نشر فرع المخابرات في الجيش وجهاز الأمن الداخلي في لبنان، اللذان دمروا عددًا كبيرًا من شبكات التجسس التابعة للکيان الصهيوني في مناطق مختلفة من لبنان منذ العام الماضي، معلومات عن جاسوس آخر للموساد في هذا البلد، وهو ما يوضح الأساليب القذرة التي يستخدمها الصهاينة لاجتذاب الشباب اللبناني للتجسس على بلدهم.
عملاء الموساد، في أسلوبهم الجديد للتجسس في لبنان وخاصةً ضد حزب الله، بذلوا جهودًا كبيرةً لجذب عناصر كانوا من قبل في حزب الله أو لديهم نوع من الارتباط بهذا الحزب.
“عباس ع.” أحد المعتقلين من جواسيس الموساد في لبنان، وأثناء الاستجواب تبين أنه کان ينتمي إلى حزب الله قبل سنوات، ثم تم تجنيده من قبل الموساد مقابل 3000 دولار.
لكن مصادر في الجيش وجهاز الأمن الداخلي اللبناني، أفرجت عن معلومات عن جاسوس آخر للموساد كان عضوا في حزب الله سابقاً، لكنه طرد من صفوف الحركة بسبب سلوكه غير اللائق.
هذا الجاسوس المسمى “محسن س.” بعد طرده من حزب الله، ذهب إلى إفريقيا، حيث التقى عملاء الموساد، ولمدة عام ونصف العام نفّذ المهام الموكلة إليه لمراقبة مواقع المقاومة اللبنانية. بالطبع، حاول الصهاينة أن يعيدوا “محسن س.” إلی صفوف حزب الله لكنهم لم ينجحوا.
وحسب اعترافات محسن والمعلومات التي تم نشرها، فإن معرفته بالموساد کانت على النحو التالي: بينما كان جالسًا في مقهى أثناء رحلته إلى سيراليون(بلد في غرب إفريقيا)، انجذب انتباهه إلى فتاة جميلة واقترب منها. تقدم الفتاة نفسها على أنها بلجيكية، وتقول إن اسمها “شارلوت” وأنها تعمل في منظمة دولية.
في اليوم التالي في يونيو 2021، اتصل محسن، الذي كان يعمل في شركة أمنية، بشارلوت وطلب منها مقابلتها. شارلوت تدعو “محسن س.” إلى منزلها وهو يبقی هناك لمدة يومين.
وهکذا تتعمق علاقتهما، وفي الأيام التالية يتواصلان مع بعضهما البعض من خلال مكالمات الفيديو كل يوم. وعندما تسأل هذه الفتاة البلجيكية محسن س. عن عمله في لبنان، يجيب بأنه فار من الجيش.
بعد أربعة أيام، تنقطع أخبار شارلوت ولم تردّ على أي من رسائل محسن س. وفي الأسبوع التالي، يتم إرسال مقطع فيديو إلى محسن س عبر الواتساب. هذا الكليب کان مرتبطاً بصور علاقة محسن س غير المشروعة بالفتاة البلجيكية ومشاهد مقززة من الشرب وغير ذلك. محسن الذي أصيب بصدمة وخوف شديد، يحاول الاتصال بالرقم الذي أرسل الفيلم لكنه لم ينجح.
بعد بضع دقائق، يتصل به نفس الرقم والشخص الذي کان خلف الخط، كان يتحدث باللغة العربية ويطلب من محسن السكوت. وعندما يسأل محسن المتصل عن هويته، يقول له: “اهدأ، لا يوجد خطر، أنا موظف في جهاز الموساد الإسرائيلي”.
أثناء الاستجواب، قال محسن إنه بمجرد أن سمع كلمة الموساد، أغلق الهاتف وحذف الرقم. لكن عميل الموساد اتصل برقم آخر، وبإرساله رمزا تعبيريا ضاحكا قال له من الأفضل أن يفكر مليًا قبل إرسال هذا المقطع إلى عائلته وأصدقائه ومعارفه.
وبعد ذلك، أرسل له أرقام هواتف بعض أقارب محسن وأصدقائه، وهدده بأنه إذا لم يستمر في التواصل مع الموساد، فسوف يرسل هذا الفيديو إلى أقاربه.
وقال محسن للمحققين إنه کان خائفًا للغاية ولم يردّ على مكالمات عملاء الموساد، لكنه لم يحظر الرقم. ثم اتصل بأصدقائه ومعارفه لتقييم نبرة حديثهم ومعرفة ما إذا كان المقطع المذكور قد أرسل إليهم أم لا، ووجد أن عملاء الموساد لم يرسلوا هذا الفيديو بعد إلى أي شخص.
وبعد أيام قليلة، اتصل نفس الشخص بمحسن عبر واتساب، وقدّم نفسه على أن اسمه “أمير”، وطلب من محسن تحميل تطبيق “سكايب” وإجراء مكالمة فيديو.
في مكالمة الفيديو هذه، رأى محسن رجلاً في الخمسينيات من عمره جالسًا على طاولة وخلفه علم الکيان الصهيوني، وكان بجانبه شخصان آخران أحدهما كان يرتدي زيًا عسكريًا إسرائيليًا.
أخبر محسن عميل الموساد هذا، الذي قدّم نفسه على أنه أمير، أنه مستعد لفعل أي شيء لمنع عرض الفيلم، كما قال محسن إنه كان عضوًا في حزب الله من قبل.
بعد يومين، اتصل الشخص المعروف باسم أمير بمحسن، وهذه المرة كان هناك شخص بجانبه قدم نفسه باسم “دنيل”، وبدأ يطرح على محسن أسئلة حول عمله في حزب الله والدورات التي أكملها.
أبلغ محسن هذين الضابطين في الموساد أنه انضم إلى صفوف حزب الله عام 2010، وأكمل دورات عسكرية هناك وشارك في عدة معارك في سوريا. ثم سأله عملاء الموساد عما إذا كان بإمكانه العودة إلى صفوف حزب الله.
في اليوم التالي، قام ضابط الموساد المعروف باسم أمير بالاتصال بمحسن، وطلب منه ترك وظيفته في الشركة الأمنية الموجودة في سيراليون وأخذ جواز سفره والتوجه إلى ليبيريا لمقابلته (ضابط الموساد) بعد طلب زيادة الراتب، وبعد ذلك ستتم إجراءات نقله إلى غانا أو غينيا. وأبلغ ضابط الموساد أمير بأنه سيتم تكليفه بمهمة تتطلب عودته إلى لبنان، والانضمام إلى صفوف حزب الله.
بهذه الطريقة، حصل محسن على تأشيرة دخول ليبيريا، والتقى بضابط الموساد في الغرفة 213 في الطابق الثاني من فندق “مونروفيا”. عميل الموساد هذا، المعروف باسم أمير، طلب من محسن التظاهر بأنه يبحث عن وظيفة في ليبيريا، وبحجة اتخاذ إجراءات وقائية لمنع الإصابة بفيروس كورونا، عليه أن يرتدي القناع باستمرار، ويكون حاضراً في المقاهي التي يرتادها اللبنانيون.
بعد أيام قليلة، قام شخص قدّم نفسه على أنه “عاهد” بالاتصال بمحسن، وطلب منه العودة إلى غرفته في الفندق وانتظار قدوم بعض الأشخاص. وبعد مرور ساعة، طرق شخص يتحدث الإنجليزية باب غرفته وقال إن اسمه إبراهيم.
بدأ هذا الشخص المعروف بإبراهيم بتفتيش ملابس وممتلكات محسن، ثم اصطحبه إلى شقة في مبنى مكون من أربعة طوابق، حيث كان أربعة أشخاص من بينهم عاهد ينتظرون محسن، وأخبروه أن دور أمير(ضابط الموساد) في هذه المرحلة قد انتهى، وأن على محسن أن يواصل مهمته مع أشخاص آخرين.
على مدار عدة أيام، استجوب أربعة ضباط صهاينة محسن حول نشاطه في حزب الله والأسلحة التي تدرب عليها، وكذلك الأماكن والمعارك التي تواجد فيها، وطلبوا منه إظهار هذه الأماكن على الخريطة. كما سألوا عن الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ودورات الدفاع العسكري والشخصي، وما إلى ذلك، التي تخصّ قوات حزب الله.
کذلك، سأل ضباط الموساد محسن عن هوية القادة والمدربين في حزب الله، فقال إن معظمهم من منطقة البقاع في لبنان، ولا يعرف أسماءهم أو هوياتهم. كما طرحوا أسئلةً حول أعضاء آخرين سابقين أو حاليين في حزب الله سافروا إلى إفريقيا، وقال محسن لأول مرة إنه کان يعمل في وحدة الهندسة في حزب الله، وبالطبع لم يكن مسؤولاً عن أي من مخازن الأسلحة.
كما قال هذا الجاسوس الذي اعتقله الموساد للضباط الصهاينة، إنه تدرب على استخدام المتفجرات ونزع فتيلها.
نجح محسن في اجتياز اختبار “كشف الكذب” بعد تفريغ المعلومات بعناية، ثم أخبره عملاء الموساد أنه يجب عليه العودة إلى الوحدة الهندسية في حزب الله، وتزويد الموساد بمعلومات حول مواقع مخازن أسلحة وذخيرة حزب الله وصورها.
نظّم ضباط الموساد دورةً تدريبيةً لمحسن لإجراء عمليات تجسس واستخدام تقنيات متقدمة، لمراقبة المواقع التي يريدها الکيان الإسرائيلي في لبنان. ثم دفعوا له 17 ألف دولار على 3 أقساط قبل أن يعود محسن إلى لبنان، وطلبوا منه أن ينفق المال بطريقة عقلانية وبطريقة لا تجذب الانتباه، ثم يُرسل إليه المزيد من الأموال.
لكن محسن رغم محاولاته الكثيرة للتسلل إلى شباب حزب الله والعودة إلى صفوف هذه الحركة لم ينجح، وبعد سلوكه المشبوه وإصراره على العودة إلى حزب الله، أصبح محط الأنظار. ثم اعتقلت قوى الأمن الداخلي اللبنانية نهاية ايلول الماضي محسن في منطقة الناقورة، عندما كان يعمل مع والد زوجته لتركيب الألواح الشمسية.
اعترف محسن خلال الاستجوابات بأنه أنهى عددًا كبيرًا من المهام التي كلفه بها الموساد، وطلب من ضباط جهاز التجسس هذا إتلاف جميع رقاقاته الإلكترونية لضمان عدم الكشف عن مكالماته واتصالاته مع الموساد، لكن قبل هذا الإجراء اعتقلت قوات الأمن اللبنانية محسن س.