كتاب “صبح الشام” يتألف من 3 أقسام، الأول يناقش فيه دوافع طهران في كل قرار اتخذته والثاني يذكر الجهود الدبلوماسية المرافقة للقرارات الإيرانية والثالث عن قاسم سليماني.
يذكر حسين أمير عبد اللهيان أنّ الفضل في تدوين مذكّراته “صبح شام: رواية عن الأزمة السورية” الصادر عام 2023 عن “دار المحجّة البيضاء” في بيروت، “يعود إلى البطل الأممي في مكافحة الإرهاب الفريق العزيز قاسم سليماني، فقد طلب منه قبيل استشهاده أن يدوّن وينشر قسماً من هذه المذكّرات، مشدّداً على ذلك من أجل إيصال رسالة البسالة والشهادة والشجاعة، وعلى المقلب الآخر توثيق الجرائم والخيانة التي حصلت في سوريا ومنطقة غرب آسيا.
ويقول عبد اللهيان: إن الشهيد سليماني وفي ذروة الأزمات وضغوط العمل لم يتجاهل التفاصيل.
وقد قال لي قبل عام من استشهاده إنه لا يمتلك الفرصة المناسبة لكتابة ذكرياته وذلك بسبب انشغالاته الكثيرة.
ويضيف عبد اللهيان أن الشهيد قاسم سليماني طلب منه توثيق جوانب الحضور الملحمي في سوريا، والذكريات التي عاشها المدافعون عن المقدّسات في هذا البلد، وذلك بهدف بقائها للأجيال القادمة.
ويوضح عبد اللهيان بأن نشر مذكّراته تهدف “لكي يتعلّم جيل الشباب مجريات الأحداث في سوريا وجزء من منطقتنا، ويتعرّف إلى بطولات الفريق سليماني وشهداء الدفاع عن الحرم الزينبيّ”.
وبالفعل فإن هذه المذكّرات تروي تفاصيل التفاصيل عن الأزمة السورية التي بدأت عام 2011.
الكتاب يتألف من 3 أقسام:
الأول مهم جداً، ويضم 70 عنواناً تمّت من خلاله مناقشة دوافع طهران في كل قرار اتخذته، إضافة إلى مواقف وخلفيّات جميع المشاركين في الحرب على سوريا.
ويليه الثاني الذي يتطرّق إلى الجهود الدبلوماسية المرافقة للقرارات الإيرانية السياسية والعسكرية والأمنيّة والإغاثية، والثالث يتحدّث بشكل مُفصّل عن الرجل الثالث في إيران، أي اللواء قاسم سليماني، ودوره في الحرب السورية، مع ملحق بالصور والوثائق للمستندات المهمة والبارزة كافة التي تصبّ في هذا الإطار.
ويقول في مقدمة كتابه”صبح شام: رواية عن الأزمة السورية”: “يستطيع القارئ أن يرى بوضوح في كل صفحة من صفحات الكتاب مشاهد ناطقة تشهد بشجاعة قائد الثورة الإسلامية المرشد السيد علي الخامنئي وحكمته في الحفاظ على أمن إيران بحده الأقصى. كما تبدو جلياً البصمات العظيمة للفريق الشهيد سليماني في طياته، لمن يتابع بعين القلب”.
يتحدث عبد اللهيان عن العلاقات الإيرانية السورية التي بدأت عام 1946 عام استقلال سوريا ولم تشهد أي توتر حتى تاريخ إقامة شاه إيران علاقات دبلوماسية مع العدو الصهيوني، الذي كان جوهر الخلاف، فسوريا تعتبر الكيان الصهيوني العدو الأساس.
ويقول أن إعلان سوريا وقوف حافظ الأسد ومعه الحكومة السورية، المدافع عن الجمهورية الإسلامية، إلى جانب إيران عند ما شنّ صدام وحزب البعث الحرب المفروضة، انتهى إلى تحالف استراتيجي بين إيران وسوريا.
ويصف عبد اللهيان العلاقات بين طهران ودمشق بأنها اتسمت بأهمية قصوى خلال العقود الأربعة الماضية، فمنذ عام 2011 مع بدء تدخّل أميركا وحلفائها العلني في المنطقة… مرّت هذه العلاقة الاستراتيجية بمراحل عديدة لتصبح أكثر متانة.
وقد أسفرت عن نجاحات باهرة نظراً للدور البارز الذي أداه كلّ من الشعب والقيادة والقوات المسلحة السورية، ووقوف إيران وحلفائها إلى جانب سوريا سياسياً وفي الميدان.
ويبيّن أنّ من شأن ما حصل من حوادث في سوريا من مقتل ما لا يقلّ عن 400 ألف، وجرح أكثر من 500 ألف وتدمير 70 في المئة من قطاع الصناعة، وتهديم أكثر من مليوني وحدة سكنية، أن تقود أي بلد أو نظام سياسي إلى الدمار الشامل والتفكّك، إلا أن عوامل مختلفة حالت دون انتصار التحالف الصهيو أميركي أو التحالف “الغربي – العربي – العبري” في مقابل سوريا.
يقدّم عبد اللهيان صورة مختصرة وواضحة عن المشهد الإقليمي والعالمي العام في تلك المرحلة، قبل أن يتحدّث عن التحوّلات والاضطرابات في سوريا في الأعوام الأخيرة.
ويبين عبد اللهيان في كتابه “صبح شام: رواية عن الأزمة السورية”: أنّ الأحداث التي عمّت تونس ومصر عام 2011، والتي سقط خلالها حسني مبارك، واستبدل به محمد مرسي، ثم ما لبث أن أطيح به بعد ما يقارب العام، وجاء عبد الفتاح السيسي مكانه. كما تنحّى زين العابدين بن علي عن حكم تونس، ولاقى علي صالح المصير نفسه في اليمن، واندلعت ثورة البحرين التي أوصلت نظام آل خليفة قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. ولم تسلم أجزاء واسعة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط من أحداث مماثلة.
كلّ ذلك جعل وزارة الخارجية الإيرانية تعكف على دراسة معمّقة لهذا التحوّل السياسي والاجتماعي العظيم، الذي ألقى بثقل تأثيره على المنطقة، بل ربما على العالم أجمع. فمسرح هذه التحوّلات هو منطقتا غرب آسيا وشمال أفريقيا ذواتا الطابع الإسلامي… لذا لم نستطع نحن في إيران أن نقف موقف المتفرّج أمام تلك المواقع المفصلية. فلاعبون إقليميون مؤثّرون كأميركا والكيان الصهيوني يتحيّنون الفرص لركوب الموجة واستغلال هذه الحركات.
ويكشف عبد اللهيان بأنه ربما كان من أكثر أمور السياسة الخارجية الإيرانية توتراً… خلال عملي معاوناً لوزير الخارجية هو موضوع العلاقة مع السعودية عقب إعدام الشيخ نمر النمر… وما أعقب ذلك من ردود فعل واعتداءات بعض المحتجين على “القنصلية السعودية في مشهد والسفارة السعودية في طهران”.
في الحقيقة إن الخاصية التي تشترك فيها التصوّرات كافة هي أن هناك مجموعات من الشباب تدعو الناس إلى التجمّع في إحدى الساحات عبر الفيس بوك والفضاء الافتراضي، فكان في مصر ميدان التحرير، وفي اليمن ميدان التغيير، وفي البحرين ميدان اللؤلؤة، وهكذا في كلّ عاصمة.
كانت الأحداث التي حصلت في المنطقة انتهت إلى تحوّلات مشابهة باستثناء سوريا والبحرين، فثورة الشعب البحريني كانت الوحيدة التي امتلكت قيادة من بين كل الثورات.
يعتبر عبد اللهيان في “صبح شام: رواية عن الأزمة السورية” أن فهم ما جرى في سوريا يتطلّب الدقة، ويبيّن الأسباب التي جعلت الأحداث في سوريا تتخذ شكلاً آخر؟ ويتساءل: لماذا خرج المصريون ولم تطلق رصاصة واحدة، ولماذا لم يظهر “داعش” في ساحة التحرير؟ ولماذا لم يحصل هذا الأمر في تونس. بينما اتخذت الأحداث في سوريا طريقاً منحرفاً وتحوّلت إلى حرب إرهابية طويلة؟
ويصف عبد اللهيان ما جرى مع الثورات في مصر وتونس والبحرين بقوله: أردت الوصول إلى هذه النتيجة، وهي أن حدثاً هاماً قد وقع في المنطقة، وسقط على أثره الحكّام الذين ورثوا السلطة في هذه الدول بعد عدة عقود، فبدأ الحكّام الآخرون في المنطقة يفكّرون بما يجب عليهم القيام به.
لماذا أُنهيت الثورات؟
أُنهيت مسيرة الثورة في مصر بعد نحو سنة بعد تدخّل سعودي وإماراتي مستفيدين من الناس.
فحكومة السعودية كانت تعتقد أن استمرار هذه الحركات سيصل عما قريب إلى السعودية، وكان القلق شديداً في الإمارات والمغرب الأردن.
وفي الجانب الآخر كان الأميركيون قلقين للغاية، فكانوا يشاهدون حلفاءهم التاريخيين والتقليديين يسقطون واحداً تلو الآخر، من دون أن يكون لديهم بديل مناسب عنهم.
ولهذا يرى عبد اللهيان أن الأميركيين والسعوديين وحلفاءهم عملوا على إعداد مخطط يحول دون هذا السيل المدمّر.
كان قلق الكيان الصهيوني سابقاً على الجميع لأن هذه التحوّلات وبرغم ما اعتراها من سقوط وصعود تشكّل تهديداً حقيقياً لهم.
يكشف عبد اللهيان في كتابه “صبح شام: رواية عن الأزمة السورية” أن المثّلث المتشكّل من أميركا و”إسرائيل” والسعودية، إضافة إلى حلفائهم، توصّلوا بعد أشهر من البحث وتبادل الآراء إلى خلاصة مفادها الحؤول دون هذا السيل الجارف من خلال مخطط عكسي.
والهندسة العكسية تعني من وجهة نظرهم إسقاط محور المقاومة، ولكن كيف يمكنهم إدخال محور المقاومة في أزمة في المنطقة؟
يجيب عبد اللهيان عن هذا السؤال بقوله: لذا قرّروا الشروع بالعمل والمؤامرة من خلال التدخّل في إحدى دول محور المقاومة.
ففي المرحلة الأولى كانوا يرغبون في الإخلال بالأمن داخل طهران… وبدأوا البحث الدقيق عن استهداف المراكز النووية والذرية الإيرانية.
فكانوا يقولون يجب أن “نقطع رأس الأفعى”. وبعد البحث والتدقيق وصلوا إلى نتيجة مفادها أنّ هذا العمل يحمل في طياته إشكالات وتعقيدات… فلا يمكن الهجوم على طهران والخروج من المعركة من دون خسائر. فالأميركي كان يدرك أنه غير قادر على تحمّل تبعات هذا العمل.
ولهذا يرى عبد اللهيان أنه: “لم يكن أمامهم سوى الأساليب الأخرى، “فمن جملة خياراتهم قطع الأذرع التنفيذية التي تحميها إيران ضمن محور المقاومة في المنطقة”. كانوا يعتقدون أن جزءاً من أذرع إيران التنفيذية هو حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. وفي أوج التحوّلات اتخذ الإسرائيليون عام 2011 قراراً خاطئاً بالقضاء على غزة”.
ويوضح عبد اللهيان في كتابه “صبح شام: رواية عن الأزمة السورية”ذلك بقوله: كانت تحليلاتهم تشير إلى أن إيران منشغلة بالمحادثات النووية، ولديها الكثير من المشكلات التي تمنعها من الاهتمام بغزة.
وأن حزب الله منشغل بالفراغ السياسي في حكومة لبنان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ جزءاً كبيراً من شبابه الذين سيواجهون الإسرائيلي قد دخلوا سوريا، وهو في حالة حرب مع “داعش”.
لذلك كانت تحليلاتهم أن حزب الله لا يعيش وضعاً مناسباً بحيث يتمكّن من الدفاع عن غزة. كما أن الدول الأخرى التي بإمكانها الدفاع عن حماس والقدس وفلسطين، ومن ضمنها مصر فإنّ “رئيسها مرسي” يواجه تحديات داخلية كبيرة.
في خضمّ هذا التوصيف “وصلوا إلى نتيجة مفادها أن الوقت الآن هو الفرصة المناسبة لإنهاء موضوع غزة وإلحاقها بالأراضي المحتلة، وبذلك يكونون قد أرسلوا رسالة قوية إلى إيران وحلفائها. قاموا بعملهم هذا، ولكن الأمر المهم هنا أن القوات الصهيونية لم تتمكّن من الاستمرار بالحرب في غزة سوى أيام معدودة عام 2012، وطلب الصهاينة وقف إطلاق النار، وإنهاء حربهم في اليوم الثامن، من دون تحقيق أيّ نتائج في أوج اضطرابات المنطقة وما يعانيه كلّ من إيران ولبنان ومحور المقاومة من ضعف.
لماذا الحرب على سوريا؟
بعد أن فشلت خطة الهجوم على إيران، وما تلاها من فشل الهجوم الصهيوني على غزة، يقول عبد اللهيان إن الأميركيين والإسرائيليين درسوا أسباب الهجوم على غزة، فتوصّلوا إلى نتيجة مفادها أن من أهم العوامل في جبهة المقاومة وجود سوريا في الجبهة الخلفية. كانوا يعتقدون أنهم إذا تمكّنوا من ضرب الأمن والثبات في سوريا، وقطع خطوط المقاومة، تتغيّر موازين القوة في المنطقة بشكل أساسي.
كانوا يظنون أن الأرضية مهيّأة لهذا العمل. بداية كانوا يعتقدون أن مؤشرات الديمقراطية في سوريا ليست قوية، وثانياً قد سقط الرؤساء الذين كانوا يحكمون مدى حياتهم… لذلك يمكن التوجّه إلى سوريا بهذا المنطق.
كان الأميركي والإسرائيلي يعتقدان أن بإمكانهما الإمساك بهذا الوجه المشترك بين سوريا والدول العربية الأخرى، ومن ثمّ يعمدان إلى إعادة هندستها من جديد، فتكون نتيجة الهندسة العكسية سقوط الرئيس بشار الأسد، حليف طهران وصديق حزب الله في لبنان… وبعد سقوط الأسد تقفل جميع طرق إرسال المساعدات اللوجستية من سوريا إلى خطوط المقاومة المتقدّمة، كما يمكن إزالة التهديدات التي قد تواجه “إسرائيل” من ناحية مرتفعات الجولان للأبد.
يقول عبد اللهيان إنّ الهندسة العكسية التي أُنجزت كانت تتبع هدفاً كبيراً لم يتغيّر حتى اليوم… إضعاف الدول المحيطة بـ “إسرائيل” وجيوش الدول الإسلامية، وإبقاء الكيان الصهيوني المصطنع قوياً.
الجدير بالذكر أن عبد اللهيان تسلّم عدة مناصب في الخارجية الإيرانية، بدءاً من منصب المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي في الشؤون الدولية منذ عام 2016، فمستشاراً سياسياً لوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، وأستاذاً بكلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية، إضافة إلى كونه سياسياً ودبلوماسياً وأستاذاً جامعياً.
ونشير بأن كتاب “صبح شام: رواية عن الأزمة السورية” هو بالأصل نشر بالفارسية وأصدرته: سروه مهر للنشر في طهران، وجمع وتدوين الدكتور محسن مصحفي.
محمد علي فقيه
أ.ش