جرائم الصهاينة في رفح… لماذا لا تزال إنجلترا صامتة؟

أعربت الحكومة البريطانية مراراً وتكراراً، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، عن قلقها وحذرت من نية "إسرائيل" غزو رفح براً، ولكن الآن بعد أن بدأ الغزو الإسرائيلي الفعلي لرفح خلال الأسبوع الماضي كان موقف لندن هو الصامت.

2024-05-18

إن الإشارة الأخيرة الوحيدة من جانب الحكومة البريطانية إلى تطورات حرب غزة جاءت عندما ظهر وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون يوم الخميس الماضي لإلقاء خطاب مهم أمام لجنة الشؤون الخارجية في برلمان البلاد ولم يشر سوى ثلاث إشارات مختصرة إلى التطورات في غزة دون التطرق إلى الجرائم الصهيونية التي تحدث في الغزو على رفح.

 

ووفقاً لتقارير بعض المصادر الاخبارية، أعربت الحكومة البريطانية مراراً وتكراراً، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، عن قلقها وحذرت من نية “إسرائيل” غزو رفح براً، ولكن الآن بعد أن بدأ الغزو الإسرائيلي الفعلي لرفح خلال الأسبوع الماضي كان موقف لندن هو الصامت.

 

والحقيقة أنه على الرغم من التحذيرات السابقة، فقد أظهرت لندن الآن موقفاً سلبياً ضد الغزو الإسرائيلي لغزة ورفح، ويمكن القول إن لندن الآن في ذروة الهجوم البري الإسرائيلي على رفح، دون بيان وزاري، ودون بيان صحفي حكومي، ودون نشر بعض المنشورات على الأقل على وسائل التواصل الاجتماعي، فهي الآن مجرد مراقب للأرض والحرب في غزة، و”ديفيد كاميرون” وزير الخارجية البريطاني أيضاً اختفى هذه الأيام بسبب تطورات الشرق الأوسط والحرب في غزة.

 

كما استخدم ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، موقفه السلبي المستمر تجاه الحرب في رفح واقتصر على القول “إننا نشعر بقلق عميق” بشأن الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح، هذا على الرغم من أن “سناك” كان قد حذر قبل شهرين من الوضع في رفح وأي عمليات برية فيها وطالب بوقف أي مخططات لحرب برية في رفح، بمعنى آخر، يمكن القول إنه بناء على بيان الحكومة البريطانية ورد فعلها السلبي، تراجعت لندن عن تحذيراتها الصارمة بشأن الهجمات الأرضية الإسرائيلية في رفح، وحتى على الرغم من بدء الحرب في غزة، فإن لندن لم تتحدث عن وقف المعركة في رفح وفضلت الصمت في مواجهة الكارثة الإنسانية في رفح على معارضة استمرار الحرب، ولم تصدر الحكومة البريطانية حتى بيانا حول إدانة الهجوم على رفح، واكتفى وزير الخارجية بإدانة الهجوم في ظل الحكومة البريطانية التي تعارضها الحكومة الحاكمة.

 

 

دعم “إسرائيل” هو مبدأ أساسي في لندن

 

وأفاد موقع ميدل إيست آي بأنه بشكل عام، خلال حرب غزة، من المبادئ الأساسية والمركزية للحكومة المحافظة في لندن عدم اتخاذ أي قرار وعدم إظهار أي رد فعل يظهر أن تصرفات “إسرائيل” في غزة تتعارض مع المساعدات الإنسانية الدولية، وبصفته نائب وزير الخارجية البريطاني، زعم ميتشل أيضًا أن حكومة لندن لم تشهد بعد عملاً عسكريًا واسع النطاق في رفح، لذا فهي لا تستطيع الحكم على ما إذا كانت العملية الحالية في رفح تتفق مع القوانين الإنسانية الدولية أم لا، ويظهر موقف ميتشل ذروة النفاق البريطاني في الحرب على غزة.

 

من الواضح أن سوناك وكاميرون وميتشل سعداء بالتظاهر بأنهم على علم بالحرب في رفح البعيدة، لأنهم عندها لن يتعرضوا لضغوط لاتخاذ موقف، وتريد المملكة المتحدة فقط أن تلتزم “إسرائيل” بالقانون الدولي، لكنها لا تعلق أبدًا على ما إذا كان القانون الدولي قد تم انتهاكه في حرب غزة ورفح، ولم تعلق إنجلترا حتى على مراجعة قضية “إسرائيل” في محكمة لاهاي الدولية، وهذا الصمت يثبت أكثر من أي شيء آخر موقف لندن المزدوج تجاه القضايا الإنسانية.

 

 

من أوكرانيا إلى فلسطين

 

الصمت الحالي لحكومة لندن فيما يتعلق بالحرب في رفح هو في حين أن الحكومة البريطانية تعارض دائما وبقوة الحرب في أوكرانيا وقصف المدنيين الأوكرانيين، إلا أن بريطانيا التزمت الصمت تجاه قصف رفح حتى الآن، في الواقع، من وجهة النظر الغربية، للحرب جوانب جيدة وسيئة، تمامًا مثل الإرهاب.

 

إن الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا سيئة من وجهة نظر الغرب، ولكن الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني ضد غزة جيدة، هذا هو منطق القوة الغربية وحقوق الإنسان، فكيف يظهر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في تلك الدولة مباشرة بعد مرور 24 ساعة على بدء الحرب في أوكرانيا ويشكل أكبر فريق تحقيق للتحقيق في أبعاد الحادثة، بينما بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر، ضغط الرأي العام العالمي ليس للتعاطف مع شعب فلسطين المظلوم بل للتعاطف مع عائلات الضحايا الصهاينة القريبة من معبر رفح، فكيف بعد قضية أوكرانيا، تقدمت 34 دولة معظمها أوروبية بطلب تدخل طرف ثالث في قضية أوكرانيا ضد روسيا في محكمة العدل الدولية، ولكن في الإبادة الجماعية للكيان الصهيوني، سقطت جميعها في صمت مميت؟ كيف يمكن لمسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، باعترافه بجرائم الكيان الصهيوني كجرائم حرب، أن يدعي أن ليس لديه أي معرفة قانونية، بل يعلق على النضال المشروع للشعب الفلسطيني بصفته خبيرا دوليا ذا خبرة؟

 

إن الكارثة الإنسانية في غزة والوضع المتدهور في الضفة الغربية يؤججان الفوضى الإقليمية، ويضعفان تحالفاتنا مع الديمقراطيات الغربية، ويجعلان من الصعب على دول مثل مصر والأردن والسعودية التعاون مع الصهاينة، لقد ركز معظم الإسرائيليين اهتمامهم الآن على طهران، ولكن حتى قبل الهجوم الإيراني فضلنا أن نغض الطرف عما كان يحدث في غزة والضفة الغربية، ومع ذلك، إذا لم نغير سلوكنا تجاه الفلسطينيين، فإن غطرسة ورغبة نتنياهو في الانتقام ستلحق بتل أبيب كارثة تاريخية.

 

لسنوات عديدة، عمل نتنياهو وشركاؤه السياسيون على صياغة أجندة لم تتجاهل أهمية تحالفنا مع الديمقراطيات الغربية فحسب، بل وأيضاً احتياجات “إسرائيل” الأمنية الأكثر عمقاً، لقد كُتب الكثير عن الأسباب التي أدت إلى كارثة السابع من أكتوبر، وسوف يُكتب الكثير، لا شك أنه لا يمكن تحميل رئيس الوزراء المسؤولية عن كل التفاصيل الصغيرة، ولكن رئيس الوزراء مسؤول عن الأمر الأكثر أهمية، ألا وهو تشكيل أولويات البلاد، وكانت الأولويات التي اختارها نتنياهو كارثية.

 

لقد فضل نتنياهو هو وشركاؤه ترسيخ الاحتلال بدلاً من تأمين حدودنا، حتى أن الزعيم نفسه الذي أثبت لسنوات أنه غير قادر على إخلاء مستوطنة إسرائيلية غير قانونية واحدة في الأراضي المحتلة نجح في يوم واحد في إخلاء بلدات سديروت الإسرائيلية في الجنوب وكريات شمونة في الشمال، وعدد سكانهما يفوق عشرات الآلاف، والأسوأ من ذلك أنه عندما شكل نتنياهو حكومته الأخيرة، كان عليه أن يقرر أي من مشاكل “إسرائيل” العديدة ينبغي أن يركز عليها، هل ينبغي لـ”إسرائيل” أن تعطي الأولوية لمحاربة حماس أو حزب الله أو إيران؟ وبعد تفكير طويل، قرر نتنياهو محاربة المحكمة العليا، لو أن حكومة نتنياهو، بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2023، أعطت حماس ربع الاهتمام الذي أولته لمحاربة المحكمة العليا، لكان من الممكن منع كارثة الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول.

 

أ.ش

المصدر: موقع الوقت