إيران الإسلامية: بين الدافع الإلهي، والمعطى السياسي، والتآمر الشيطاني

معنى أن تكون لإيران فرادة التميز في ما عبرت عنه من سياسة واقعية وعملانية تأسيسًا على أحكام الإسلام بعد غربة إسلامية طالت لقرون من الزمن!وهذا ما جعل من إيران أنموذجًا فريدًا في عالمية رؤيتها،وقوام منهجها في الدين والدنيا

2024-05-26

لقد اعتاد الباحثون في الدين والسياسة على أن يكتبوا عن إيران الإسلامية، بلغة الفرادة والتميّز لما تتمتع به هذه الدولة من خصائص ومميزات جعلت منها دولةً عظمى،سواء لجهة تحولاتها الداخلية، أو في ما آلت إليه من نفوذ وامتداد في السياسة، وكذلك في الحضور العالمی.

وقد لحظنا في هذا الكتاب معنى وحقيقة أن يكون الدافع الإلهي هو الموجّه لرؤيتها، والحاكم لأطروحتها، دينًا وسياسةً وحضارةً. فهو الأصل والباعث على التحقق الوجودي لدولة سبق للإمام الخميني أن قال عنها:”إنها دولة الإسلام الحق منذ مئات السنين.

 

ولكن السياسات وتناقض الأهداف والمصالح حالت دون ظهورها لتكون لها حقيقة التجوهر في الدور والوظيفة والنصرة لأهل الحق…”.كما أشرنا أيضًا إلى معنى أن تكون لإيران فرادة التميز في ما عبرت عنه من سياسة واقعية وعملانية تأسيسًا على أحكام الإسلام بعد غربة إسلامية طالت لقرون من الزمن!وهذا ما جعل من إيران أنموذجًا فريدًا في عالمية رؤيتها،وقوام منهجها في الدين والدنيا.

 

ولسنا نبالغ إن قلنا: إن إيران منذ انتصار ثورتها عام ١٩٧٩م،تعرّضت لمؤمرات شتى لتدمير أنموذجها القائم على تأسيسات الدين،وحاكمية الرؤية الدينية في التعبير عن مشروعها السياسي، وكذلك هي لم تنجُ من الحصار الظالم لشعبها، انتقامًا من مشروعها،وتهديدًا لحضورها في الدور والوظيفة، فضلًا عن الرؤية الحقيقية لمصالح الشعوب المستضعفة في المنطقة والعالم.

 

وهكذا،فإن ما تعايشت معه إيران من أحداث منذ ظهور مشروعها مع الإمام الخميني،جعل الكثير من الباحثين يجزمون بأن كل ما يحدث في إيران، وإن كان يمكن التحسّب له بالقضاء والقدر الإلهيين،إلا أنه يبقى مثارًا للتآمر والعدوانية التي أعلنها شياطين الغرب والشرق ضد الجمهورية الإسلامية.

 

فقد يقع الحدث في إيران لأسباب وعوامل جوية، أو أرضية، أو لسبب فني، أو تقني،أو لإهمال داخلي،لكن ما سبق لإيران أن اختارته لنفسها من دافعية إلهية، ومشروعية إسلامية، وتفاعلية سياسية،ونصرة للمستضعفين في الأرض، إضافة إلى تجوهر القضية الفلسطينية في خياراتها الاستراتيجية، كل ذلك جعل منها عرضةً للتآمر الدائم من الغرب والشرق، وهدفًا للعدوانية من كل غلو وتطرف في العالم! فإيران ليست مجرد دولة ثورية اختارت نظامًا سياسيًا تحكمه قوانين الإسلام وتعاليم السماء، وإنما هي تجاوزت ذلك ليكون لها مشروعها المناهض للغرب المستعمر والصهيونية العالمية، فأعطت لنفسها بعدية الدافع الإلهي، لتظهير معنى الحق في المواجهة على النحو الذي يجعل من مشروعها تعبيرًا حيًا في الواقع الإسلامي، بحيث لا تكون مجرد أطروحة في الكلام الديني كما هو حال الكثير من الدول والحركات التي عجزت عن تجسيد الحق وترجمته في تحقيق الواقع ونصرة القضايا الإسلامية! إنها دولة اختارت أن تكون ناطقة بالحق وعاملة لأجله، ومجسدة له في إطار رؤية واقعية في السياسة والدولة، وقبل ذلك في الثورة لإحقاق الحق، وتثبيت الموقف الإسلامي بما يمنع من الظلم حيث أمكن ذلك.

ولهذا، نجد الإمام الخميني يؤسس لهذا المشروع بكل بعديته الإلهية، مبينًا أنه لا خوف من سقوط راية الحق بعد أن استوت على معناها الحقيقي، يقول الإمام: “إن هذه الراية لا خوف عليها، ولن تسقط حتى يستلمها صاحبها..”، فإيران تعرضت لعدوان الشرق والغرب وكلنا يذكر ذلك اليوم الذي اجتمعت فيه الأحلاف (وارسو، والناتو)، لتقديم السلاح لصدام حسين في الحرب المفروضة، ولم تخل إيران يومًا من وقوع الأحداث بهدف النيل من أمنها واستقرارها.

 

و منا لا يذكر قتل العلماء الكبار، أمثال بهشتي ومطهري، وغيرهم كثير من القادة والوزراء والمثقفين، فكل ذلك كان ولا يزال يحدث لمنع إيران من الفوز باستقلالية الهدف والرؤية والمشروع! إن ما تعرضت له الجمهورية الإسلامية من خسارة للقادة العظام، وبخاصة الحادث المؤلم الذي تعرض له الرئيس الإيراني ومرافقوه، يمكن أن يكون قضاءً وقدرًا، إلا أن إيران بما لها من حضور وامتداد وفاعلية في الأحداث العالمية، إضافة إلى ما تؤسس له من استقلالية في الرؤية والمشروع الناهض في مواجهة الاستعمار، وخصوصًا بعد الذي حققته للإمة الإسلامية من ردع استراتيجي على مستوى المنطقة والعالم.

 

فهذا كله ربما يعطي انطباعًا بأن الصراع قد بلغ أوجه، بما يسمح بتجاوز أسباب الطبيعة للقول بأن ما جرى ويجري يشكل امتدادًا للأحداث، وعدوانًا ممن اعتادوا على التربص بالثورة وقادتها، ظناً منهم أن ذلك يمكن أن يؤثر في المسارات،أو أن يخفف من شدة الخيارات في المواجهة، أو على منهجية العمل السياسي،ليكون أكثر تناسبًا مع المصالح الغربية في المنطقة وغرب آسيا، ساهين عن أن إيران لم تعد لها موقعية التفاوض على النحو الذي يخدم المصالح الغربية.

 

وأن تجوهر مشروعها قد تجاوز حدود المصالح، لتكون له بعدية الدافع الإلهي في الدين والسياسة والمصالح، لأن راية الحق، وكذلك صاحب الراية هو الهدف، ولا بد أن الخطوات كلها محسوبة، سواء بالشهادة، أو بالحياة، وليس أمام إيران بكل ما تعنيه من ثورة ودولة ومشروع سوى الصبر على المكاره لنيل الجوائز الإلهية العظمى، وكم كان لها من ذلك في ما حق لها من وجود وحضور وقوة في مواجهة الظلم والظالمين؟ فكل العزاء لأهل الثورة والدولة في إيران،ولصاحب العصر والزمان باستشهاد القادة العظام، سائلين المولى عزوجل أن يحفظ إيران،وأن يتغمّد الشهداء بواسع رحمته.

 

الدكتور “فرح موسى”

 

أ.ش