في معرض «حكايات الحلم الكوني»

حماد جواد زاده.. عوالم البهجة

زخارف وخطوط دقيقة ومنمنمات تحيل توّاً على إرث فنّي فارسيّ عريق، حيث روح الفكاهة ماثلة أيضاً تتناقلها أجيال الفنانين على مرّ التاريخ.

2024-06-15

ريما النخل

 

يحتشد معرضه البيروتي «حكايات الحلم الكوني» بزخرفة فارسية ومنمنمات تراثية وروح فكاهة تنتمي إلى المخيال الحكائيّ الفارسيّ. الفنان الإيراني الشاب يُقحم الطير والحيوان وأدوات الحداثة، ليقدّم تشكيلات فرحة وزاهية تفتن العين بغرابتها وألوانها وسرياليتها.

 

الطرافة

 

الطرافة هي أوّل ما يقفز إلى العين أمام معرض «حكايات الحلم الكوني» للفنان الإيراني “حماد جواد زاده” في غاليري «مايا آرت سبيس» (وسط بيروت). والانطباع الآخر الأساسي أنّنا حيال ما يشبه الرسوم الفنية للكتب أو للأشرطة المصوّرة، إنّما بأحجام كبيرة. علماً أنّ الفنان ليس غريباً على هذا المجال الفني، إذ سبق أن تعاون مع دور نشر مثل «إيكسيك بارسا»، واشتهر بدقة رسومه التوضيحية المتقنة.

نجول في عالم ساحر متخيّل يجمع البهجة والجمال والإتقان، بأدوات وتقنيات متعدّدة، لتشكيل سيمفونية بصرية متناغمة خطّاً ولوناً وسكينةً، تخاطب الروح مباشرة وتولّد فيها راحةً وغبطة.

 

زخارف وخطوط دقيقة ومنمنمات تحيل توّاً على إرث فنّي فارسيّ عريق، حيث روح الفكاهة ماثلة أيضاً تتناقلها أجيال الفنانين على مرّ التاريخ. أمّا الإضافة البيّنة التي يأتي بها حماد، فهي تحويل التراثيّ إلى فنّ شعبي (pop art) يرضي الذائقة العامة لا المتخصصة فقط، فتتأرجح محتويات المعرض بين الفنّي المحض والتزيينيّ الموجّه إلى المقتنين القادرين على شراء لوحات مماثلة بغية تزيين جدران الصالونات الفاخرة بها.

 

هنا يتنازعنا شعوران متناقضان: أوّل مقدِّر للإتقان الفنّي في اللوحة من جهة، وثانٍ غير مرتاح لطبيعة مكان العرض وموقعه في الدائرة الفاخرة بعيداً من جغرافيا الغاليريات الفنية التي تحتضن الحركة التشكيليّة في المنحى الثقافيّ غير التجاريّ.

 

وفي كل الأحوال، لا يمكن تجاهل معرض هذا الفنان الإيراني الزائر لإتقان فيه وفتون وخيال ومتعة، ولو تعارض مبدأ الفن في جوهره مع غاية الإمتاع. الفن يصدم ويحرّك ويطرح الأسئلة. تلك وظيفته الأساسية قبل التزيين، بل بعيداً منه.

 

 

التقدير للعمل الفنّي

أمّا من باب التقدير للعمل الفنّي، فيمكن القول إنّ معرض حماد جواد زاده فائق الدقة والإتقان خطوطاً وألواناً وتكويناً، جاذب وآسر، ضاحك وممتع، غير طامح إلى أكثر من إرضاء عين مفتتنة بالأشكال والأفكار ذات المنحى السورياليّ غير الواقعيّ المملوء غرابةً وهزلاً كاريكاتوريّاً يمزج في معظم اللوحات بين التراث والحداثة (كوضع نظارات «نيو فاشن» على وجه الشخصية الطالعة من تاريخ حكائيّ قديم).

 

كلّ شيء ممكن في العالم المثير والظريف الذي ابتكره الفنان للوحاته الفريدة التي يبدو بعضها في حركة (الثلاثيّ على دراجة هوائية، أو الثنائيّ فوق أرجوحة) أو في جلوس وسكون كتلك الشخصية التراثية الملتحية في وضعيات مختلفة، غريبة دائمة ومضحكة. وتتعدّد أحياناً وتتماثل في لوحة كبيرة مزدحمة بالتفاصيل والعناصر المتنافرة (القديم والحديث جداً في تكوين واحد) إنّما بدقّة خطوط مذهلة فعلاً.

 

مخيّلة الفنان حماد جواد زاده بالغة الثراء، نضرة، فرحة، تفرض على الزائر الناظر سحر حكاياتها ومواقفها. ثمة ما يريح نفوسنا المتعبة في هذه اللوحات التي تبدو كأنها تهبنا فسحة ضوء وراحة من ظلام المرحلة المهيمن.

 

لا بأس بالجماليات المتقنة، وإنْ بلا عمق مضمونيّ، لانطوائها على عناصر يمكن التنويه بها فنياً، كما هي الحال هنا، فثمة زخرفة فارسية ومنمنمات تراثية وروح فكاهة تنتمي إلى المخيال الحكائيّ الفارسيّ، تحتشد في لوحة حماد الذي يقحم الطير والحيوان وأدوات الحداثة في التشكيلات الفرحة والزاهية.

 

 

سيرة في سطور

درس الفنان حماد جواد زاده (مواليد 1985) التصميم الغرافيكيّ في جامعة تبريز (شمال غرب إيران)، وتابع دورات دراسية في الرسم والنحت. وفور انطلاقته، نال استحساناً وحاز جوائز في مسابقات وطنية وشارك في معارض جماعية قبل إقامة معارضه المنفردة التي وصلت إلى الولايات المتحدة حيث أقام معرضاً خاصاً في واشنطن، ثمّ في إسطنبول حيث هو مقيم منذ سنوات وتتوالى معارضه الناجحة وتتنامى شهرته.

المصدر: الوفاق/ وكالات