كيف يكون المشهد الفلسطيني لو فشل سليماني ونجح “داعش”؟

20 سنة ملفّعة بالظلام والدم والتفسخ يحتاجها القضاء على "داعش"، بحسب قول رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال ريموند أوديرنو في صيف 2015 اللاهب.

2023-01-07

وبناء عليه، تم إطلاق حملة التحالف الدولي التي ما زالت قائمة حتى الآن، ربما لتكمل 20 سنة في 2035، حتى لو اختفى خطر “داعش” أو ظلت محاولات إنعاشه تترى بلا انقطاع، هنا في بوادي الهلال الخصيب أو بعيداً خلف جبال سليمان في أفغانستان.

لم تجرِ رياح أميركا كما اشتهت سفنها، فكانت سنوات ثلاث بين ترك الموصل لـ”داعش” ليسيطر عليها ودحره من مجمل الشام والعراق واليمن، في ميدان ظل مفتوحاً بلا استراحة محارب، منذ أن هلّل الإعلام الأميركي وأدواته في المنطقة لسقوط وشيك لبغداد بيد ثوار “القبائل”، وهو المسمى الذي دحرجه هذا الإعلام وقتها لتمرير “داعش”، فَمَنْ هذا المحارب الذي صاغت أنفاسه ميدان المواجهة خارج التحالف الدولي ومخططه الرهيب، واختصرت السنوات العشرين في 3 سنوات؟

انخرطت أغلب القوى المحلية والدولية في الصراع على العراق وسوريا، ولكنّه تمخض في منتصف العقد الماضي عن مشروعين أساسيّين؛ مشروع سليماني ومشروع “داعش”، مهما وقع بينهما وحولهما من تداخل أو تلاعب أو التباس، فجوهر مشروع الشهيد قاسم سليماني كان وما زال خلق جبهة إسلامية وأممية عريضة في مواجهة المشروع الغربي، ورأس حربته “إسرائيل”، فيما ظهر مشروع “داعش” كفزّاعة وحشية عبر استحضار كل ما أظلم من تراثنا من دون ما أشرق منه.

انصهرت معظم التنظيمات السلفية التي تصدرت الميدان في بوتقة “داعش” في نهاية الأمر، وكانت القضية الفلسطينية مع هذا التصدّر تتأكل بكل اختناق تبعاً لأولويات هذه التنظيمات، وانسياقاً وراء فكرها الذي يهمش قضية فلسطين باعتبارها قضية وطنية أو هي في حدها الأدنى قضية إسلامية من بين آلاف القضايا التي تتقدم عليها، نظراً إلى أن تلك القضايا يقود شأنها الإسلاميّ سلفيون أو هم في الحقيقة دواعش يمعنون في تفسيخ الدول والأوطان.

طوق فلسطين وعمقها الذي لطالما شكّل فضاءً تتنفس عبره بعض عليل الصبر والمجالدة كان يتفكك تباعاً، في ظل شعارات ابتدأت بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية عبر ناشطين افتراضيين في الفضاء الإلكتروني، ليصنعوا للعرب ربيعاً يفوق ربيع الصين، فإذا بهذه الشعارات الحالمة التي تجاوزت وجع القضية المركزية، فلسطين، حتى في أوجها عام 2011، تستقر تباعاً في حضن أبشع وعاء فكريّ يمكن تخيّله.

دخلت “قوة القدس” ميدان المواجهة على الأرض قبالة بغداد، ولكن العين ترنو هناك في غزة، وهنا في جنين. لذا، ظل عنوان الصراع حول القدس، وما إن اقترب الدواعش بكل مسمياتهم، من نصرة وتوحيد ودولة، قريباً من حدود سيطرة المحتل العبري، حتى تلقفهم بالرعاية والعناية والتدريب والعلاج وإعادة التأهيل، فكان السؤال عن السرّ في “عقلنة” اندفاع هذه المجاميع قبالة الجولان ورفح سؤالاً ساذجاً، وهي التي ساحت في الأرض كأمواج تتمدد عبر الطبيعة، فإذا بها تتبلّد غداة رؤية العلم الإسرائيلي، حتى وصل الأمر إلى أن يدعمها الطيران الإسرائيلي صراحة بقصف مرابض الجيش السوري التي تهددها، وهو قصف ما زال متواصلاً حتى بعد هزيمتها.

ألقى وقع التطورات المجاورة لفلسطين ظلالاً كئيبة على القضية، وليس على المقاومة فحسب، حتى أمكن لسليماني بجاذبيته وحنكته العسكرية أن يقلب المعادلة بعدما جاب الصحاري وافترش الأرض بين مقاتليه، وأقام الصلاة عبر حدود سايكس بيكو، وصاغ حلفاً ظل يتماسك منذ جبهة القصير التي استهلها حزب الله دفاعاً عن حدود لبنان، حتى تحرير درعا واليرموك.

يصلح المشهد في مخيم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق لتخيّل المشهد الفلسطيني لو نجح مشروع “داعش”، إذ بادرت القوى السلفية المدعومة من المعارضة السورية، وعبر تواطؤ بعض القوى الفلسطينية، إلى السيطرة على المخيم منذ عام 2012، وتسليمه لاحقاً لـ”داعش”، حتى إن “الإندبندنت” البريطانية استبشرت بأن “داعش” يبعد عن قصر الأسد مسافة 5 كم، وخرج إيهود براك الذي كان وزيراً للحرب حينها، وقد أنهى 3 زيارات متتابعة لواشنطن، ليعلن أن أسبوعاً فقط يفصلنا عن سقوط سوريا، داعياً حلف الناتو إلى اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لتسريع سقوط نظام الأسد.

وتصدّر استبشار إيهود براك بسقوط الأسد الإعلام، باعتبار أن ذلك يشكل ضربة قاسية لحزب الله والجهاد الإسلامي، وهو ما ظهر في مخيم اليرموك المشرف على قلب دمشق، وفي السنوات العجاف التي مرّ فيها تحت حكم “داعش”.

وقد سارع إلى طمس صورة ياسر عرفات من الشوارع، وحظر حماس والجهاد الإسلامي ومصادرة ممتلكاتهما، رغم تراجع العلاقة وقتها بين حماس وسوريا. وسبق للدواعش أن نفذوا جرائم عديدة ضد ناشطي المقاومة الفلسطينية في عقرها، هنا في غزة، وهناك في سوريا واليمن وسيناء، رغم استباق حماس الهزيع السلفي الدموي في غزة، عندما أجهزت على انشقاق عبد اللطيف موسى في مسجد ابن تيمية عام 2009.

نجح حلف سليماني في قصم ظاهر “داعش”، ومن خلفه المخطط الأميركي الرهيب في عملقة التنظيم، مع نشر غيوم كثيفة من الضباب طوال الوقت، باعتبارها تقود الحرب المزدوجة مع “داعش”، فإذا بسليماني يأخذ مجرى المعركة في مسار واحد لا ازدواجية فيه، وهو ما لم يكن ليتحقق من دون المزايا الخاصة في فكره، وخصوصاً مكانة فلسطين المركزية في مشروعه، وهو الذي استهلّ رعاية المقاومة في غزة منذ الحرب الإسرائيلية الأولى عليها عام 2008.

ظلَّت وجهة سليماني نحو فلسطين، حتى وهو يقاتل “داعش” بيده عبر جبهة ممتدة أكثر من ألف كم من بعقوبة حتى درعا، وهو ما جعل الأميركي يبادر إلى اغتياله، ودفع قادة المقاومة الفلسطينية إلى إعلانه شهيداً للقدس، والمشاركة في تشييعه مع 10 ملايين عراقي وإيراني، وهو الَّذي دخل غزة عبر الأنفاق مراراً، ليشرف بنفسه على تطوير صناعتها العسكرية من صواريخ ومسيّرات قضت مضاجع الكيان في 4 حروب متتابعة، بما أعاد إلى القضية وهجها.

استقرّ المشهد الفلسطيني بعيداً من صورته القاتمة في مخيم اليرموك أو ما أريد له في مسجد ابن تيمية في غزة، ليبدو في جانبه المشرق عنيداً في مواجهة المحتل العبري، وقد بدأت مداميك وحدة ساحات هذه المواجهة تُرصف، عبر نافذة جنين المعتصمة بالصبر على طول قهر، بعد سنوات قليلة من قرار سليماني تسليح الضفة، وهو ما بدا وقتها قراراً في المحال، ليصبح اليوم سؤال وحدة الجبهات يلحّ على بؤرها المتوقدة للصلاة في القدس، وقد أريد لها خلال عقد مضى أن تغرق في مستنقعات دجلة والخابور وما دون الليطاني.

المصدر: الميادين/ محمد جرادات