نازحو قرى المواجهة ضيوف قرى الصمود: هنا نشمّ رائحة بلداتنا عن قرب

قبل التحرير عام 2000، كانت القرى المتاخمة لما كان يسمّى «الشريط الحدودي» ساحة مواجهات يومية، وسكانها عرضة للاعتداءات الصهيونية المتكررة، وشهدت موجات نزوح كبيرة ترافقت مع الحروب التي شنّها العدوّ أعوام: 1993 و1996و2006.

2024-05-21

في المواجهة الحالية على طول الحدود، لم يبدُ لسكان القرى المتاخمة لمنطقة الحرب ما يستوجب النزوح، بل تحوّلت هذه البلدات إلى مراكز لاستضافة أبناء المنطقة الحدودية ومئات النازحين السوريين، في مقابل المستوطنات المقابلة التي أخلاها المستوطنون إلى مناطق تبعد مئات الكيلومترات.خلال أسابيع قليلة على بدء الحرب، اكتظّت هذه القرى بالسكان، وانشغلت بمواجهة أعباء النزوح، في ظلّ غياب الدولة ومؤسساتها. وإلى المبادرات الفردية الواسعة، تولّى حزب الله، بمؤسساته الصحية والتربوية والإنمائية، إدارة عملية احتضان واسعة لمئات العائلات، بالتعاون مع البلديات ومجلس الجنوب، ومن خلفه حركة أمل. ووُفّرت المنازل التي سكنها النازحون مجاناً خلافاً لبقية المناطق، حيث وصل بدل إيجار المنزل للنازحين الى 1500 دولار شهرياً. ومع إطالة أمد الحرب، زاد عدد النازحين، وبات صعباً العثور على منزل في البلدات المجاورة لقرى المواجهة مثل شقرا وبرعشيت ومجدل سلم وصفد البطيخ، والتي قرّر أبناء هذه البلدات الإقامة فيها قريباً من منازلهم، إذ «يخفّف ذلك من معاناتنا ويمكّننا من استغلال فترات الهدوء أو تشييع الشهداء وتفقّد بيوتنا وأرزاقنا. هنا نشمّ رائحة بلداتنا عن قرب»، يقول محمد قاروط ابن بلدة ميس الجبل.

 

في شقرا، الواقعة ضمن قضاء بنت جبيل، لا تتوقف أصوات «الدبع» جراء الغارات التي تستهدف بلدة حولا المجاورة، أو وادي السلوقي الفاصل بين البلدتَين. وغالباً ما يتجمّع النازحون في مكان مطلّ أو حتى تسلّق أعمدة الكهرباء لمعرفة المواقع المستهدفة.

 

 

التكيّف والبدء في العمل

 

معظم النازحين مزارعون لا يزال بعضهم يغامر في الذهاب للعمل في حقولهم قرب الحدود قبل العودة الى الأماكن التي نزحوا إليها. صباح كل يوم، يتوجّه محمد السيد وزوجته الى بلدتهما، عيترون لزراعة شتول التبغ ويعودان عصراً إلى صفد البطيخ التي نزحا إليها مع عائلتهما. يقول السيد: «متطلّبات الحياة مكلفة. علينا تأمين دخل نستطيع من خلاله تعليم أولادنا». أما زينب نصر الله التي كانت تزرع أكثر من 120 دونماً من الأراضي في بلدتها حولا وسهل مرجعيون، فقد استأجرت بعد نزوحها الى الجميجمة، 20 دونماً في مجدل سلم لزراعة التبغ، مشيرة إلى أن «أصحاب الأرض قدّموها لي مقابل مبلغ زهيد، واستعنت بـ 12 أجيراً من النازحين من أبناء بلدتي لتأمين فرص عمل لهم». أصحاب المهن، من أبناء ميس الجبل وحولا، استأجروا محال تجارية في شقرا وباشروا أعمالهم التجارية، فيما لجأت كثيرات من ربّات البيوت إلى صناعة المونة البيتية والخبز على الصاج، وافتتح أطباء عيادات جديدة في صفد البطيخ وبرعشيت ومجدل سلم.

 

 

مصادر الدعم وتعاون الأهالي

 

يشرح رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل رضا عاشور  خطة العمل مع النازحين، مشيراً إلى أنه «في بداية الحرب، ركّز حزب الله وحركة أمل، بالتنسيق مع البلديات واتحاداتها، على تأمين منازل لإيواء النازحين، وعمّمنا على المقيمين المساعدة في تأمين المنازل وتجهيز الخالي منها بما أمكن ليصبح صالحاً للسكن. في بلدة شقرا، مثلاً، أُمِّنَت الكهرباء من مولدات البلديات ومجاناً لما يقلّ استخدامه عن 50 كيلو واط، وعملنا على تأمين المياه وإصلاح الأعطال بالتعاون مع مجلس الجنوب الذي قدّم للنازحين أيضاً ما يحتاجون إليه من فرش وحرامات». وأضاف أن «العمل البلدي في حزب الله نسّق مع الجمعيات المختلفة والجهات المانحة لتأمين حصص غذائية وألبسة وأدوية وحليب أطفال. كما حصلت البلديات على تقديمات من الأهالي الميسورين، ونعمل اليوم، بالتنسيق مع المحافظ والقائمقام، على تأمين دورات تدريبية مهنية بالتنسيق مع عدد من الجمعيات، ولا سيّما جمعية شيلد، لتعليم من يرغب من المقيمين للمساعدة على خلق فرص عمل وتمكين الشباب وربّات المنازل من العمل في أماكن إقامتهم». كما سعى رئيس بلدية شقرا ودوبيه إسماعيل الزين الى تأمين الدعم لإصلاح وتحسين ضخّ بئرين ارتوازيّتين في البلدة، ما خفّف من حاجة الأهالي والنازحين الى المياه.

 

162 عائلة معظمها من بلدة حولا لجأت إلى بلدة مجدل سلم المجاورة، عمل حزب الله بالتعاون مع الأهالي والبلدية على تأمين حاجاتها الأساسية، وتغطية جزء من بدلات اشتراكات كهرباء المولدات. وقال رئيس البلدية علي تامر ياسين إن «رجال دين من البلدة يجمعون مع الأهالي دعماً مالياً وعينيّاً، ويقدّمون مساعدات مختلفة». كما ساهم القيّمون على «مطبخ رحماء» بتقديم وجبات إفطار طوال أيام شهر رمضان ووجبات أسبوعية بعده. وافتتحت مجموعة أطباء من حولا عيادة لاستقبال المرضى من النازحين وتقديم الأدوية المجانية. وتعاون أصحاب المواشي من أبناء البلدة مع زملائهم من النازحين في إيواء مواشيهم، وساعدت البلدية في تأمين مستودع مبرّد لجمع الألبان والأجبان.

 

رئيس بلدية صفد البطيخ، علي زين الدين، شكا من «ضعف إمكانات البلدية واتحادات البلديات في مواجهة الأعباء الكبيرة المستجدّة، إضافة الى غياب الجمعيات والجهات الداعمة». وأوضح أن البلدة تستضيف 87 عائلة لبنانية وأكثر من 80 عائلة من النازحين السوريين، وهناك حاجة ماسّة الى مساعدات طبية مختلفة، إضافة الى الحليب والحفاضات للأطفال وكبار السنّ»، لافتاً إلى أن «معظم أبناء البلدة من الموظفين والمياومين وغير قادرين على تقديم المساعدات للنازحين». وبحسب مصدر بلدي، فإن «تقديمات الجمعيات الدولية لا يزال خجولاً جداً، لأن الأمم المتحدة لم تعتبر ما يحصل اليوم حرباً تستدعي تحرّك الجمعيات الدولية».

 

داني الأمين

 

أ.ش

المصدر: الاخبار

الاخبار ذات الصلة