صمود المقاومة وتداعيات الفشل الإسرائيلي في غزة يفجر الخلاف بين بايدن ونتنياهو

بعد سبعة أشهر، تبيّن انّ جيش الاحتلال الإسرائيلي نجح فقط في ارتكاب المجازر المهولة ضدّ المدنيين، وتدميرالقطاع وتهجير سكان الشمال والوسط إلى منطقة رفح في الجنوب

آثار الخلاف الحاصل حالياً بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو،التساؤلات حول أبعاده الحقيقية.. لا سيما أنّ الخلاف ظهر إلى السطح، عبر إعلان البيت الأبيض تعليق شحنة منالأسلحة كانت سترسل إلى «إسرائيل»، على خلفية أمرين:

الأمر الأول، رفض نتنياهو مقترح للوسطاء القطريين والمصريين وشاركت في صياغته واشنطن ووافقت عليه حركةحماس، ينص على هدنة مستدامة وانسحاب الإسرائيلي من القطاع إلى غلاف غزة.

الامر الثاني، إقدام نتنياهو على البدء بعملية عسكرية واسعة في رفح تحت عنوان القضاء على كتائب حماسالأربعة في المدينة واستعادة الأسرى الصهاينة..

بدا واضحاً انّ إدارة بايدن رأت في رفض نتنياهو للاتفاق والقيام بعملية رفح، بمثابة تجاهل تامّ لموقفها، الذي يرىانّ الوقت قد حان لقبول «إسرائيل» اتفاق وقف النار، وعدم الذهاب إلى عملية واسعة في رفح، لن تؤدّي سوى إلىمزيد من المجازر، وتأليب الرأي العام الأميركي والعالمي وتصاعد انتفاضة الجامعات الأميركية والغربية ضد حربالإبادة الصهيونية وسياسات الإدارة الأميركية الداعمة لها، مما يهدّد بالخطر، أكثر من أيّ وقت فرص نجاح بايدنفي انتخابات الرئاسة التي ستجري نهاية هذا الصيف.. فيما باتت واشنطن على يقين بانّ اجتياح رفح لن يؤديإلى القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، ولا إلى استعادة الأسرى.. وان النتيجة عسكرياً لنتكون أفضل حالاً مما حصل في شمال غزة وخان يونس حيث المقاومة لم تضعف، ومُني حيش الاحتلال بخسائرفادحة بالأرواح والعتاد على نحو غير مسبوق..

فمنذ بداية الحرب على غزة كانت إدارة بايدن تؤيد عملية عمليات عسكرية وليس اجتياحاً واسعاً للقطاع بناء علىخلاصات تجربتها الفاشلة في حربي العراق وأفغانستان.. الا انّ نتنياهو وحكومته الذين تلقوا للتو أقسى ضربةفي تاريخ الكيان في 7 أكتوبر، لم يستمعوا للنصيحة الأميركية التي شرحها بالتفصيل القائد السابق للقواتالأميركية خلال حربي العراق وأفغانستان ديفيد بترايوس الذي حذر الجيش الإسرائيلي من التورّط في اجتياح غزةلأنه سيواجه هناك «الانتحاريين والعبوات الناسفة والكمائن وافخاخ الألغام.. والقتال بالنسبة له في شوارع المدينةسيكون أكثر صعوبة وتعقيداً».

ومع ذلك تجاهلت حكومة نتنياهو كلّ ذلك وأقدمت على تنفيذ عملية اجتياح واسعة لشمال ووسط غزة وخان يونسفي الجنوب، لكن الإدارة الأميركية مع ذلك اكتفت بتوجه النصح للقيادة الإسرائيلية، وعمدت إلى دعم حرب الإبادةهذه والمشاركة فيها، وأقامت جسراً جوياً وبحرياً لمدّ الكيان بالسلاح، وحشدت أساطيلها في المنطقة لحمايته.. ووفرت له الغطاء السياسي..

لكن ماذا كانت النتائج؟

بعد سبعة أشهر، تبيّن انّ جيش الاحتلال الإسرائيلي نجح فقط في ارتكاب المجازر المهولة ضدّ المدنيين، وتدميرالقطاع وتهجير سكان الشمال والوسط إلى منطقة رفح في الجنوب، لكنه فشل في تحقيق أيّ من أهدافه بالقضاءعلى المقاومة وتدمير قدراتها واستعادة أسراه بدون شروط، في حين غرق جيش الاحتلال في مستنقع منالاستنزاف نتيجة المقاومة الضارية التي واجهته، وأوقعته في كمائن وأفخاخ. وتحوّل جنود العدو ودباباته إلىشاخصات في حقول رماية يصطادها رحال المقاومة الذين برهنوا على مهارة قتالية منقطعة النظير، من نقطةصفر، وأظهروا كفاءة عالية في تدمير دبابات ومدرّعات العدو، وقنص جنوده.. مما أدى إلى تدمير مئات الآلياتالعسكرية الصهيونية ومقتل الآلاف من ضباط وجنود العدو وجرح عشرات الآلاف..

على أنّ حرب الإبادة هذه وفشل جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه العسكرية ولّد تداعيات وانعكاسات سلبية داخلالكيان الصهيوني وعلى الصعيد العالمي ولا سيما في الولايات المتحدة، وضع الإدارة الأميركية في حرج ومأزق كبيرين:

أولا، على صعيد الداخل الاسرائيلي، تصدّعت الجبهة الداخلية، وانفرط الإجماع خلف الحكومة لمواصلة الحرب،وبات هناك انقسام بين من يدعو إلى قبول صفقة لتبادل الأسرى مع حماس حتى ولو أدت إلى وقف الحرب، وبينمن يرفض ذلك ويُصرّ على الاستمرار في الحرب.. حتى انّ آخر استطلاعات للرأي أظهرت انّ نحو 60 بالمائة منالإسرائيليين باتوا مع صفقة حتى ولو كان الثمن وقف الحرب، ما جعل نتنياهو وحلفاءه من الأحزاب اليمينيةالمتطرفة في مواجهة مأزق كبير وازمة داخلية وضغط متواصل من عائلات الأسرى للقبول بالاتفاق مع حركةحماس

ثانيا، على صعيد الداخل الأميركي، اجتاحت التظاهرات المنددة بالحرب على غزة، والمؤيدة لفلسطين، والمستنكرةلسياسات إدارة بايدن الداعمة للحرب، اجتاحت المدن الأميركية، وتحوّلت اخيراً إلى انتفاضة تعمّ الجامعاتالأميركية التي عكست تحوّلاً هاماً في وعي الجيل الجديد من الشباب الأميركي لصالح دعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.. مما أثار المزيد من القلق في دوائر صناع القرار في واشنطن، وزاد من منسوب القلقلدى إدارة بايدن من تأثير ذلك فعلياً على نتائج الانتخابات الرئاسية في حال استمرت الحرب ولم تضغط واشنطنلوقفها والحدّ من المعاناة الإنسانية لسكان غزة، بما يؤدي إلى امتصاص نقمة قسم كبير من الأميركيين، وخصوصاًالطلبة وأساتذة الجامعات الذين يطالبون الإدارة بالعمل على وقف الحرب..

أمام هذه التطورات وجدت الإدارة الأميركية، أنّ الاستمرار في الحرب لم يعد مجدياً، ودعمها في ذلك الخلاصةالتي توصل إليها أركان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي اجتمعوا اخيراً بحضور وزير الدفاع ورؤساء هيئةالأركان والموساد والشاباك ومسؤول ملف المفاوضات وخلصوا إلى نتيجة تقول «إنّ الحرب وصلت إلى طريقمسدود في ضوء عدم دعم الإدارة الأميركية عملية في رفح، وذلك تزامناً مع عدم إمكانية التوصل لاتفاق بشأن جبهةالشمال بدون تهدئة بغزة.. وانّ الجيش لا يخوض حرباً فعلية في غزة ونتنياهو وبن غفير يتجاهلان هذه الحقيقة،وأنّ إسرائيل فقدت ميزتين اساسيتين هما الدعم الأميركي ووحدة الشارع». (صحيفة يديعوت أحرونوتالاسرائيلية).

من هنا ومن أجل العمل على امتصاص نقمة الشارع الأميركي ولا سيما طلبة الجامعات وتوفير مناخ مؤاتٍ لصالححملة بايدن الانتخابية، وكذلك إنقاذ «إسرائيل» من مأزق الاستنزاف المتفاقم في غزة وعلى الجبهة الشمالية معلبنان، ووضع حدّ للحصار الاقتصادي عليها في البحر الأحمر، وهجمات المقاومة العراقية، عمدت إدارة بايدن إلىتكثيف الجهود لأجل التوصل إلى اتفاق يوقف النار ويحقق تبادل الأسرى ويخفف من المعاناة الإنسانية في غزة..

لكن واشنطن أدركت في الوقت نفسه انّ ايّ اتفاق إنما هو انعكاس لنتائج الميدان، ولهذا ليس بالإمكان فرض اتفاقعلى حركة حماس وفصائل المقاومة بالشروط الإسرائيلية، خصوصاً بعد ان جرّب هذا الخيار ولم ينجح، وكادتالمفاوضات تنهار، فأرسلت واشنطن مدير مخابراتها وليم بيرنز لهندسة اتفاق عبر قطر ومصر يستجيب لأهمّ مطالب حماس، من خلال إدخال بعض التعديلات على المقترح المقدّم لها، وخصوصاً لجهة الانسحاب الإسرائيليالكامل من قطاع غزة، ووقف النار عبر صيغة مبتكرة تحت اسم «هدنة مستدامة»، يمكن أن ترضي «إسرائيل» ايضاً.. ولهذا جاءت موافقة حماس على المقترح المعدل لتشكل صدمة لنتنياهو، وتدفعه إلى الردّ بالرفض واعلانالبدء بعملية رفح.. الأمر الذي فجّر الخلاف مع إدارة بايدن التي اعتبرت ردّ نتنياهو بمثابة محاولة واضحة تستهدفإحباط جهودها لإنجاز اتفاق لوقف النار وبالتالي الضرب بعرض الحائط مصالح «إسرائيل» لوقف حرب لم تعدمجدية، ومصالح إدارة بايدن الانتخابية لاحتواء غضب الرأي العام الأميركي.. ومع ذلك نجد أنّ إدارة بايدن ظلتتمارس سياسة محاولة إقناع نتنياهو والقول انها لا توافق على عملية واسعة في رفح، وأنه يمكن جسر الهوة بين«إسرائيل» وحماس..

ولهذا يُطرح السؤالهل سيكون بايدن هذه المرة حازماً ويمارس ضغوطاً أكثر تأثيراً وينفذ تهديده بأن واشنطن«لن تزوّد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة اذا اجتاحت رفح ودخلت إلى المناطق المدنية».
أم سيعود بايدن إلى انتهاج نفس السياسة وهي الاكتفاء بإبداء الاعتراض على سلوك نتنياهو الذي ردّ على بايدنبالإصرار على تنفيذ عملية رفح ولو اضطرت «إسرائيل» ان تبقى وحدها، وبالتالي تستمرّ واشنطن في دعم«إسرائيل» انطلاقاً من سياسة أميركية ثابتة؟

هذا ما ستجيب عليه الساعات والأيام القليلة المقبلة.

حسن حردان

أ.ش

المصدر: جريدة البناء