انشغلت وسائل الإعلام والمواقع المحسوبة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في اليومين الماضيين، بالتركيز على أن الوفود القضائية الأوروبية (من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ) التي ستصل إلى لبنان تباعاً، بدءاً من اليوم، للتحقيق في قضايا تبييض أموال واختلاس وإثراء غير مشروع وغيرها، لم تورد اسم حاكم المركزي بين الذين طلبت الاستماع إليهم، استناداً إلى تصريحات النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات عدم طلب الاستماع إلى حاكم المركزي.
مصادر مطلعة استغربت الترويج الإعلامي لـ«استثناء» سلامة من التحقيقات، وأكّدت أنه سيكون بين الذين ستستمع إليهم الوفود القضائية، وأنه كان دائماً على رأس الأسماء التي وردت في مراسلات القضاء الأوروبي إلى القضاء اللبناني لطلب المساعدة القضائية طوال العام الماضي، وآخرها مراسلة من القضاء الألماني في كانون الأول الماضي، تضمنت اسم الحاكم وآخرين إضافة إلى أسماء أعضاء فريق التحقيق.
وفي هذا السياق، حصلت «الأخبار» على نسخة مترجمة طبق الأصل (مصدّقة من مترجمة محلّفة ومفوضة من المحكمة الإقليمية في مدينة هانوفر الألمانية) لإحدى مراسلات طلب المساعدة القضائية، مؤرخة بتاريخ 18 آب الماضي، وصلت إلى «دائرة العدل المختصة في الجمهورية اللبنانية»، موجّهة من هايدنرايش، «رئيس النيابة العامة في ميونيخ 1، ولاية بافاريا» الألمانية.
وتطلب المراسلة «المشاركة في التحقيقات الجنائية» والاطلاع على ملفات «في قضية تحقيق ضد رياض سلامة، رجا سلامة، ماريانا هويك (حويك)، مروان عيسى الخوري، نادي سلامة و(البلجيكي) غابرييل رينيه ايميل جان بسبب غسيل الأموال».
الأبرز في هذه المراسلة أنها تصف أصحاب الأسماء المذكورة أعلاه بـ«المتهمين» وليس «المشتبه فيهم». إذ يشير رئيس النيابة العامة في ميونيخ إلى «أنني أعلم حضرتكم أنه يتم، من الآن فصاعداً، إجراء التحقيقات بسبب غسيل الأموال بحسب المادة 261 من قانون العقوبات الجنائية الألماني في القضية المعلقة لدى النيابة العامة في ميونيخ 1 ضد المتهمين» الستة السالف ذكرهم.
ويلفت رئيس النيابة إلى مراسلة سابقة مؤرخة في 14 كانون الثاني 2022، طالباً «استكمال طلبي (…) والسماح لموظفي التحقيقات الألمان بالمشاركة في إجراءات القضية الجنائية الضرورية لذلك في الجمهورية اللبنانية، في سياق جمع الأدلة»، وإعطاءهم «حق السؤال في الاستجوابات». كذلك التمس «الاطلاع على الملف والسماح لموظفي التحقيقات الألمان بالاطلاع على الأوراق الموجودة في الجمهورية اللبنانية. وبسبب كمية الأوراق في القضية التي يتم إجراؤها (…) انتقاء الأجزاء المهمة للقضية التي يتم التحقيق فيها في جمهورية ألمانيا المتحدة».
التحقيقات بسبب غسيل الأموال تجري وفق المادة 261 من قانون العقوبات الجنائية الألماني
اللافت في المراسلة أيضاً هو المناصب الرفيعة التي يتولاها المحققون الذين أورد رئيس النيابة أسماءهم في عداد فريق التحقيق (ليس مؤكداً ما إذا كانت الأسماء لا تزال كما هي)، ما يشير إلى الأهمية التي يوليها القضاء الألماني لهذه القضية، وجدية الارتكابات والتهم الموجهة إلى المشتبه في ضلوعهم فيها. فقد أشارت المراسلة إلى أن الفريق مؤلف من «موظفي النيابة العامة في ميونيخ 1 والدائرة الاتحادية للتحقيقات الجنائية في فيسبادن»، وهم «السيدة رئيسة النيابة العامة روته والسيد النائب العام ليبله رئيساً للمجموعة (النيابة العامة، ميونيخ 1)، السيدة رئيسة المباحث الجنائية الأولى ايهلينغ والسيد مفوض المباحث الجنائية كيسا (الدائرة الاتحادية للتحقيقات الجنائية، فيسبادن)».
كذلك تشير المراسلة إلى أنه «ينبغي أن تتم الرحلة إلى لبنان في إطار فريق تحقيق مشترك مؤلف من محققين من فرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا، بدءاً من 17/10/2022». وختم رئيس النيابة العامة بالتأكيد أن «القضية مستعجلة جداً نظراً للرحلة المخطط لها منتصف تشرين الأول 2022»، لذلك «أطلب من حضرتكم بكل أدب الجواب في أقرب وقت»، وهو ما لم تتم الاستجابة له، بطبيعة الحال، بسبب ما وصفته المصادر بـ«تسويف السلطات القضائية اللبنانية، أولاً بسبب ضغوط الحماية السياسية لسلامة، وثانياً حتى لا يتم الأمر قبل نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون».