“غزة جامعة العالم؛ فلسطين لن ننساك؛ فليسقط غصن الزيتون، فلتحيَ البندقية”، هي شعارات رددها هؤلاء الطلاب في حرم جامعاتهم. واللافت في الحراك انضمام أعداد كبيرة إليه، بحيث ضم طلاباً من الجامعة الأميركية في بيروت، AUB، و”اللبنانية الأميركية – LAU”، و”بيروت العربية”، و”اللبنانية الدولية – LIU”، فرعي البقاع وبيروت، و”الجامعة اللبنانية – الحدث”، وجامعة “القديس يوسف – USJ” في بيروت، وجامعة هايكازيان، وجامعة الروح القدس الكسليك – جونية، فضلاً عن جامعة “المعارف”، وجامعة “العلوم والآداب اللبنانية – USAL”.
انطلاقة الحراك سجلها طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، عبر وقفات تضامنية واعتصامات داخل الجامعة، داعين من خلالها إلى إنهاء العلاقات الاقتصادية مع كل الشركات والمؤسسات المتواطئة مع الاحتلال، ومنها شركة HP المساهمة، والتي توفر التكنولوجيا للاحتلال لاستهداف الشعب الفلسطيني، وارتكاب المجازر بحقه. كما طالبوا بإزالة كل الكتب التابعة للكتّاب الإسرائيليين من مكتبات الجامعات، فضلاً عن إزالة جميع منتوجات الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي من مقاهي الجامعات.
“من حقنا كطلاب أن نعرف بشفافية كاملة أين تُصرف أموال الجامعة”، تقول عناية، وهي طالبة في الجامعة الأميركية في بيروت. وتتساءل: “ألا يحقّ لنا أن نعلم إذا كانت هناك استثمارات معينة تصب في دعم الاحتلال؟”. طالبة أخرى في الجامعة الأميركية (فضلت عدم الكشف عن اسمها)، تؤكد بدورها أن الحراك الطلابي في الجامعة يهدف، بصورة أساسية، إلى التضامن مع غزة، والمطالبة بوقف العدوان على لبنان وشعبه.
الدعوة إلى تفعيل المقاطعة هي في رأس المطالب التي نادى بها الطلاب من مختلف الجامعات في تظاهراتهم، فتشدد رغد (طالبة في الجامعة اللبنانية الأميركية) على أن “هدف الحراك هو الضغط على كل المشاريع الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، إن كان عبر المقاطعة، أو من خلال رفض الاستثمارات والتعامل مع شركات إسرائيلية”. وتعتقد رغد أن الشبان العرب تأخروا في هذا التحرك، على الرغم من وعيهم خطر المشروع الإسرائيلي في لبنان والمنطقة.
من جهته، يكشف آلان علم الدين، منسق مبادرة “الدولة الديمقراطية الواحدة”، من خلال مشاركته في التنسيق للحراك الطلابي، أن الخطوة المهمة، التي عملوا عليها بالتوازي مع انطلاق الحراك في الجامعات، هي إدارة حلقات نقاش بشأن موضوع حل الدولتين كخيار ممنوع، وحق الفلسطينيين في أن يكون لهم دولة ديمقراطية واحدة، ويؤكد أنّ الطلاب مستمرون في حراكهم حتى تحقيق المطالب، وخصوصاً في الجامعة الأميركية في بيروت.
وخلال عقود من الزمن، خرجت عشرات الانتفاضات الطلابية السلمية، مُحدثة تغييرات سياسية مهمة، وتحوّلات كبيرة انتهى بعضها إلى إطاحة أنظمة استبدادية، وأخرى عنصرية، كتلك التي جرت مثلاً في مدارس سويتو في جنوب أفريقيا، حيث خرج الآلاف من الطلاب، احتجاجاً على نظام الفصل العنصري القائم في البلاد آنذاك، بين عامي 1970 و1980. وأجمع المؤرخون على أن هذه الانتفاضة هي من أهم التحركات التي ساهمت في القضاء على نظام الفصل العنصري.
لا يزال التاريخ يسجل مزيداً من الانتفاضات الطلابية، على اختلاف مطالب المحتجين وقضاياهم، لكنها حافظت دوماً على قدرتها الفعّالة والمؤثرة، حتى باتت تُرهب أنظمة وحكومات. ولعل الحراك، الذي يجري اليوم في جامعات العالم ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، هو تَجَلّ لإرادة الطلاب وتصميمهم على انتزاع مطلبهم بشأن وقف الحرب، عبر مقارعة السلطات التي لطالما ادعت الديمقراطية وصون الحريات.
غزة ضمن الحصص الدراسية
خرج عدد كبير من أساتذة الجامعات إلى جانب الطلاب، متَّحِدِين بشأن المطالب نفسها، من أجل مزيد من الضغط على المعنيين، وإعلاء الصوت من أجل وقف العدوان على غزة ولبنان.
أستاذة مادة الأنتربولوجيا في الجامعة اللبنانية، عبادة كسر، تؤكد أن كل أستاذ يعمل محركاً ثقافياً اليوم، بعد أن أحدث العدوان على غزة صدمة للعالم، فـ”الأساتذة معنيون بالتغيير أكثر من غيرهم، وخصوصاً أساتذة العلوم الإنسانية والاجتماعية، لأنهم معنيون بتعميق الثقافة لدى الطلاب، وخلق مسالك فكرية تجديدية، وفقاً للأحداث الطارئة في العالم”.
كما تؤكد كسر، في حديثها، أن الواقع اليوم هو واقع استعماري يستدعي التحرر. وبتاءً عليه، حثت على تطوير المناهج التربوية، بحيث لا تقتصر على النظريات الموجودة في هذه العلوم، وإنما تُدرَج أيضاً فيها نظريات أخرى عن التحرر والتحرير. وتقول: “منذ لحظة طوفان الأقصى وما تلاها من إبادة جماعية في غزة، أضفتُ إلى محاضراتي كافة، حتى في الامتحانات، الأفكار المرتبطة بمقاومة المحتل، وتبيان أهمية التحرر الوطني من أجل نيل الحقوق”.
وأشادت كسر بالحراك الطلابي، قائلة إن الأمر الأبرز فيه هو تنوعه ومشاركة طلاب غير حزببين فيه، وإنما شارك فيه “كل من يؤمن بتحرير فلسطين، وكل مناهض لحرب الإبادة، ورأينا انفعال الطلاب القوي في الوقفات التضامنية التي نظموها”، لافتة إلى أنّ المقاطعة الأكاديمية في لبنان حاضرة منذ عام 2002 في أجندة حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان.
بدوره، أكد الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية، جميل معوض، أن الحراك يُحْيي قيمة دور الطلاب، مطلبياً وتنظيمياً، ويعطي بارقة أمل باحتمال إعادة إحياء الجسم الطلابي كجسم مطلبي، لافتاً إلى أن بعض الأساتذة جزء من هذا الحراك، إن كان على الصعيد التعليمي، وإدخال مقالات أو حصص تتعلق بغزة في موادهم التعليمية، أو من خلال المشاركة فيه على الأرض.
هداية طه
أ.ش