رأى الجنرال عاموس يدلين، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكريّة بجيش الاحتلال أنّه “بالنسبة للحرب المُستمرّة منذ أكثر من سبعة أشهرٍ، يتبيّن الآن أنّ شعار (النصر المُطلق)، لم يعُد ذي صلةٍ، وأنّ الأهداف التي تمّ وضعها للحرب في أكتوبر الفائت، بعيدةً جدًا عن المنال، وأنّ الحرب، التي امتدّت للشمال وإيران تُلزِم صُنّاع القرار في تل أبيب بتحديث الإستراتيجيّة، لأنّ الحرب الحاليّة ستقودنا إلى إنجازاتٍ جزئيةٍ، وليس للنصر”.
وتابع قائلاً في مقالٍ نشره على موقع القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ: “يجِب وضع أهدافٍ تتلاءم مع الوضع الجديد بسبب المتغيّرات في أرض المعركة والفهم القاطع بمحدودية القوّة، وعلى الإستراتيجيّة الجديدة أنْ تأخذ بالحسبان أنْ تُقوّي العظمة الإسرائيليّة لمُواجهة تحدياتٍ طويلة الأمد في الإقليم وفي الساحة الدوليّة”، طبقًا لأقواله.
وشدّدّ يدلين على أنّ الحرب تضع أمام “إسرائيل” مجموعةً من التحدّيات الأمنيّة، قبلة حماس وحزب الله وإيران والشركاء الآخرين لطهران.
ويُشار إلى أنّه في المقال المذكور شارك يدلين مع باحثيْن إسرائيلييْن آخريْن، والثلاثة أعضاء في منتدى (التفكير الإسرائيليّ)، المُختّص بالشؤون الأمنيّة والإستراتيجيّة.
من ناحيته، قال د. أفنير غولوف: “منذ العام 2018 تحوّل الصراع العالميّ بين الصين والولايات المُتحدّة، حيث باشرت الأخيرة بعقاب حليفاتها بسبب العلاقات مع بكين، والأمر ينسحب على الصين أيضًا، وهكذا نشأ قطبيْن اثنيْن في العالم، ولذا فإنّه لأوّل مرّةٍ تحظى “إسرائيل”بفرصة التأثير على النظام العالميّ الجديد، وذلك عن طريق تقوية القطب الذي تقوده واشنطن”.
وتابع قائلاً: “من الواضح أنّ التعاون بين “إسرائيل”والولايات المُتحدّة وثيق جدًا، وهذه العلاقات تشمل التنسيق الإستراتيجيّ، وأيضًا حلّ الخلافات بين تل أبيب وواشنطن بعيدًا عن الأضواء، وهذا الحلف يؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على عظمة “إسرائيل”العسكريّة ضدّ الأعداء وعلى قدراتها لأنْ تكون بنظر أصدقائها معامل مؤثرٍ وأيضًا قبالة الشركاء الاقتصاديين”.
وبناءً على ذلك، أضاف الباحث الإسرائيليّ فإنّه يرفض رفضًا قاطعًا الإستراتيجيّة القائلة بوجوب الانقطاع عن واشنطن والمضي قدمًا نحو استقلالٍ إستراتيجيٍّ، وبالمُقابل نرفض أنْ نكون دولةً تابعةً للولايات المُتحدّة، وفي ظلّ النظام العالميّ الجديد يتحتّم على الكيان أنْ يكون جنبًا إلى جنب واشنطن، وأنْ تفعل ذلك من منطلق قوّةٍ وكشريكةٍ حقيقيّةٍ”.
وأوضح الخبير الإسرائيليّ أنّ ذلك يعني أنْ تكون “إسرائيل”دولةً قياديّةً في المحور الداعِم للولايات المُتحدّة، وأنْ ترفع مستوى الحلف المناهض لإيران في المنطقة، وأنْ تضمن أنْ يعيش أولادنا دون حركة (حماس) وفي ظلّ سلامٍ مع المملكة العربيّة السعوديّة، طبقًا لأقواله.
واستدرك قائلاً إنّ هذا التطوّر منوط بدفع ثمنٍ في الساحة الفلسطينيّة، ومُضيفًا أنّه كأحد الخبراء الذي يجري اتصالاتٍ مع الإدارة الأمريكيّة، وعلى ضوء رفض الحكومة الحاليّة رفض إقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ، فهناك مجموعة من الحلول المطروحة، التي تسمح لـ “إسرائيل”أنْ تكون لاعبةً مركزيّة في القطب الداعم للولايات المُتحدّة، وفي الوقت عينه عدم المخاطرة بأمنها، على حدّ تعبيره.
أمّا الباحثة هيلا حداد-حمالنيك فقالت إنّ “إسرائيل”تحولّت إلى قوّةٍ عظمى في مجال التكنولوجيا المتطورّة عالميًا، ولكن بما أنّ التقدّم التكنولوجيّ في العالم أجمع بات لا يقتصِر على الاختراعات الإسرائيليّة، فإنّ ذلك يُثير التساؤلات حول كيفية الحفاظ على أولويتها في مجال الهايتك في مواجهة الدول الأخرى التي قامت هي الأخرى بتطوير قدراتها التكنولوجيّة، وأصبحت منافسةً شديدّةً للدولة العبريّة في الإقليم وفي العالم، وفقًا لأقوالها.
وتابعت الباحثة قائلةً إنّه على الرغم من التطوّر الكبير الذي حققته “إسرائيل”في مجال الهايتك، فإنّه يُلاحَظ في السنوات الأخيرة ظهور عوامل ومؤشرات مقلقة، التي تؤكِّد بشكلٍ قاطعٍ انتشار التآكل التدريجيّ في التفوّق التكنولوجيّ الإسرائيليّ مقابل الدول الأخرى، التي تتنافس معها في هذا المجال، على حدّ وصفها.
وفي معرض حديثها كشفت الباحثة الإسرائيليّة النقاب عن أنّ السعوديّة سجلّت تقدمًا كبيرًا في المجال التكنولوجيّ بالسنوات الأخيرة، لأنّها استثمرت أموالاً طائلةً لجذب المستثمرين في هذا المجال، والذين استجابوا للعروض المغريّة، علمًا أنّ هذه المشاريع، أضافت الباحثة، تحظى بدعمٍ كبيرٍ من الحكومة في الرياض، كما قالت.
وأوضحت أنّه بالمُقابل لم تقُمْ “إسرائيل”حتى اللحظة بوضع إستراتيجيّةِ شاملةٍ في هذا المجال، الأمر الذي يؤثر سلبًا على حصانتها الاقتصاديّ والأمنيّ، وهذا تحصيل حاصل لتآكل التطوّر الإسرائيليّ الذي كان مسيطرًا على قسمٍ كبيرٍ في هذا المجال.
وخلُصت الباحثة الإسرائيليّة إلى القول إنّ الموجة المعادية لـ “إسرائيل”في جميع أصقاع المعمورة، والتي ارتفعت وتيرتها بشكلٍ مُقلقٍ منذ السابع من أكتوبر الفائت، تزيد من أهمية التعاون والتنسيق مع الولايات المُتحدّة، وهذه الحملة تؤثّر سلبًا على قوّة “إسرائيل”العسكريّة وخشيتها من ردود الفعل العالميّة في حال تفعيلها، ولذا يتحتّم على “إسرائيل”أنْ تعمل بشكلٍ إستراتيجيٍّ في الملعب السياسيّ، القضائيّ والإعلاميّ.
وتابع يدلين: “أولاً وقبل كلّ شيءٍ يجب الإعلان عن أنّ إعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزّة هو الهدف الأسمى للحرب، وبالمُقٌابل يتعيّن على دولة الاحتلال العمل على ردع إيران من أنْ تقوم بمهاجمة “إسرائيل”بشكلٍ مباشرٍ، ومنعها من الوصول للقنبلة النوويّة وتحويلها لسلاحٍ عسكريٍّ، وذلك بواسطة إقامة حلفٍ إقليميٍّ بقيادة واشنطن”.
وأردف: “بالإضافة لذلك، يجب العمل من أجل القضاء على (حماس) ونزع قطاع غزّة من الأسلحة، وذلك لمنع الحركة بشنّ هجومٍ إضافيٍّ على نسق هجوم السابع من أكتوبر، مع إيجاد بديلٍ لحكم القطاع مكانها، معبِّرًا عن أمله في نشوء (ساداتٍ فلسطينيٍّ)، وفي الجانب الآخر (بيغن الإسرائيليّ بالقرن الـ 21)”، كما قال.
واختتم: “أمّا على الجبهة الشماليّة، فإنّه في حال عدم التوصّل لاتفاقٍ سياسيٍّ، فيتحتَّم على “إسرائيل” أنْ تقوم بتجنيد الولايات المُتحدّة من أجل عمليةٍ عسكريّةٍ ضدّ حزب الله، شريطة أنْ تنتهي الحرب بتفوّقٍ إستراتيجيٍّ إسرائيليٍّ، ومنح حريّة العمل لـ “إسرائيل”في محاربة تعاظم قوّة (حماس) العسكريّة، وأخيرًا يجِب على الكيان العمل بوتيرةٍ عاليةٍ من أجل التوصّل لاتفاق تطبيعٍ مع السعوديّة والدول السُنيّة المُعتدلة، وتحسين وضع “إسرائيل” عالميًا”.
زهير أندراوس
أ.ش