يسرا جمال
أحيانًا عندما يمتلك الأبوين أكثر من ابنٍ واحد، فهم قد يُفضِّلون طفلًا عن الآخر، وسواءٌ كانوا يفعلون ذلك عن قصدٍ أم لا، فإنّ التمييز بين أبنائهم له عواقب خطيرة على نفسية الأطفال في المستقبل. إنّ التمييز بين الأبناء وتأثيره على نفسية الطفل يبقى من العوامل المؤثرة على تكوين شخصيته، والتي قد يظهر أثرها على هيئة مشكلات نفسية وعاطفية واجتماعية دائمة.
ويظهر التمييز بين الأطفال عندما يولي أحد الأبوين أو كلاهما اهتمامًا لطفلٍ واحد أكثر من إخوته، أو عندما لا يولون طفلًا واحدًا نفس الاهتمام مثل إخوته. وبالرغم من أنّ التمييز الذي يقوم به بعض الآباء لا يعني بالضرورة أنّهم يُحبُّون طفلًا أكثر من الآخر، إلّا أنّ ذلك التمييز سيظل مؤثرًا على الأطفال طوال حياتهم. كما سيؤثر على علاقتهم الأخوية ببعضهم البعض، وعلاقتهم بآبائهم. ولذلك فإنّ التفرقة بين الأبناء ستُسبِّبُ صِراعًا عميقًا داخل الأسرة، يبقى أثره لسنواتٍ طويلة، وقد لا يُشفى أبدًا.
أشكال التمييز بين الأبناء
عدم المساواة في الاهتمام والمدح: بأن يتلقّى أحد الأبناء المزيد من الاهتمام والثناء من الوالدين، بينما يتم انتقاد الابن الآخر أو إهماله.
التساهُل في الانضباط: يظهر ذلك بأن يكون أحد الوالدين مُتساهلًا أكثر مع سوء سلوك أحد الأبناء، بينما يكون أكثر قسوة مع الآخر.
التوزيع غير العادل للموارد: بأن يحصل الابن المُفضّل على الامتيازات المادية مثل المال أو الهدايا، بينما يحصل الآخر على أشياء أقل منه.
التوفُّر العاطفي: بأن يكون أحد الوالدين أو كلاهما متوفرًا لطفلٍ واحد أغلب الوقت ويُشاركه مخاوفه، بينما يكون بعيدًا عاطفيًا عن الآخر.
التثليث: بأن يُعرَف الطفل المُفضل في الأسرة، ويُستخدم كوسيط للوالدين في الصراعات أو اتخاذ القرارات.
التوقعات المتباينة: بأنّ يكون للوالدين توقعات أقل لقدرة طفل على الإنجاز أو تحمُّل المسؤولية ويتوقّعون له الفشل، بينما يتوقّعون النجاح للآخر.
المقارنات: يظهر ذلك في المقارنة الدائمة بين الأبناء، وأن يتم التقليل من إنجازات أو قدرات ابن عن الآخر.
المشاركة: تظهر في حال استمرّ أحد الوالدين بمشاركة الوقت والأنشطة والنزهات مع طفل واحد، بينما يُستبعد ويُهمل الآخر.
التعامُل مع صراع الأبناء: عندما يتجاهل أحد الوالدين خطأ الابن المُفضّل في تحريض الصراع بين إخوته، ولا يتم مُعاقبته أو محاسبته.
أسباب التمييز بين الأبناء
يُمكن أن يرجع التمييز بين الأبناء إلى الأسباب التالية:
ترتيب الولادة: من الأسباب الأكثر شيوعًا لتفضيل أحد الأبناء من قِبل والديه، هو أن يكون الطفل الأول أو الأخير. فغالبًا يُشكِّل الوالدين رابطة قوية مع الطفل الأكبر باعتباره الطفل الأول لهما، وأحيانًا يكون الطفل الأصفر محلّ اهتمام الوالدين أيضًا. بينما يميل الأطفال ذوي الترتيب الأوسط في الأسرة إلى عدم الحصول على الاهتمام الكافي.
شخصية الطفل: أحيانًا يُمكن أن تُساهم شخصية الطفل بصورة كبيرة في تفضيل الوالدين له أو إهماله. فقد يُفضِّل الوالدين الطفل الذي يمتلك شخصية ودودة أو اجتماعية. بينما يُمكن لبعض الآباء إهمال الطفل الذي يميل للعُزلة أو يواجه صعوبة في التعامل مع الآخرين، إو إذا كان قليل الذكاء أو الجمال، أو ضعيف الأداء الدراسي.
الجنس غير المرغوب: أي أن يكون الطفل أنثى بينما يُفضِّل أحد الوالدين أو كلاهما الذكور أو العكس. ورغم أنّ ذلك ليس ذنب الطفل، إلّا أنّه قد يُسبِّب له مشاكل نفسية ومشاكل تتعلق بالهوية لاحقًا. [3]
خطورة التمييز بين الأبناء في المعاملة
يتسبّب التمييز بين الأبناء إلى صراع في الأسرة، وغالبًا ما يُسبِّب مشاكل نفسية كثيرة للأطفال بالصور التالية:
الصراع بين الإخوة: يؤدي التمييز بين الأبناء إلى الغيرة بين الإخوة، ويُسبِّب مشاعرًا بالاستياء والضيق التي يكون الصراع الدائم نتيجةً لها. كما يؤدي لظهور تنافس وعلاقات متوترة دائمة، يُمكنها أن تستمر حتى مرحلة البلوغ.
الصراع بين الأبناء والآباء: عندما يُميِّز أحد الآباء ابنًا عن آخر، فيؤدي ذلك إلى توتُّر العلاقة بين الطفل المُهمَل ووالديه. يُمكن أن يتطوّر شعور الطفل بالاستياء أو الضيق إلى أن ينأى بنفسه وينعزل عن والديه.
ضعف الثقة بالنفس: عادةً ما يُصاب الأبناء الذين يتم تجاهُلهم من قِبل آبائهم بانخفاض احترام الذات، خاصةً لو كان أحد الوالدين يُفضِّل أحد إخوته. يُمكن أن تتطوّر مشاعر الطفل إلى عدم الكفاءة وأنّه ليس كافيًا، وقد يشعر بالفشل الذي يُقلِّل من ثقته بنفسه إلى حدٍ كبير.
مشاكل نفسية: يتسبّب التمييز بين الأبناء إلى مشاكل عاطفية عميقة للأبناء الذين يتم تفضيل إخوتهم عليهم. يُمكن أن تتطوّر مشاعر الخيانة ناحية الأخ المُفضّل لوالديه، ما يُعمِّق الشعور بالظُلم، وزيادة القلق والاكتئاب. كما يُمكن أن تتطوّر لديهم مشاعر عدم فهم أو تعريف لهويتهم.
ضعف المهارات الاجتماعية: يتسبّب التمييز بين الإخوة في عدم قدرة الابن الذي يتم إهماله على إقامة علاقات اجتماعية صحيّة، أو دخوله بعلاقات سامّة. ينتُج ذلك عن ضعف مهاراته الاجتماعية، نتيجة الصعوبة التي يواجهها في التواصل مع الآخرين.
ضعف القدرة الأكاديمية: يتأثر الابن نفسيًا بعدم المساواة التي يتعرّض لها في الأسرة، ما يؤثر بدوره على تحصيله وأدائه الأكاديمي. فالطفل الذي يتم إهمال إنجازاته باستمرار تتطوّر لديه مشاعر بالإحباط تجاه الدراسة أو التفوق.
تصوُّر الظلم: أحيانًا قد تتطوّر مشاعر الظُلم التي يشعر بها الطفل غير المُفضّل إلى تصوُّر العالم كمكان ظالم وغير عادل. وبعقليةٍ كهذه، يتأثر تعامُل الطفل وتفاعله مع الآخرين وعلاقاته وحتى بعد البلوغ.
ويجدر الملاحظة بأنّ ظهور صراع بين أفراد الأسرة هو جزءٌ من الحياة الأسرية، رغم ذلك فإنّ الصراعات المستمرة مُرهِقة، ويُمكنها أن تتسبّب بمشاكل عميقة إذا تفاقمت. لذلك فإنّ التواصل الإيجابي بين أفراد الأسرة والحوار الهادئ يُمكن أن يُساهم في تقليل حدّة الصراعات، ومحاولة الوصول لحلول تُرضي جميع الأطراف.