اسماعيل المحاقري
لم يكن تراجع زخم عمليات كتائب القسام قبيل التصعيد على رفح مؤشر ضعف أو وهن، نتيجة الهجمات والاعتداءات “الإسرائيلية” الوحشية، ولم يكن مرد ذلك رهان فلسطيني على الضغوط الدولية لكبح جماح العدوّ وحمله على وقف العدوان على غزّة ورفع الحصار، بل هو عمل تكتيكي يسبق الطوفان المتجدد، ويرسم مشهًدا ميدانيًّا يعزز من حقيقة فشل تحقيق أوهام “سحق المقاومة” وإضعاف مقاتليها الذين يراكمون إنجازاتهم ويطورون من أساليب المواجهة بشكل يفاجىء الاصدقاء قبل الأعداء.
رفح بفضل الله وصمود أهلها والنازحين إليها لم ولن تكون الفصل الأخير لجيش العدوّ لإنهاء مسلسله الدموي والوحشي، بنهاية درامية يستعيد بها الكيان أمنه المفقود وتعيد الروح إلى حكومة نتنياهو المأزومة والمترنحة؛ فثمة أجزاء إضافية بدأت مع استئناف العمليات النوعية للقسام وشركاء العمل الجهادي بعد ثمانية أشهر من المواجهة، ليبدو طوفان الأقصى كما لو أنه في بداياته رغم الوحشية الصهيونية المفرطة في قتل واستهداف المدنيين وتدمير منازلهم.
ما بين عملية قتل وأسر عدد من الجنود الصهاينة بعملية استدراج ناجعة في جباليا، وقصف “تل أبيب” بالصواريخ من منطقة مشتعلة، أقل من 24 ساعة. إنجازان نوعيان في وقت وجيز وفي ظروف صعبة وغاية في التعقيد يفرضان على العدوّ “الإسرائيلي” وداعميه إعادة قراءة المشهد والتأمل في مدلولاته العسكرية.
ومن هذه المداولات أن كتائب القسام وفصائل المقاومة استطاعت أن تحافظ على بنيتها العسكرية وقدرتها الصاروخية رغم الاجتياح “الإسرائيلي” الكبير لقطاع غزّة والتدمير الهائل الذي طال المنازل والبنى التحتية طيلة الأشهر الماضية.
كتائب القسام أظهرت براعتها في إدارة المعركة وتوظيف قدراتها لخلط أوراق العدوّ وانتزاع زمام المبادرة منه في أكثر من محطة
عملية الأسر من شأنها أن تعمق حالة الانقسام الصهيوني نتيجة الإخفاقات المتراكمة، وتزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو لإعطاء الأولوية لعقد صفقة تبادل الأسرى بدلًا من أسر المزيد وعودتهم في توابيت.
إطلاق الصواريخ على “تل أبيب” تزامنًا مع دعاية الاقتراب الصهيوني من تحقيق “الانتصار الساحق” يزيد من أزمة ثقة المستوطنين في جيشهم وقادتهم ويقلل من احتمال العودة إلى مستوطنات الغلاف أو حتّى الشمال.
الفشل “الإسرائيلي” في حسم المعركة وتحقيق الأهداف المعلنة سيرفع منسوب الضغوط الدولية على الكيان لتغليب الحلول السياسية على العسكرية والتنازل عن الشروط والمطالب غير الواقعية في المقابل تحسين الشروط التفاوضية للجانب الفلسطيني.
مع صمود أهالي غزّة ومقاومتها واستمرارية زخم العمليات المساندة من لبنان والعراق واليمن تقترب نهاية قادة عسكريين وسياسيين صهاينة، ولا بديل لأميركا إلا أن تضحي بنتنياهو، ومن مؤشرات ذلك دعوة زعيم المعارضة “الإسرائيلية” يائير لابيد لاجتماع مع وزير الحرب الأسبق ليبرمان وزعيم حزب “أمل جديد” جدعون ساعر لبحث سبل إسقاط حكومة نتنياهو وتشكيل حكومة أخرى وفق إعلام العدو.
أ.ش