رسائل الميدان وخيارات العدو

لا يختلف أحد على توصيف المرحلة الراهنة في الإقليم بأنها مرحلة إستراتيجية فاصلة يتوقف على نتائج مواجهتها الحالية مستقبل المنطقة.

2024-06-21

وفي الساعات الأخيرة صدرت رسائل متزامنة وموجهة من المقاومة الإسلامية في لبنان، وهي رسائل عاقلة ورشيدة رغم قوتها وناصحة للعدو رغم حمقه وغبائه.
وهذه الرسائل المكثفة تمثلت في رسالة الهدهد التي أبرزت بعضًا من كلّ ما رصدته المقاومة من بنك أهداف للعدو في وضح النهار، وفي غياب تام لرقابته ورصده الجوي ووسائله التكنولوجية التي يتفاخر بها، ورسائل سياسية وإستراتيجية عميقة من الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في خطاب قال محللون صهاينه إنه الأقوى منذ سنوات، وجّهه بخطاب واضح ومحدّد دون رموز أو غموض إستراتيجي.

 

 

رسائل الهدهد:

 

كانت أكبر رسائل ضربة الهدهد التي وجهتها المقاومة إلى رأس الكيان واستخباراته ودفاعاته الجوية، هي الوصول في وضح النهار لهذا العمق وبهذه الأريحية وتحديد المراكز الحيوية وبنك الأهداف دون رقابة وكشف للوسيلة التي صورت بها المقاومة هذه الأهداف، وفي قلب الرصد رسائل أخرى، أهمها أن من قام بالتصوير كان قادرًا على الاستهداف والقصف، وأن المقاومة لا تقوم بعمل عشوائي وإنما تحدد أهدافها بدقة ناهيك عن وسائل تعميتها التي تتيح لها الاختراق والوصول دون علم العدوّ وبعيدًا عن أعين دفاعاته.

 

 

رسائل الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله:

 

جاءت رسائل خطاب السيد واضحة وصريحة ومباشرة لتقيم الحجة على العدوّ ورعاته والمتعاونين معه، وتناولت ما جاء به الهدهد وأوضحت أن ما نشر هو القليل من كثير وأن الأمر لا يقتصر على حيفا بل غيرها وما بعدها وما بعد بعدها.

 

وكانت الرسالة الرئيسية والمركزية هي أن إسناد غزّة حتّى النصر هو قرار لا يمكن مناقشته ولا التراجع عنه، وأن مشاركة المقاومة اللبنانية جزء رئيسي من المعركة ولن تقف إلا بوقف المعركة عبر شروط المقاومة التي تتلخص في وقف إطلاق دائم للنار، وأن أي محاولة للي ذراع المقاومة وتهديدها بحرب شاملة لن يثنيها عن خيارها، بل التهديد بحرب كبرى هو تهديد للعدو وليس للبنان، لأن المقاومة تمتلك بنك أهداف كامل وتمتلك الوسائل الدقيقة التي تحقق بها أهدافها وتمتلك المقاتلين والبيئة الحاضنة التي تكفل لها الصمود والانتصار.

 

وعبر هذه الرسالة مرّت بعض الأهداف الإستراتيجية مثل موانئ العدوّ وحقول الطاقة والبواخر في سواحله على البحر المتوسط، وبقاء خيار اقتحام الجليل على الطاولة واستهداف القواعد البديلة والرديفة للعدو في الخارج موجهاً تهديدًا صريحاً لقبرص.

 

ولا شك أن الروح القتالية في خطاب السيد والتلويح بأن الحرب لو اندلعت فإنها ستكون بلا قيود أو أسقف وأن المجاهدين جاهزون لكل الاحتمالات وللمضي في الشوط لنهايته، كانت مشفوعة بروح التعقل وتوجيه النصح للأعداء بأن تجنب الحرب الكبرى سهل وبسيط وهو وقف إطلاق النار الدائم في غزّة وتحقيق شروط المقاومة الفلسطينية، وأن هذا هو الحل الأسلم لتجنب الخراب بالمنطقة، وإلا فإن المقاومة لا تخشى أي مواجهات مهما كانت انزلاقاتها وأعدت نفسها لاحتمال حماقة العدوّ وكبره الذي قد يدفع بالأمور لهذا الخيار.

 

ومنذ مشاركة المقاومة في لبنان في حرب الإسناد لغزّة وحتّى اليوم، هي تثبت مصداقيتها، أولًا على مستوى الواجب الأخلاقي في مساندة المقاومة الفلسطينية، وثانيًا على مستوى قدراتها، وأنها لم تقدم على خيار انتحاري غير مدروس، بل أقدمت على تثبيت معادلات للردع، وكلّ ما تقوم به من تصعيد هو للردع على مستوياته الخاصة بلبنان، والعامة بوحدة الساحات ومعادلة القوّة بين المحور والعدو وسيده الأميركي.

 

وحتّى هذه اللحظة وبعد رسائل الهدهد والأمين العام فإن المقاومة تعمل وفقًا للردع وعدم تمادي العدوّ في العدوان وعدم السماح له بالنصر وإلحاق هزيمة إستراتيجية به في غزّة ومع المحور عبر تثبيت وجود المقاومة في فلسطين، وعبر تثبيت وحدة الساحات.

 

وليس أمام العدوّ ورعاته والمتعاونين معه إلا الاعتراف بهذه المعادلات وهو ما يعني نصرًا تاريخيًّا للمقاومة، أو التمادي بالكبر وارتكاب حماقة المواجهة الكبرى، وقد أقيمت الحجة كاملة وأوصلت المقاومة على الجبهات كافة رسائلها بدقة، وأعدت نفسها، واليوم فإن المقاومة هي من تخير العدوّ بين الهزيمة الإستراتيجية وبين الزوال والخراب.

 

 

المصدر: ايهاب شوقي/ العهد