ابتزاز و”مال سهل”.. كيف يتجنب القاصرون مخاطر تيك توك؟

يتمتع "تيك توك" بخاصيّة المراسلة المفتوحة، وهذا يسمح لأي شخص بإرسال ما يريد. وفي إطار الفيديوهات القصيرة المتداولة، يشاهد ويسمع ويتفاعل مع جميع مصادر العنف والكراهية والمحتوى الجنسي.

2024-05-08

في قضيّة صادمة هزّت الرأي العام اللبناني، جرى توقيف ستة أشخاص قبل أيام بتهمة الاعتداء الجنسي والاتجار بالبشر. وبحسب بيان لقوى الأمن الداخلي، تعرّض العشرات من الضحايا الذين لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشر، إلى اغتصاب عنيف بعد استدراجهم عبر حسابات وهميّة على تيك توك. ثم قاموا بتخديرهم وتصويرهم. وتهديدهم مع عائلاتهم في حال فضح الحادثة. ولا تزال التحقيقات مستمرة في القضية.

 

على إثر هذه الحادثة، خرجت مطالبات بتدابير فعّالة للحد من المخاطر المحتملة التي يتعرض لها المراهقين على مواقع التواصل. فكيف تتعاطى الجهات المعنية مع هذا الأمر؟ وما هي التحديات التي يواجهها المجتمع في مواجهة هذه الظاهرة؟

 

أطفال يكبرون في كنف الأزمات

ظهر أحد الضحايا في لبنان على صفحته مؤخراً، يشكو من المدعو “حسن سنجر” وهو أحد المتورطين بالقضيّة، ويدّعي تعنيفه ومحاولته ابتزازه جنسيّاً. ثم كشفت تقارير إعلامية محلية، إسهامات مالية من هذا الأخير على حسابات الكثير من القاصرين وصلت إلى 70 ألف دولار. ففي ظل الرقابة شبه المعدومة على هذه المنصات، وغياب التوعية، يقع بعض الأطفال ضحية “المال السهل”، ويُستدرجون إلى أماكن مشبوهة، ويمكن أن يصبحوا متورطين أيضاً.

 

تعدّ هذه الحادثة مجرّد حلقة من سلسلة عمرها من عمر الأزمات الاجتماعية المتمادية في لبنان، التي حصدت حالات كثيرة من العنف والاستغلال وسوء معاملة الأطفال. يُرجع الناس تفشي العنف والجريمة في البلاد إلى تردّي الواقع الاقتصادي، فمع بدايات عام 2020 فقدت العملة المحليّة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، مما تسبب بتضخم هائل، وزادت حالات الفقر والبطالة بحسب اليونيسف.

 

الوضع الاقتصادي والتضخم الهائل الذي أنجبته السنوات الأخيرة، “وضع 80 بالمائة من أطفال لبنان في فقر متعدد الأبعاد”، بحسب تقرير لليونيسيف صدر عام 2022، مسلطاً الضوء على أن “هناك مظاهر عنفية جنسيّة وجسديّة جسيمة تستهدف الأطفال في البلاد”. وبالتالي أصبح الأطفال “أكثر عرضة للانتهاكات مثل العمل والزواج المبكر”.

 

بيئة رقمية حاضنة للجريمة؟

يتمتع “تيك توك” بخاصيّة المراسلة المفتوحة، وهذا يسمح لأي شخص بإرسال ما يريد. وفي إطار الفيديوهات القصيرة المتداولة، يشاهد ويسمع ويتفاعل مع جميع مصادر العنف والكراهية والمحتوى الجنسي. فقد أثبتت دراسة أكاديمية نشرتها مجلة بحوث العلاقات العامة أن معدَّل تَعرُّض المراهقين حول العالم لمحتوى غير مرغوب فيه جاء بنسبة 48.5%. وهذه الأرقام تجعل برأي الباحثة في علم الجريمة رندا شليطا، مسؤولية الأهل مضاعفة للرقابة، والتوعية بالمخاطر المحتملة.

 

على الرغم من توفر العديد من الخوارزميات للكشف عن طابع المحتوى، إلا أنها ليست خالية من الأخطاء. ويمكن للآباء أن يشعروا بالتحدي الذي يتجاوز فهمهم وسيطرتهم. فيحثّ الخبراء الرقميين على “تقييد ومراقبة نشاط أولادهم على المنصة من خلال أدوات للتحكم المتاحة داخل التطبيق. كما يمكن تعديل إعدادات الخصوصية، وتحديد وقت محدد للاستخدام. ومن المهم الإبلاغ عن أي سلوك أو محتوى غير مناسب”. وأصدرت قوى الأمن الداخلي اللبناني مؤخراً، توصيات لحماية المستخدمين، منها تجنب إرسال الصور الشخصية وتغطية الكاميرا وعدم التواصل مع الغرباء لتجنب الوقوع في فخ الاحتيالات.

 

يشار إلى أن قصص الجرائم المرتبطة بتيك توك كثيرة، لكن لا تزال العائلات مرتبكة إلى حد ما في كيفية توجيه أبنائهم في استخدامه لما فيه من وسائل “إقناع” بشرية صعبة التحكم. وهنا يبرز دور الأهل، برأي شليطا، في مساعدة الطفل لتخطي الصدمة. كما تشرحُ أن القابلية للإجرام أو الشر، يمكن أن تكون ممتدّة من المراهقة بوصفها “المكان الذي تتكون فيه جميع أنواع الذهان”.

 

وعقب انتشار الحادثة، قامت بعض الحسابات على تيك توك وانستغرام بالاستهزاء بها، مع ترديد عبارة “تشرب شي؟”، في إشارة إلى المشروب الذي عُرض على الضحايا لتخديرهم قبل تنفيذ الجريمة. وعلى إثر ذلك، كلفت القاضية جويل أبو حيدر مكتب جرائم المعلوماتية بحذف عدد من هذه الحسابات. وتشرح شليطا أن ردّة الفعل هذه، “يمكن أن تمثّل نوعاً من الإنكار الناتج عن الخوف، كمن يضحك هستيريّاً بعد صدمةٍ معينة لتفاديها”.

 

عدالة إنسانية منقوصة

يفرّق علم الجريمة بين الجرم الناتج عن المرض العقلي النفسي أو عن شرّ محض للانتفاع المادي مثلاً. لكن المغتصب في كلا الحالتين هو شخص عدائي لنفسه وللمجتمع، ينتفي عنده الشعور بالذنب. كما تؤكد رندا شليطا الباحثة في علم الجريمة. وتضيف أن “البيدوفيليا هي شخص يعتدي على قاصر، وليس لها أي مبرر حتى وإن كان منشأها رغبة أو ميل طبيعي. المجتمع يعقلن هذه الرغبات ويضعها تحت مجهر القانون والعرف”.

 

فما هي العقوبة التي يفرضها القانون على هذا الإجرام؟ يجيب الأكاديمي علي خليل المحاضر في القانون على هذا السؤال، مؤكّداً أنّ هذه الجريمة هي مركّبة ينطبق عليها الكثير من بنود القانون اللبناني المحلي، أهمها قانون حماية الأحداث. كما تنطوي تحت بروتوكولات دولية. لكن في ظلّ ما يسمى بـ”إدغام العقوبات” في القانون اللبناني، الذي ما زال على هيأته منذ أيام الانتداب الفرنسي، لن تتعدى عقوبة هؤلاء الـ7 سنوات، على اختلاف تورطهم. وهذا يعني أن العقوبة الأكبر تبتلع العقوبات الأصغر منها، سواء كانت من طبيعة واحدة أو مختلفة. فيما السنة السّجنيّة هي 9 أشهر.

 

تشير راندا شاليطا إلى أن المجرم يجب أن يخضع لتأهيل محكم قبل عودته إلى المجتمع، ومع انتفاء ذلك تنصح بأن لا ينال حريته. “فهناك الكثير من المغتصبين الذين أعادوا الكرّة بعد قضائهم فترة سجنهم”. هذا الرأي يسلط الضوء على واقع سجن روميه وهو أكبر سجون لبنان، والذي من المفترض أن يستوعب حوالى 200 سجين، بينما يضم حالياً 4000 سجين ونحو 80% من الموقوفين قبل المحاكمة. فيعتبر بالتالي مكاناً غير قابل للتأهيل.

 

أ.ش

المصدر: الميادين