في نشاط تضامنيّ احتجاجيّ ضدّ الحرب الصهيونية

إخوة حنظلة.. احتجاج بصريّ لوقف الحرب على غزّة

قرار عرض شخصيّات كرتونيّة من خلفيّات ثقافيّة مختلفة تقف جنباً إلى جنب مع الفنان الراحل ناجي العلي "حنظلة"، يؤكّد الطبيعة العالميّة للنداء من أجل وقف فوريّ لإطلاق النار.

2024-06-04

في نشاط تضامنيّ احتجاجيّ ضدّ الحرب الصهيونية المستمرّة على قطاع غزّة، تعاون 104 من رسّامي الكاريكاتير الإيطاليّين لتقديم ملصق فنّيّ لافت للنظر، يحاكي الموقف الأيقونيّ لشخصيّة “حنظلة” الفلسطينيّة الشهيرة، من رسومات فنّان الكاريكاتير الشهيد ناجي العلي (1936 – 1987)، وفيه تظهر أشهر شخصيّات الكاريكاتير الإيطاليّة بظهرها للجمهور بالضبط كما حنظلة.

 

وكان ناجي العلي قد ابتكر شخصيّة حنظلة في الستّينات طفلاً فلسطينيّاً لاجئاً، ظهره موجّه إلى الجمهور، وقد أصبح رمزاً مميّزاً للهويّة الفلسطينيّة والمقاومة والصمود، وواصل العلي رسمه حتّى اغتياله في عام 1987.

 

 

جماعيّة الفعل

 

يهدف النشاط التضامنيّ الجماعيّ الإيطاليّ، بقيادة الفنّانة فرانشيسكا غيرماندي، إلى إيصال نداء عالميّ؛ من أجل المطالبة بوقف العمليّات العسكريّة الصهيونية في قطاع غزّة فوراً، من خلال تصوير شخصيّات كرتونيّة مشهورة تعطي المتلقّي ظهرها، بالضبط كما الفنان حنظلة. نُشِرَت عريضة هذه المبادرة الجماعيّة في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، وهي بمنزلة تذكير مؤثّر بالدور الّذي يؤدّيه فنّ الكاريكاتير الدوليّ في الدعوة إلى التغيير السياسيّ.

 

إنّ قرار عرض شخصيّات كرتونيّة من خلفيّات ثقافيّة مختلفة تقف جنباً إلى جنب مع حنظلة، يؤكّد الطبيعة العالميّة للنداء من أجل وقف فوريّ لإطلاق النار.

 

في الملصق الّذي نُشِرَتْ نسختان منه، هناك ما يقرب المئة شخصيّة صمّمها 104 فنّانين إيطاليّين متنوّعين، وبأساليب فنّيّة عديدة، مع ظهور حنظلة نفسه في وسط الملصق، رامزاً إلى التضامن معه واحتوائه واحتضان جميع الشخصيّات الأخرى له. تتّخذ كلّ شخصيّة وضعيّة تذكّرنا بحنظلة، حيث يشبك البعض أيديهم خلف ظهورهم مثله كذلك. بعض الشخصيّات تظهر جريحة، أو برفقة رفاقها، أو مرتدية الملابس المألوفة لشخصيّاتها في الكوميكس الّذي تأتي منه.

 

يسلّط هذا الاختيار المتعمّد الضوء على الحياة الغنيّة والدقيقة، الّتي تعيشها كلّ شخصيّة في القصص المصوّرة والرسوم المتحرّكة والكاريكاتيرات الخاصّة بها. وعلى الرغم من رواياتهم وسرديّاتهم الفرديّة المختلفة، إلّا أنّ كلّ الشخصيّات تصطفّ بشكل جماعيّ مع الموقف الرمزيّ لحنظلة لفتةَ دعم وتضامن مع القضيّة الفلسطينيّة.

 

 

ظهر حنظلة

 

إنّ اختيار تصوير حنظلة وهو يدير ظهره يحمل في طيّاته رمزيّة كبيرة، ويعكس تعليق الفنّ السياسيّ والاجتماعيّ على الحال الفلسطينيّة. غالباً ما تُفَسَّر وقفة حنظلة على أنّها رمز إلى التحدّي والمقاومة، وكون القضيّة الفلسطينيّة ما زالت قضيّة.

 

من خلال تصوير حنظلة وهو ينظر بعيداً، ينقل العلي رفض الوضع الراهن، ورفض القمع، والتصميم على مقاومة الظلم. في ما تضيف شعرات حنظلة الواقفة وقدماه العاريتان عمقاً إلى الرمزيّة؛ ممّا يمثّل الوعي لهول الحال والارتباط والتشبّث بالأرض. بالإضافة إلى ذلك، يمكن النظر إلى وقفة حنظلة بصفتها تعليقاً على لامبالاة العالم بمحنة اللاجئين الفلسطينيّين، وقد تشير نظرة الشخصيّة بعيداً عن الجمهور إلى نقد المجتمع العالميّ في ما يتعلّق بالنضالات الّتي تواجه الشعب الفلسطينيّ.

 

أعمال ناجي العلي متجذّرة بعمق في السياقين السياسيّ والاجتماعيّ للتجربة الفلسطينيّة، وتُعْتَبَر رسومه الكاريكاتيريّة، بما فيها تلك الّتي يظهر فيها حنظلة، شكلاً من أشكال النشاط السياسيّ، ووسيلة للتعبير عن واقع الشعب الفلسطينيّ وتطلّعاته. يكمن التأثير الدائم لصور حنظلة في قدرتها على إيصال رسالة قويّة، حول المقاومة والهويّة والنضال المستمرّ من أجل العدالة.

 

 

حنظلة المتعدّد

 

مثل أيّ شخصيّة أيقونيّة، خضع حنظلة للعديد من التعديلات وإعادات الصياغة لملاءمته مع الحال الآنيّة، مع الحفاظ على ميّزاته المركزيّة، ولكنّ تطوّر تمثيله إلى شخصيّة متعدّدة الأوجه يعكس تعقيد الواقع نفسه. وسط التمثيلات العديدة، المألوفة والنقديّة، تبرز أمثلة مثل الرسوم الكاريكاتيريّة الّتي رسمها الفنّان البرازيليّ كارلوس لطّوف، والّتي تُظهر حنظلة يمسك بيد فيتوريو أريجوني، الصحافيّ والناشط الإيطاليّ الّذي قُتِل في غزّة. بالإضافة إلى الرسوم الكاريكاتيريّة لأسامة حجاج الّتي يُظهر فيها رسماً مؤثّراً وناقداً لابن حنظلة، حيث يقف في وضعيّة مشابهة لوالده، وهو مزيّن الآن بإكسسوارات معاصرة، وهاتف وحذاء وملابس حديثة، لكن دون التنازل عن مفتاح العودة.

 

أثارت بعض إعادات صياغة شخصيّة حنظلة مناقشات جاء بعضها استفزازيّاً. على سبيل المثال، أثار رسم كاريكاتيريّ للفنّان ميديا أدامي، وهو يصوّر حنظلة وهو يحتضن رجب طيّب أردوغان، رئيس تركيا، سجالاً حادّاً على مواقع التواصل الاجتماعيّة في عام 2017. ومثال آخر لا يقلّ إشكاليّة، ظهور جداريّة على عدد من الجدران في مدن وبلدات إسرائيليّة، مثل تل أبيب وجفعات حبيبة، حيث صُوِّر حنظلة وهو يعانق “سروليك”، الشخصيّة الرمزيّة لصبيّ إسرائيليّ، ابن كيبوتس؛ أي صهيونيّ بامتياز. من الضروريّ وضع التمثيل الأخير في سياقه، والاعتراف بالمفارقة الصارخة، المتمثّلة في أنّ سروليك يمثّل على وجه التحديد الفئة الديموغرافيّة الّتي بسبب أفعالها السياسيّة والعسكريّة كان لجوء الفلسطينيّ، متمثّلاً بحنظلة؛ إذ إنّها الشخصيّات الّتي أدارت النكبة.

 

رغم هذا، تُعْتَبَر اليوم جداريّة “حنظلة وسروليك” يساريّة بالمفاهيم الإسرائيليّة الليبراليّة، وترمز إلى التعايش بين الفلسطينيّ والإسرائيليّ بمفهومه الصهيونيّ؛ لمجرّد اختيار سروليك ليمثّل الآخر.

 

تتحدّى إعادات الصياغة الرمزيّة هذه لأيقونة حنظلة المفاهيم الأصليّة لها، ولكنّها بلا شكّ أدّت إلى استكشاف صدى الشخصيّة، وأهمّيّتها في سياقات جيوسياسيّة وثقافيّة متنوّعة.

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ وكالات