بالتزامن مع استمراره بقتل الشعب الفلسطينيّ:

“إسرائيل” وحربها الضروس على منظمات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ

2023-01-08

مؤخراً، صنّف الاحتلال الإسرائيليّ الغاصب للأراضي الفلسطينيّة 6 منظمات مدنية فلسطينية كمنظمات “إرهابية”، بالتزامن مع استمراره بقتل الشعب الفلسطينيّ واستعمار أرضه منذ مطلع القرن المنصرم، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه المتصاعدة بحق أصحاب الأرض والتي لم ينج منها الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء، وإن تصنيف تل أبيب 6 منظمات فلسطينية بأنّها “إرهابيّة”، يعني أنه حرّم عملها والعاملين فيها، باعتبارها تؤدّي دوراً محوريّاً في المجتمع الفلسطينيّ وتوثق بشكل كبير جرائم العصابات الصهيونيّة، رغم أنّها تقدم خدمات رعاية وتطوير مهمة للنساء والأطفال ولفئات واسعة من المجتمع القابع تحت الاحتلال، وتأمن حماية قانونيّة واجتماعيةٍ لهم، ناهيك عن أنّها تمثل حقوق الانسان الفلسطينيّ في المنابر الدوليّة، وهذا ما لايريده العدو.

حربٌ إسرائيليّة على الفلسطينيين

وفي الوقت الذي أدانت فيه حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس”، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والسلطة الفلسطينية، ومؤسسات حقوقية أخرى القرار الإسرائيليّ، تأتي الحرب الصهيونيّة على منظمات ومؤسسات القطاع المدنيّ الفلسطينيّ في ظل الجرائم غير المسبوقة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق أبناء فلسطين، حيث ترغب تل أبيب في حرمان الفلسطينيين من أيّ حمايةٍ مجتمعيةٍ أو دوليةٍ عبر المؤسسات الدوليّة التي تدعم هذه المراكز، لزيادة التضييق على الشعب الفلسطينيّ، وخاصة أنّ دعم المجتمع المدنيّ لا يوفر إسناداً ضروريّاً للفئات الأكثر عرضةً لتداعيات سياسات الاحتلال فحسب، بل هي توفر كذلك فرص عمل وتطوير كفاءات وخبرات ضروريّة لتنمية المجتمع الفلسطينيّ، وهذا ما يزعج محتل الأرض العربية.

“إنّ استهداف “إسرائيل” للمنظمات الأهلية الفلسطينية هو أحد أشكال الحرب المسعورة، واعتداء استراتيجي على المجتمع المدني الفلسطيني”، هذا ما تمثله وجهة النظر الفلسطينيّة تجاه تلك القضية الحساسة، حيث باتت تل أبيب تشعر بتهديد جديّ لكيانها اللقيط، نتيجة تصاعد المقاومة السلميّة المناهضة لكل أشكال العنصريّة بما في ذلك الصهيونيّة ومعاداة المجموعات الدينيّة والعرقيّة في العالم، والدعم الكبير من قبل اتحادات ونقابات وأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنيّ الدوليّ إضافة إلى حركات شعبيّة تمثل الملايين من الأعضاء حول العالم، والتي تؤيدها شخصيات مؤثرة في الرأيّ العام العالميّ.

ويبدو أنّ “إسرائيل” قامت بالانقضاض على مؤسسات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ لأنّ الصهاينة لم يعد بإمكانهم تحمل أيّ اعتراف أو عمل يفضح ممارساتهم محلياً ودولياً، فحربهم الشعواء تهدف بالدرجة الأولى إلى عرقلة أو منع ترميم الإنسان الفلسطيني، وقطع الطريق أمام الأمل بالحفاظ على حقوقه الوطنيّة والإنسانيّة، عبر البدء بتجريم الأسرى ونزع شرعيّة حق الفلسطينيين في مقاومة محتلي الأرض وسالبي الحقوق، كما أنّ الخطوة الصهيونيّة تُعد جزءاً من مخطط أوسع كما تقول الوقائع، وليس مستبعداً أن تشمل منظمات مجتمع مدني أخرى، فمن غير المقبول بالنسبة لسالبي الأرض وقاتلي الأطفال أن تستمر شبكة الحماية لأيّ قطاع اقتصاديّ أو اجتماعيّ فلسطينيّ مهما يكن.

وبالفعل وكما يعلم الفلسطينيون ويؤكّدون دوماً، إنّ قرار وزير الحرب الإسرائيليّ بتصنيف مؤسسات وطنية حقوقية واجتماعية وتنموية كـ “منظمات إرهابية”، يُعد أحد أشكال الحرب المسعورة على الوجود الفلسطينيّ ككل، وسلوكاً إرهابيّاً يضرب عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية، إضافة إلى أنّه محاولة لإنهاك الحالة الفلسطينية عبر استهداف مؤسساتها الوطنية، وإضعاف قدرة الشعب الفلسطينيّ على الصمود في وجه الآلة العسكريّة للاحتلال عبر حرمانه من خدمات هذه المؤسسات.

عدوانٌ إسرائيليّ مكشوف

يعلم الجميع، أنّ القرار الإسرائيلي هو استمرار للعدوان على مؤسسات هذا الشعب الذي يباد يوميّاً وبكل الطرق، وحرب مفتوحة ضد منظمات العمل الأهلي التي تقوم بدورها وواجبها تجاه الشعب الفلسطيني بقطاعاته المختلفة، فيما يشير الفلسطينيون إلى أنّ القرار الإسرائيليّ الأخير هو محاولة لإرباك المنظمات الحقوقية وحرف الأنظار عن الجهود التي تقوم بها في ملاحقة قادة العدو القتلة في المحاكم الأوروبيّة ومتابعة جرائم الصهاينة مع محكمة الجنايات الدوليّة، ما يفرض على المجتمع الدولي غضّ الطرف عن الرواية الصهيونية المخادعة، وفضح الإرهاب الإسرائيليّ الأعمى.

وعلى هذا الأساس، اختارت تل أبيب محاربة المؤسسات التي تعنى بشؤون الاسرى –المبادين داخل الزنازين- وتوثيق جرائم الاحتلال وانتهاكاته الجسيمة للنيل من دورها التاريخي الوطني والاجتماعي في فضح وتعرية الاحتلال أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي وملاحقته أمام القضاء الدولي والمحكمة الجنائية الدولية، والمؤسف في الأمر أنّ أكثر ما شجع حكومة العدو على إقدامها على هذه الخطوة هي ردود الفعل الدولية المخيبة للآمال، والباهتة فيما يتعلق بالاستهداف السابق لمنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، والمجتمع المدني الفلسطيني، حيث يتحمل الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، مسؤولية كبيرة في هذا الإطار للدفاع عن منظمات المجتمع المدني الفلسطينية.

وبالتالي، يتركّز الهدف الإسرائيليّ باختصار على “إبادة وتدمير مؤسسات المجتمع المدني”، بما يتكامل مع منهج الاحتلال وإرهابه، في ظل الانتهاكات الخطيرة والجرائم الشنيعة بحق الشعب الفلسطيني، وسياسات الاستيطان الاستعماريّ، والتطهير العرقي بحق المدنيين العزل، والحصار، وتصاعد الاعتداءات على المقدسات التي يقوم بها العدو على كامل التراب الفلسطينيّ، والدليل ما أشارت إليه منظّمتا “هيومن رايتس ووتش” والعفو الدولية، حول أن إخفاق المجتمع الدولي في تحدّي الانتهاكات الإسرائيليّة شجّع السلطات على “التصرّف بهذه الطريقة الوقحة”، حيث يشمل الاستهداف الإسرائيليّ كلاً من المؤسّسات التالية: “الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان”، “الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين”، “الحق”، “اتحاد لجان العمل الزراعي”، “اتحاد لجان المرأة العربية”، و”مركز بيسان للبحوث والإنماء”.

أخطار استراتيجيّة على العدو

يعتبر العدو الإسرائيليّ الباغي منظمات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّة “خصمه اللدود” باعتبارها تتمتع بعلاقاتٍ دوليةٍ واسعةٍ ومؤثرة، لدرجة أنّ الصهاينة يعتبرونها من أكبر الأخطار الاستراتيجيّة المحدقة بهم، وخاصة أن تأثيرها يتصاعد بشكل ملموس بفضل الحملات العالميّة الممنهجة والاستراتيجيّة بشكل مباشر وغير مباشر، والتي نجحت بداية في عزل الكيان الصهيونيّ أكاديميّاً وثقافيّاً وسياسيّاً، واقتصادياً إلى حد ما، لدرجة أن حكومة العدو باتت تخوض عملية استباقية للقضاء على المنظمات الحقوقيّة والأهليّة الفلسطينية، تمهيداً لمحاولة ضم نهائيّ للأراضي الفلسطينية.

بالمقابل، إنّ فشل مهمة المنظمات المتعاونة مع “إسرائيل” والمتخصصة في إضفاء الشرعية الواهية عليها، رغم المبالغ الخياليّة التي تدفعها لقاء تلك المهمة المُستحيلة، أعلنت تل أبيب حربها على منظمات المجتمع المدنيّ لكي تنهي بند دعم أسر الأسرى والشهداء من موازنتها، ومحاولة تجريم المؤسسات الدوليّة لما تتمتع به من مصداقية واعتبار كوادرها مجرّد “مجرمين وقتلة”، إذ يجري استخدام بياناتهما وشهادات أعضائهما في الأمم المتحدة، والأهم في محكمة الجنايات الدولية، أو أي محكمة مستقبليّة تسعى إلى محاسبة العدو الصهيونيّ أو مسؤوليه عن جرائمهم العنصريّة الاستيطانية ضد الشعب الفلسطينيّ.

وبناء على ذلك، لم يعد الإسرائيليون قادرين أبداً على تحمل أيّ اعتراف أو عمل يفضح ممارساتهم محلياً ودولياً، والدليل إعلان إرهابهم المباشر على المجتمع المدنيّ الفلسطيني، لأنّ تل أبيب تعي تماماً دور هذه المؤسسات في دعم صمود الشعب الفلسطينيّ على أرضه، وتشكيل شبكة ضروريّة وخاصة في ظروف حصار أو حرب أو انتفاضة فلسطينيّة، ودورها في تثبيت لُحمة المجتمع الفلسطينيّ فيما يواجهه الشعب الفلسطينيّ من تفكيك وتفتيت ممنهج من قبل العصابات الصهيونيّة.

خلاصة القول، يجب على الفلسطينيين إيصال رسالتهم المحقة لكل العالم وعبر كل الطرق الناجعة، ومن الضروريّ للغاية عدم الاستخفاف بالقرار الصهيونيّ الخطير وتأثيراته المستقبلية، بل يجب اتخاذ خطوات لردع “إسرائيل” عن جرائمها المختلفة، وخاصة أنّ الاعتداء على تلك المنظمات يمثل اعتداء على كل حركات ومنظمات حقوق الإنسان العربيّة والدوليّة، كما أنّ جميع مؤسسات المجتمع المدنيّ في العالم مطالبة بموقف واضح في مسالة أخلاقيّة لا لبس فيها.