الانتخابات الإيرانية إنتصارٌ للديمقراطية الحقيقية

من أهم المبادىء الديمقراطية الحقيقية التي تعتمدها الجمهورية الإسلامية هي إجراء الانتخابات، واحترام الدستور وتطبيقه، وتداول السلطة، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير، وحرية التظاهر السلمي، وحرية الإعلام، وحفظ حقوق الإنسان والمرأة، وحقوق الأقليات الدينية والأثنية والقومية.. وعدم التمييز والمفاضلة بغض النطر عن المعتقد او الجنس او اللون او العرق او الانتماء..

د. أحمد الزين /  باحث في الشأن السياسي

 

خاضت الجمهورية الإسلامية في إيران، يوم أمس الجمعة، إستحقاق الإنتخابات الرئاسية في دورتها الرابعة عشر، لاختيار رئيس للجمهورية التاسع خلفاً للرئيس الشهيد إبراهيم رئيسي الذي كان ضحية حادث قضاء وقدر مؤلم نتيجة تحطم الطائرة المروحية التي كانت تقله مع عدد من المسؤوليين الرسميين.

لذا، تأتي هذه الانتخابات الرئاسية المبكرة بشكل إستثنائي، التي كانت من المفترض ان تُقام في يونيو / حزيران 2025، وهي تعتبر الاستحقاق الانتخابي الثاني هذا العام بعد إتمام الانتخابات البرلمانية لاختيار السلطة التشريعية في آذار / مارس 2024. كما تعتبر هذه الانتخابات الرئاسية المبكرة هي الثالثة في تاريخ إيران: الاولى كانت بعد عزل الرئيس الاول ابو الحسن بني صدر من قبل مجلس الشورى الايراني في الاول من إغسطس / أب 1981، والثانية كانت بعد اغتيال الرئيس الثاني محمد علي رجائي، في 30 أغسطس / أب 1981، مع رئيس وزرائه محمد جواد باهنر خلال اجتماع مجلس الوزراء بواسطة حقيبة مفخخة زرعها الخائن مسعود كشميري الذي كان منتمياً سراً الى زمرة خلق.

لذلك، الشعب الايراني البالغ تعداده 85 مليون نسمة – (من يحق لهم التصويت بلغ ما يقارب 61 مليون ناخب) – سيكون أمام أختبار إنتخابي كبير، لان عيون أعداء إيران (امريكا والغرب) تراقب باهتمام كبير وتقوم بمتابعة دقيقة للإنتخابات الرئاسية، وترصد نتائج استطلاعات الرأي ونسب المشاركة بدقة متناهية لمقارنة تلك النسبة الحالية بالنسب السابقة في الانتخابات الماضية، في محاولة يائسة لإستهداف أسس الديمقراطية في إيران وتجربتها الرائدة.. وللترويج لافكار هدّامة لتؤثر على عقول الشباب الإيراني لدفعهم للعزوف عن المشاركة الواسعة.. ولبثّ اخبار مضللة واكاذيب لتثبت روايتها الهوليودية عبر تسخير وسائلهم الاعلامية الضخمة عن تراجع التأييد الشعبي للنظام الإسلامي، وبالتالي لإثبات عدم شرعيته ولمحاصرته وعزله دولياً..

ولكن كل محاولات الغرب باءت بالفشل، وأثبت الشعب الإيراني المؤيد لنظامه الإسلامي والمؤمن بمبادىء الثورة الاسلامية التي قادها مفجر الثورة الامام الخميني (قده)، إلتفافه حول قياداته الوطنية وعلى رأسهم المرشد الاعلى قائد الثورة الإسلامية آية الله  السيد علي الخامنئي، والتي تظهر بوضوح وبشكل عفوي الحشود المليونية للشعب الايراني في مراسم تشييع رموزه وقادته الرئيس الشهيد رئيسي والقائد الشهيد سليماني.. كما أثبت الشعب الايراني انه مؤمن بديمقراطيته ومتمسك بها، وذلك من خلال المشاركة المليونية والتهافت الجماهيري المميز والذي يظهر في مراكز الاقتراع أثناء الاستحقاقات الانتخابية، والتي بلغت العدد 40، خلال 45 عاما من انتصار الثورة.. حيث تعتمد الجمهورية الإسلامية نظرية الجمع الفريدة بين الدين والديمقراطية الحقيقية، أي بين حاكمية الله وحاكمية الشعب، والتي تسمى “السيادة الشعبية الدينية” القائمة على رأي الشعب وتصويته الحرّ على اختياره النظام الاسلامي الذي يحكمه، والدستور، منذ تأسيسها في الأول من أبريل/ نيسان 1979.. كما يسمح للشعب حرية التصويت في انتخابات لاختيار أعضاء المجالس البلدية، ومجلس خبراء القيادة، ومجلس الشورى (البرلمان وعدده 290 مقعدا)، ورئيس الجمهورية.. لذلك تحظى كل المرافق الحكومية بشرعية شعبية، وخصوصا المؤسسات التنفيدية والتشريعية والقضائية التي تستمد شرعيتها من الشعب الإيراني..

ومن أهم المبادىء الديمقراطية الحقيقية التي تعتمدها الجمهورية الإسلامية هي إجراء الانتخابات، واحترام الدستور وتطبيقه، وتداول السلطة، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير، وحرية التظاهر السلمي، وحرية الإعلام، وحفظ حقوق الإنسان والمرأة، وحقوق الأقليات الدينية والأثنية والقومية.. وعدم التمييز والمفاضلة بغض النطر عن المعتقد او الجنس او اللون او العرق او الانتماء..

ميزات النزاهة والشفافية والتنافسية الحرّة في التجربة الديمقراطية الفريدة في الانتخابات الإيرانية، والفاعلية والديناميكية التي يتمتع بها النظام السياسي الإسلامي، والحيوية والارادة التشاركية القائمة على “السيادة الشعبية الدينية” أثبت نجاح هذا النظام وتفوقه على النظام الليبرالي الغربي الذي تتبعه امريكا والغرب القائم على أكذوبة الديمقراطية الغربية المزيفة.. وعلى أزدواجية المعايير الغربية الذي ينتقد الديمقراطية الحقيقية الايرانية الشفافة ويكن العداء ويفرض العقوبات ويحيك المؤامرات لنظامها الاسلامي الإنساني.. بينما يدعم ويساند الانظمة الفردية والديكتاتورية والملكية والعسكرية القمعية والاستبدادية التي لا تتمتع بأي انتخابات ولا مؤسسات ولا دستور ولا ديمقراطية ولا حريات ولا قيم إنسانية..

وتحظى الانتخابات الرئاسية الايرانية هذا الكم الهائل من الاهتمام والمراقبة داخليا وخارجيا، بسبب ان إيران اصبحت قوة إقليمية عظمى، وهي لاعب اساسي وحاسم في الكثير من الملفات الاقليمية والعالمية، والازمات الجيوسياسية في منطقة غرب آسيا، بدءأ من الحرب الامريكية الصهيونية على غزة، الى الملف النووي الذي جُمدت المفاوضات بشانه، ولا يزال محل خلاف شائق بين إيران والدول الغربية، والى تبني إيران للفكر المقاوم وحركات التحرر ومساندة ونصرة القضية الفلسطينية، والى تزايد المواجهات العسكرية بين محور المقاومة وعلى رأسهم إيران وبين محور الشرّ الامريكي الغربي الصهيوني.

عودا على بدء، يتنافس في الانتخابات الرئاسية الايرانية، اليوم، ست مرشحين، انسحب أثنان (هما علي رضا زاكاني، وأمير زاده هاشمي)، ولا تزال المنافسة قائمة بين المرشحين الاربعة الاخرين: اثنان يمثلان التيار المحافظ وهما محمد باقر قليباف، وسعيد جليلي، وواحد يمثل التيار الاصلاحي وهو مسعود بزشكيان، وواحد مستقل وهو الشيخ مصطفى بور محمدي.
والدستور الايراني يحدد الرئيس الفائز اذا حصل على الغالبية المطلقة (أي 50%+1) من مجموع أصوات المشاركين في التصويت. واذا لم يستطع احد المرشحين من نيل الغالبية المطلقة من الاصوات، تعاد الانتخابات في الجولة الثانية بين أثنين من المرشحين الذين نالا أكثر الاصوات في يوم الجمعة الذي يلي فرز الاصوات واعلان النتائج.

ومن التوقعات ان تقام الجولة الثانية بين مرشحي التيار المحافظ: قاليباف وجليلي، اللذان هما الاوفر حظا، ولكن ربما تتعثر التوقعات وتكون الجولة الثانية بين التيار المحافظ ممثلا بـ قليباف، والتيار الاصلاحي ممثلا بـ بزشكيان، والتي من إيجابياتها ان تضفي طابع تنافسي بين مؤيدي التيارين، وترفع من مستوى المشاركة الشعبية.

بعيداً عن  من يكون الرئيس الفائز والذي حتماً سيكون مومناً بتوجهات النظام وأسس ومبادىء الثورة الاسلامية، فإن إتمام الاستحقاق الانتخابي بنجاح يعتبر انتصارا للجمهورية الإسلامية ولقيم الديمقراطية الحقيقية.. التي ستعزز من قوة ومنعة وأقتدار إيران، وسيوجه صفعة قوية الى إعداء إيران، ويبث الامل والطمانينة والرجاء في نفوس المسلمين والمستضعفين وأحرار العالم بغدٍ افضل ومستقبلٍ واعد.

 

المصدر: الوفاق