جواهر عَلَويَّةٌ...

حياة الإنسان في هذه الدنيا مشحونة بالتعب والعَناء والكَدّ

فالوجدان: هو حصول الشيء وإدراكه وتحقُّقه بعد مسار طويل من البحث والعمل والجِدِّ والكَدح

2023-01-09

إن حياة الإنسان في هذه الدنيا ليست بالأمر اليسير،بل إنها مشحونة بالتعب والعَناء والكَدّ والسعي، وهي تتطلب منه التحمُّلَ والصبر والثبات والاستمرار إذ لا يمكنه الحصول على شيء منها إلا بذلك.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “الْوِجْدانُ سُلْوانٌ”.

وهذه جوهرة تحمل في طياتها معاني راقية شافية، وتختصر حالة الإنسان النفسية والمَعنوية حين يتحقق له ما سعى إليه بعد مسار من المعاناة والمتاعب، وإدراك ما طلبه وكابد من أجله.

فالوجدان: هو حصول الشيء وإدراكه وتحقُّقه بعد مسار طويل من البحث والعمل والجِدِّ والكَدح، والسُّلوانُ: مصدر من الفعل: سَلا يَسْلو، ومعناه ذهاب الهَمِّ والحُزن، وطيبُ النفس وراحتها بعد غّمٍّ وهَمٍّ وتَعَبٍ وَحزنٍ، ونسيان ما كان من مكابدة وكدحٍ وعَناءٍ وضيقٍ وضنك.

إن حياة الإنسان في هذه الدنيا ليست بالأمر اليسير، إنها مشحونة بالتعب والعَناء والكَدّ والسعي، وهي تتطلب منه التحمُّلَ والصبر والثبات والاستمرار إذ لا يمكنه الحصول على شيء منها إلا بذلك، وهي بعدُ تتوارد فيها على الإنسان أحوال مختلفة من الحزن والسرور، والتعب والراحة، والفشل والنجاح، والتقدم والتوقف، والهِمَّة والكسل، فهي كما وصفها الإمام الحسين (ع) في خطبته التي خطب بها في العاشر من محرم إذ قال: “الحَمدُ للّهِ الَّذي خَلَقَ الدُّنيا فَجَعَلَها دارَ فَناءٍ وزَوالٍ، مُتَصَرِّفَةً بِأَهلِها حالاً بَعدَ حالٍ” وكما وصفها من قبلُ أبوه أمير المؤمنين (ع) إذ قال: “دَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ، وَبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ، لاَ تَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلاَ يَسْلَمُ نُزَّالُهَا، أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ، وَالْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ، وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتهْدَفَةٌ، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا، وَتُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا”.

وتلك هي الدنيا، وتلك هي صفتها، وهكذا تتصرف بأهلها فتتحوَّل بهم من حال إلى حال، تضيق عليهم تارة، وتتسع عليهم تارة أخرى، تتعبهم مرة، وتريحهم مرة أخرى، لكنهم حين يرتاحون ينسون ما كابدوا وما عانوا، وحين يُفلحون ينسون متاعبهم وهمومهم، وحين يغْنَونَ ينسون أيام الفقر والحاجة، وحين يتعافَون ينسون ما عانوه أيام مرضهم، وحين تتحقق أهدافهم ينسون ما بذلوا من تضحيات في سبيلها، وهكذا الحال في كل الأثمان التي يدفعها الإنسان، فإنها تصير مجرد ذكرى حين يدرك ما أَمَّلَه وعمِلَ له وتعِب من أجله.

وألا ترى كم تتحمّل المرأة آلام الحمل والوضع ولكنها حين تسمع صوت وليدها تنسى كل ذلك فيسري السرور في قلبها سريان الروح في الجسد؟! ألا ترى ذلك الطالب الذي يكابد في طلب العلم، وقد يَصِل نهاره بليله في المذاكرة كيف ينسى كل تلك المتاعب حين يقف على المسرح متسلِّماً شهادة تخرُّجه أمام الجمهور من المحبين؟!ألا ترى كيف يرتاح المخترع والمبدع والبنّاءُ والزارع حين يرى اختراعه ماثلا أما ناظريه، وثمرة زرعه في يديه، وينسى كل ما كان من جهد؟! ألا ترى كيف تلتذ الأمم بل تنتشي بالتضحيات الجسام حين يتحقق لها الانتصار على أعدائها؟

إنَّ ما تقدم يدفع الإنسان إلى التالي:

أولاً: أَلّا تمنعنا المصاعب والمشاق والأثمان عن السَّعي نحو الأهداف الضرورية لنا في حياتنا، لإدراكنا أن لا شيء منها يتحقق دون أثمان ومصاعب، ولإدراكنا ثانياً أن تحققها يُنسينا آلامها ومتاعبها.

ثانياً: أن نثبُت على الطريق إلى غاياتنا، ونتمسك بقيمنا ومبادئنا، مهما كانت المغريات والتحديات كثيرة، ونواصل السير حتى يتحقق مرادنا.

ثالثاً: أن نكون على يقين من أن الراحة ستعقب التعب، والنصر سيعقب الصبر، وأن ما نبذله من أثمان وتضحيات أبداً لن يذهب سُدىً بل سيثمر الخير والفلاح ولو بعد حين.

بقلم: السيد بلال وهبي