاءة عليه، وهو أن إيران أجرت على الأقل اختبارًا ميدانيًا حيًا على ثلاثة أنواع من الأسلحة الهجومية ضدّ “إسرائيل”. وكانت جميع الاختبارات ناجحة:

أولًا، القدرة على تنسيق عمليات إطلاق واسعة النطاق للأنظمة الضاربة، حيث وصلت جميع الأسلحة تقريبًا إلى المكان المطلوب في الوقت المناسب.

ثانيًا، اختبار قدرات “الدفاع” الجوي الإسرائيلي، وكذلك أنظمة الدول الأجنبية التي ساعدت “إسرائيل”؛ أي الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن.

ثالثًا، اختبار الصواريخ المجنحة، وبحسب خبير شرقي فإنه “الآن، نشأت مشكلة خطيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد اتضح أنهم لا يملكون وسائل إسقاط الصواريخ فرط الصوتية”.

 

د.ح

 

المصدر: العهد/ يونس عودة