مدير عام العدالة التعليمية في وزارة التربية الايرانية للوفاق:

الخدمات التعليمية ونشاط المعلم متوفرة في كل البلاد

يجب زيادة الاهتمام بالشرائح الضعيفة في المجتمع وربما يمكن القول أنه لا يوجد في أي بلد آخر تقدم لهذه الخدمات بصورة مجانية

2024-05-01

عبير شمص

 

تُعتبر العدالة دائمًا الموضوع المركزي لجميع الأديان السماوية والمدارس والنظريات الفلسفية والعلمية والاجتماعية. ويُعد التعليم والتربية عالي الجودة منذ الطفولة، عاملاً مهماً في التطوير المستمر وتحسين هوية الإنسان، والعامل الأكثر فعالية في تحقيق أقصى قدر من العدالة في المجتمعات البشرية. ومنذ انتصار الثورة الإسلامية وحتى اليوم، برز تحقيق العدالة الشاملة والمتكاملة في جميع جوانب المجتمع كمؤشر لنظام المعايير الإسلامية، ولأن الأطفال والمراهقين هم رأس المال المتميز لأي بلد، فيُعتبر تأمين التعليم لهم جميعاً بدون إستثناء تحقيقاً للعدالة الاجتماعية المرجوة.

 

وتُشكل التربية العنصر الأكثر حساسية وأهمية في بناء الإنسان فرداً ودولة ومجتمعات، فإن مستقبل أي أمة من الأمم متوقف على طبيعة نظرة تلك الأمة إلى قضية التربية والتعليم وكيفية تطبيقها لهما، فهناك تناسب طردي وعكسي بين نظرة أمة ما إلى التربية وممارستها لها في أرض الواقع، وبين موقع تلك الأمة على الخارطة الحضارية للأمم تقدما أو تخلفاً. وقد أعطيت هذه المسألة أهمية خاصة في نظام الجمهورية الإسلامية في ايران، وما زال قطار التربية والتعليم يتحرك قدماً للتطور والتقدم العلمي الذي حدث في إيران بعد نجاح الثورة الإسلامية بقيادة الإمام روح الله الموسوي الخميني(قدس) رغم كل الصعوبات والعقبات والتحديات التي واجهتها إيران والحروب والصراعات والهجمات التي مورست ضدها، لذا يفخر نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتقديم الخدمات التعليمية ولو لطفل واحد في المناطق النائية والمحرومة وإرسال المعلمين إلى تلك الأماكن.

 

وفي يوم المعلم الوطني، نتوقف مع نماذج من تضحيات المعلمين في مختلف مناطق ايران لا سيّما النائية منها.

 

 

مدرسة لطالب واحد

“علی تیرگیر” 31 عاماً، كان مدرساً في المدارس النائية في المناطق العشائرية والمحرومة غربي إيران حتى قبل 3 سنوات. في عام 2017 وخلال السنوات الأولى من خدمته في جهاز التعليم، رأى أن طلاب منطقة “نيس شبلاي” يضطرون إلى استخدام الحبل لعبور النهر الهائج، وهي وسيلة تنقل غير آمنة، وقد قُطعت أصابع العديد من الأشخاص أو سقطوا في النهر أثناء انتقالهم، فقام وبأمواله الخاصة بمساعدة سكان المنطقة والحرس الثوري، ببناء جسر للقرية وطريق بطول ستة كيلومترات، وكذلك بنى مدرسة صغيرة للقرية ليتعلم فيها أبناؤها ولا يضطرون لقطع المسافات والانتقال لمناطق أخرى للتعلم.

 

هذا المعلم الذي أصبح الآن مدير عام مكتب العدالة التعليمية وتطوير التعليم العشائري التابع لوزارة التربية والتعليم وأحد المديرين الشباب في الحكومة الايرانية، قال لصحيفة الوفاق في حوارٍ خاص:” هناك 221 ألف تلميذ من مجمل 16 مليون ونصف طالب في أنحاء البلاد يعيشون في المناطق الحدودية والمحرومة، ولدينا لهذا العدد من الطلاب في هذه المناطق  7000 مدرسة منها حوالي 500 مدرسة تضم طالباً واحداً فقط، ويسعى المعلمون في هذه المدارس إلى تقديم التعليم الجيد لهؤلاء الطلاب”.

 

وأضاف تیرگیر: “يعمل في هذه المدارس البالغ عددها 7000 أكثر من 20 ألف معلم، ومن بينهم 1346 معلماً يسافرون مع القبائل ويخدمون في المدارس المتنقلة، بحيث أنه في بعض فصول السنة تنتقل مجموعات من القبائل من مكانٍ إلى آخر، فيتوجب على المعلم الانتقال معها للاستمرار بتعليم الطلاب”.

ويشرح تیرگیر كيفية عمل هذه المدارس، فيقول: “يعمل 1051 معلماً أيضاً في المدارس شبه المتنقلة، وفي هذه المناطق يهاجر السكان ويبقى الطلاب ويتلقون التعليم  لجزء من العام الدراسي. مع العلم أنه يعمل معظم معلمينا في المدارس الدائمة، في المناطق المحرومة والتي سميت بذلك نظرًا لموقعها الجغرافي وبعدها عن المناطق الحضرية”. ويتابع حديثه:” بالإضافة إلى ذلك، قمنا بتهيئة الظروف المناسبة لطلاب المرحلة المتوسطة، وحرصنا على مراعاة العدالة التعليمية في هذه القرى النائية، فأنشأنا المدارس الليلية والنهارية بطريقة مختلفة، فيتمكن الطالب من الإقامة في المدرسة دون تحمل عناء السفر مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة يومياً”.

الهدف المنشود العدالة التعليمية

وأضاف: “ربما قليل من الناس يعرفون أن الجمهورية الإسلامية تُقدم مثل هذه الخدمات التعليمية، رغم أن التنفيذ الكامل للعدالة لم يكتمل بعد ونحن بعيدون عن  الهدف المنشود، لكن يمكن القول إن التحرك نحو العدالة التعليمية قد بدأ، الأمر الذي يريده الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) قائد الثورة الاسلامية ويؤكد عليه السيد إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية”.

وأكد تیرگیر: “أنا شخصياً من إحدى مدن محافظة “چهارمحال وبختيارى”، والتي تسمى إحدى المناطق المحرومة في البلاد نظراً لموقعها بين جبال محافظتين في إيران وطريقها غير قابل للعبور بسهولة. كما أنني شاركت خلال أيام دراستي الجامعية، في العديد من الرحلات الجهادية وأعلم ما هي احتياجات المناطق العشائرية والنائية. وهذا ما جعلني أقرر أن أخدم في هذه المناطق، وبإصراري تمكنت من التدريس في القرى النائية بعد التخرج”.

وصرح مدير عام مكتب العدالة التربوية وتطوير التعليم العشائري في وزارة التربية والتعليم تیرگیر: “بعد قيام الحكومة الشعبية الخدمية تم تكليفي بمهمة تحمل مسؤولية تطوير العدالة التربوية وخدمة تلك المناطق. لا شيء يخلو من التحديات، ولكن بناء على أمر الإمام السيد الخامنئي (حفظه الله)، نرى أنه من الضروري بذل كل ما في وسعنا للقضاء على الحرمان، وتقليص الفجوة الطبقية، وتطوير العدالة التعليمية، وتحسين مستوى تعليم العشائر، وكذلك الاستفادة من قدرة المحسنين والمؤسسات الثورية”.

وأضاف تیرگیر: “بسبب بعض أوجه القصور في الحكومة السابقة، كانت هناك مشكلة أزمة موارد بشرية في نظام التعليم وكان لدينا نقص في المعلمين، وتم بذل جهد  كبير حتى لا يبقى أي فصل دراسي بدون معلم. وفعلاً حصلنا في العام الماضي على ميزانية بقيمة 400 مليار ريال لشراء معدات لمدارس القبائل والمناطق الحدودية، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 40 ضعفًا مقارنة بالسنوات السابقة، والتي كانت أقل من 10 مليارات ريال”.

العشائر ذخائر الثورة

وتابع حديثه بالقول: إن الإمام الخميني (قدس) اعتبر المظلومين هم أصحاب الثورة الأساسيين ووصف العشائر بأنهم ذخائر هذه الثورة، لذلك نحن كطلاب صغار في مدرسة القائد العظيم يجب علينا بذل المزيد من الاهتمام بالشرائح الضعيفة في المجتمع وربما يمكن القول أنه لا يوجد في أي بلد آخر يقدم هذه الخدمات بصورةٍ مجانية”.

وأوضح تیرگیر:” لدينا 6035 مدرسة ابتدائية تضم أكثر من 10000 صف دراسي، كما لدينا 2447 صفاً في المدارس الثانوية الأولى و1258 صفاً في المدارس الثانوية الثانية. وعلى عكس المدارس والصفوف الابتدائية التي تتم إدارتها في معظم الأحيان بمعلم أو معلمين، تختلف الأمور في المرحلة الثانوية إذ يتعين وجود مدرس خاص لكل مادة دراسية، فمثلاً استاذ المعارف الإسلامية والقرآن يختلف عن أستاذ العلوم التجربية والبیئية أو الرياضيات والفيزياء، وهذه كانت إحدى تحدیات عملنا”.

ويتابع تیرگیر بشرح التحديات التي تواجه عملهم قائلاً:” إحدى التحديات التي نواجهها هو أنه نظرًا لتنقل العشائر، تكون المدارس متنقلة ومخيمة، وبطبيعة الحال تفتقر المدارس المجهزة بالخيام إلى المرافق الصحية كما نعاني من مشکلة التبريد والتدفئة”.

وأختتم حديثه عن التحديات بالقول:” التحدي الآخر الذي يواجه التعليم في المناطق النائية والمحرومة هو ثنائية اللغة، ما يعني أن معظم طلابنا لا يتحدثون الفارسية، ولديهم مشاكل في تعلم الدروس؛ وتتطلب مثل هذه المشكلة جهودًا متعددة من المعلم لإيصال الطالب إلى مستوى الجودة المطلوب حتى يتمكن في السنوات التالية من المشاركة في الامتحانات الوطنية الشاملة”.

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ خاص