إن الكيان الصهيوني يسعى إلى تنفيذ خطة تعتمد على تجربة الأمريكيين في العراق أثناء احتلال هذا البلد بعد سقوط نظام صدام، والتي سيتم خلالها إعطاء القوات العشائرية مسؤولية غزة، وذلك لتحكم هذا القطاع في فترة ما بعد الحرب بدلا من حماس.
تستند هذه الخطة في الواقع إلى فكرة (قوات الصحوة) التابعة لديفيد بتريوس، القائد العسكري الأمريكي في العراق عام 2006.
ونشأ مجلس الصحوة بعد فشل الولايات المتحدة في تأمين مدينتي الفلوجة والرمادي في محافظة الأنبار، وقيام الأمريكيين بتسليح بعض القوات العشائرية المحلية لمواجهة تنظيم القاعدة في ظل ارتفاع الخسائر البشرية في تلك المناطق.
والآن يبدو أن الصهاينة يريدون تسليح عشائر جنوب فلسطين ضد حماس عبر تقليد تجربة قوات الصحوة، ووفقا لهذه الخطة، فإن القوات العسكرية الصهيونية ستكون متواجدة في بعض المناطق الشمالية من غزة، وسوف تنتقل إلى مناطق أخرى إذا لزم الأمر (على غرار الضفة الغربية)، ولكن السيطرة الأمنية ستكون من مسؤولية العشائر وسكان غزة الذين تمت الموافقة عليهم من قبل الشاباك.
هذه الخطة، التي تمت الموافقة عليها بعد جدالات عديدة في مجلس الحرب التابع للكيان، تحظى بدعم الجيش ويؤاف غالانت، وزير الحرب في الكيان الصهيوني.
ولكن، ولأسباب مختلفة، يبدو أن هذه الخطة لن تتمكن من إنقاذ الصهاينة من مستنقع غزة.
أولا وقبل كل شيء، داخل الكيان الصهيوني، هناك معارضون عنيدون لهذه الخطة، ولا يزال أعضاء مجلس الوزراء الأمني، مثل إيتمار بن غفير وبيتساليل سموتريش، وزيرا الأمن الداخلي والمالية في حكومة نتنياهو، يطالبون بالاحتلال الكامل والسيطرة على غزة مثل الأراضي المحتلة عام 1948.
ومن ناحية أخرى، يرفض الجيش المشاركة في إدارة هذه المنطقة، في إشارة إلى التكلفة السنوية البالغة 5 مليارات دولار لمثل هذا الإجراء والخسائر المحتملة لوجود الجيش في غزة.
وفي المقام الثاني، تهتم الولايات المتحدة والدول العربية بأن تحكم غزة منظمات حكم ذاتي (بحضور المستشار المدني الأمريكي) وأن يوفر التحالف العربي الأمن بقيادة الجيش المصري، وقد واجهت هذه الخطة معارضة جدية من بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وهو غير مستعد أبدًا للتعاون مع منظمات الحكم الذاتي، حتى على الرغم من ضغوط حكومة بايدن.
وفي المقام الثالث، يبدو أن العشائر في غزة يعارضون بشكل أساسي تنفيذ مثل هذه الخطة وليسوا على استعداد للتعاون مع الكيان الصهيوني، قبل بضعة أشهر، عندما أثيرت الهمسات حول هذه الفكرة لأول مرة؛ وأصدر البدو وزعماء العشائر الذين يعيشون في غزة بيانات أعلنوا فيها عدم استعدادهم للتعاون مع الجيش الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، أعلنت حماس أنها غير مستعدة لقبول مثل هذا السيناريو فيما يتعلق بمستقبل غزة.
وفي هذا السياق قال مسؤول أمني في حماس لقناة “المجد”: إن قيادة المقاومة ستتعامل مع من يضعف الجبهة الداخلية لغزة بقبضة من حديد ولن تسمح بأن تسود القواعد الجديدة.
لذلك، من المتوقع أن تكون خطة تسليم السيطرة الأمنية على غزة إلى عشائر جنوب فلسطين، مثل الخطط الأمريكية الصهيونية الأخرى لغرب آسيا، قد فشلت بالفعل؛ لأنه يتجاهل بالأساس حق تقرير المصير وإرادة شعب غزة، وتحديداً، فإن هذه الخطة هي تقليد أخرق لإنقاذ الكيان الصهيوني من مستنقع غزة؛ علاوة على ذلك، فإن خطة مجالس الصحوة كانت أيضًا خطة للهروب من مستنقع الأمريكيين، والتي، على الرغم من نجاحها الأولي، أصبحت الأساس لتشكيل “داعش” في العراق.