وصلت مساحة الأرض التي أحرقتها صواريخ المقاومة الإسلامية، شمال فلسطين المحتلة إلى 60 ألف دونم منذ بداية العام، 45 ألف منها في الأسبوعين الماضيين فقط. وبحسب تقديرات الصندوق القومي اليهودي “كيرن كايمت” فإن أضرار الحرائق في الشمال “أكبر بضعفين من أضرار الحرائق في حرب لبنان الثانية”. في حين أن الأزمة الإسرائيلية لا تنحصر بالفاتورة الاقتصادية، بل بالخسائر المتراكمة على غير صعيد، والتي سيدفع ثمنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سياسياً.
توزعت الحرائق على مختلف مناطق الشمال. وبحسب الاعلام العبري، كانت الحصة الأكبر في الجليل الأعلى -30 ألف دونم-، والجولان حوالي 22 ألف دونم. وبينما ينشغل المستوى السياسي في حساباته لأجل إطالة أمد الحرب، يجد المستوطنون النازحون من الشمال والذي بلغ عددهم حوالي 200 ألف مستوطن بحسب آخر الاحصائيات الصادرة منتصف حزيران/ يونيو الجاري، أنفسهم مغيبين عن حسابات حكومتهم، بعد أن باتوا عرضة للصواريخ التي تصيب أهدافها بدقة، وللحرائق التي وصل عددها إلى 96 حريقاً في يوم واحد، وفقاً للإعلام العبري.
ويقول مدير أحد المصانع الذين تكبدوا خسائر فادحة أن “الأمر سيستغرق عقوداً لإعادة تأهيل الزراعة في المنطقة. المصانع التي استثمرت فيها الملايين مدمرة. بعد عقد من النمو الاقتصادي غير المسبوق في الجليل الأعلى، تبدو الضربة التي تلقاها قاتلة”. مضيفاً “أصبح إطلاق النار روتيناُ يومياً. كل شيء محترق، جسديا ًونفسياً”.
وفقاً للدكتورة أيالا كوهين من كلية تل حاي في مؤتمر الجليل بانهاندل، فإن “هذه النيران لها تكاليف اقتصادية ضخمة. لقد هبطت العديد من الأسر فجأة إلى ما دون خط الفقر”. مشيرة إلى ان “82٪ من العاملين لحسابهم الخاص في المنطقة أفادوا عن أضرار متوسطة إلى عالية و 73٪ أفادوا بوضع اقتصادي سيء. 39٪ من الموظفين يبلغون عن الشيء نفسه. في المجموعة الإقليمية في الجليل الشرقي، هناك 8,227 باحثاً عن عمل، نصفهم في إجازة غير مدفوعة الأجر، وهذا مجرد مؤشر واحد صغير”.
من جهته، أشار رئيس المجلس الإقليمي في الجليل الأعلى غيورا سالز، إلى أن 95٪ من الشركات التي استقرت في الجليل الأعلى في السنوات الأخيرة، وكثير منها في مجال تكنولوجيا الغذاء والتكنولوجيا الزراعية والتكنولوجيا الفائقة، قد غادرت إلى وسط البلاد، ومن المشكوك فيه ما إذا كانت ستعود حتى بعد انتهاء الحرب”.
وتنقل صحيفة معاريف العبرية عن أحد المستوطنين قوله أن “كل شيء ينقلب رأساً على عقب في ثوان، لقد غيرت أرض الشمال وجهه”. مضيفاً “الجبل الذي كان أخضر، أصبح مهجوراً، فارغاً، محترقاً”.
يجمع المعنيون في تلك المستوطنات على انه “لا يزال من الصعب تحديد حجم الأضرار بالضبط”. كما يجمع الاقتصاديون بدورهم، على أن التكاليف ستكون تراكمية لعدة سنوات قادمة، ليس فقط لأجل تعافي الأرض من الحرائق، بل لجهة اقناع المستوطنين بالعودة من جهة، واستعادة ثقة المستثمرين بإعادة استثمار أموالهم في تلك المناطق من جهة أخرى، إضافة لما تكبدته المصانع التي لن تجد موادها الأولوية من المحاصيل الزراعية في تلك المنطقة.
ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة للمستوطنين، أن لا أفق قريب لانتهاء الأزمة ووقف الحرب. اذ ان بنيامين نتنياهو الذي يهدد مراراً بتوسيع رقعة الصراع وإعلان الحرب على حزب الله، يناور سياسياً لإنقاذ نفسه من المستنقع في غزة. وعلى الرغم من أن نتنياهو نفسه، يدرك حجم الكارثة التي ستحل بـ “إسرائيل” فيما لو تورطت بجبهتين في آن معاً، لم يعد باستطاعته ضبط إيقاع الميدان وفق حساباته السياسية، وباتت كل الاحتمالات مفتوحة فيما لو فشلت جهود الوساطة بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.