غانتس يقرّ بالفشل: لتغيير استراتيجي وتطبيع ومواصلة الحرب!

الجميع يريد مواصلة الحرب، لا خلاف في ذلك، والجميع أيضًا يتصرف في جزء من توجهاته ضمن حسابات سياسية داخلية، لكن الأزمة الأكبر هي حول اليوم التالي بعد الحرب في غزّة.

2024-05-19

ليس خافيًا حجم التصدع داخل مجلس الحرب “الإسرائيلي” الذي شكل أميركيًّا بعد إعلان حالة الحرب. التصدع والخلافات بين الأضداد بدأت تتظهر بعد هدنة الأيام السبعة في غزّة، والحديث عن المرحلة الثانية ثمّ الثالثة، واليوم التالي بعد الحرب الغائب عن تصورات نتنياهو.

 

خرج بني غانتس عن صمته، ممهلًا نتنياهو، الذي اتهامه بالخضوع للمتطرّفين، حتّى الثامن من حزيران/يونيو لتلبية جملة من الطلبات، وهو ما يفهم على أنه محاولة من بني غانتس لإحداث صدمة داخل المجلس وتعديل مساره، خصوصًا أن مواصلة الحرب تحظى بإجماع لكن الخلاف حول الاستراتيجية والخطة، وهو ما يعكسه كثير من التصريحات الأميركية.

 

لكن قبل تبيان مقاصد بني غانتس، خصوصًا مع إقرار غير مباشر بالفشل أمام المقاومة، يجب الإشارة إلى أن حالة التخبط والضياع الاستراتيجي في مجلس الحرب والحكومة مرده إلى عوامل عدة:

– قدرة المقاومة في غزّة على إيقاع خسائر كبيرة في صفوف جيش الاحتلال.
– قدرة المقاومة على التكيف مع الحرب ومجاراتها والصمود ومنع العدوّ من الاستقرار الميداني والسياسي.
– قدرة المقاومة على الاحتفاظ بالأسرى واستخدامهم كورقة ضاغطة داخل الكيان.
– نجاح المفاوض الفلسطيني في صد الضغوط وعدم التسليم بما يحقق مصلحة “إسرائيلية”.
– ضغط جبهات الإسناد مجتمعة خصوصًا جبهة لبنان التي تعد المأزق الأكبر لتل أبيب.
– فشل واشنطن بتفكيك وحدة الساحات القائمة.

 

من هنا، يمكن فهم ما أراده بني غانتس، عضو مجلس الحرب، بقوله: “على القيادة أن ترى الصورة الأوسع وتحدد المخاطر وتبلور استراتيجية قومية حديثة”، مقرًّا بذلك بفشل الاستراتيجية القائمة، وعليه يجب تغيير السلوك والنظر إلى المستقبل.

 

هذه العبارة ربما تعكس حجم المعاناة لدى صناع القرار المتخاصمين في الكيان، مع ضبابية المشهد المتعلّق بالمستقبل، إذ يلتقي غانتس مع كثير من المسؤولين في تصوير ما يجري على أنه مرتبط بالوجود والبقاء.

لا شك أن الجميع يريد مواصلة الحرب، لا خلاف في ذلك، والجميع أيضًا يتصرف في جزء من توجهاته ضمن حسابات سياسية داخلية، لكن الأزمة الأكبر هي حول اليوم التالي بعد الحرب في غزّة.

 

لم يختلف غانتس كثيرًا مع نتنياهو في ما يتعلق بإعادة الأسرى، وكذلك تقويض قوة حماس والسعي لبديل لها، فهو زايد على نتنياهو بقوله: “لو سمع مني لدخلنا رفح قبل شهرين”، لكن من حيث التطبيق والخطة يختلفان كثيرًا، وهو ما يفهم من موجة التراشق المتبادلة التي تلت المؤتمر الصحفي لبني غانتس.

 

ما كان ملفتًا أن غانتس، الذي حظي خطابه بتأييد المعارضين وعلى رأسهم لابيد، كان يعكس تصورات أميركية علنية، تتعلق باليوم التالي بعد الحرب والخطط لذلك، منها أيضًا التطبيع مع السعودية، وإيجاد بديل لحماس بمشاركة عربية، بغضّ النظر عن إمكانية تنفيذه من عدمه.

 

إذًا، يعكس غانتتس الفشل والواقع المعقّد الذي وصل إليه جيش الاحتلال – عمود الدولة -، وفي جزء منه قد يكون بسبب إدارة الحرب من الفريق الحاكم، لكن الخطورة التي عبر عنها غانتس تكمن في الواقع الاستراتيجي بعد سلسلة الخيبات وتآكل الردع، من غزّة إلى لبنان فاليمن والعراق وصولًا إلى الرد الإيراني الذي دخل ضمن كلّ حساب خصوصًا بعد العجز “الإسرائيلي” عن الرد والانكفاء إلى حدود كبيرة عن المس بالوجود الإيراني الشرعي في سورية.

 

ثمة مأزق استراتيجي يتعمق، ولا شك أن نتنياهو وفريقه يعلمون ذلك، ومحاولة غانتس قد تكون لإيجاد حالة من الصدمة يعاد بعدها بلورة الأمور بما يخدم مواصلة الحرب بأساليب مختلفة وهذا ما تريده واشنطن كذلك.

إن المأزق أكبر بكثير مما بينه غانتس، لكنّه سجل لنفسه الحديث عن بعضه.

 

من جهة قوى المقاومة، يبقى الرهان على البندقية، ورغم الثمن الذي تدفعه على امتداد الساحات إلا أنها نجحت في تسجيل نقاط استراتيجية، بعضها مما أقر به بني غانتس عبر مطالبته بتغيير الاستراتيجية والتفكير بالمستقبل.

 

 

خليل نصر الله

 

أ.ش

المصدر: العهد