وتم الاقتحام بعد أسبوع من تنصيب دا سيلفا ومغادرة بولسونارو البلاد باتجاه الولايات المتحدة بعد رفضه الإقرار بهزيمته أمام منافسه في انتخابات الرئاسة التي جرت على دورتين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ونقلت وكالات أنباء عالمية ومحطات تلفزيونية أن الشرطة في العاصمة البرازيلية برازيليا استعادت السيطرة على مبنى الكونغرس والرئاسة والمحكمة العليا بعدما اقتحمها آلاف من مناصري الرئيس البرازيلي السابق اليميني المتطرف جايير بولسونارو الأحد (8 يناير/ كانون الثاني 2023)، متسببين في الكثير من الأضرار، حسبما تُظهر صور تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي.
*إجلاء مثيري الشغب
وأخلت الشرطة مقرّ الكونغرس الوطني الأحد، بعد ساعات عدّة على اقتحامه من جانب أنصار بولسونارو. وحتى منتصف الليل بتوقيت وسط أوروبا كانت العمليّات لا تزال جارية لإجلاء مثيري الشغب من مقرّ المحكمة العليا وقصر بلانالتو الرئاسي، بحسب ما نقلت فرانس برس. واقتحم أنصار بولسونارو مدخل “الكونغرس” (مبنى البرلمان) وحطموا نوافذ واجهة المبنى، حسبما عرضت قنوات تلفزيونية برازيلية. وكان مئات المحتجين قد تقدموا في وقت سابق داخل أراضي البرلمان ووصلوا إلى سطح المبنى. واستخدمت الشرطة رذاذ الفلفل وقنابل الصوت إلا أنها لم تتمكن من وقف أنصار الزعيم اليميني المتطرف السابق.
وبعد اقتحام الكونغرس، تحرك أنصار بولسونارو إلى المحكمة العليا حيث حطموا نوافذ هناك ودخلوا البهو، حسبما أفادت شبكة “جي 1” الإخبارية. ثم دخلوا بعد ذلك إلى المقر الرسمي لعمل الرئيس حيث لوحوا بالأعلام البرازيلية وشوهدوا في التلفزيون وهم يتحركون في الممرات والمكاتب.
*الرئيس لم يكن في البلاد
ولم يكن الرئيس الجديد لولا دا سيلفا في برازيليا وقت وقوع الهجوم، حيث كان قد سافر إلى مدينة اراراكوارا لمتابعة استجابة الدولة للعواصف الشديدة في المنطقة. ويحتجّ هؤلاء المتظاهرون على عودة اليساري إيناسيو لولا دا سيلفا رئيسًا للبرازيل بعدما فاز على بولسونارو في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 30 أكتوبر/ تشرين الأول، ويروج هؤلاء إلى أن الانتخابات الرئاسية قد تمت سرقتها، فيما دعا المتشددون منهم علانية إلى انقلاب عسكري من أجل إعادة بولسونارو إلى السلطة، فيما يسعى البعض إلى بث الفوضى من خلال التخريب والهجمات العنيفة على أمل إثارة رد فعل عسكري.
*الهجوم على مؤسسات الدولة
الى ذلك، ذكرت صحيفة لوتان السويسرية -في تقرير لها- أن علامات استفهام كثيرة تحوم حول الجيش البرازيلي وأسباب عدم تحركه لإيقاف هجوم أنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو على مؤسسات الدولة.
وأضاف التقرير أن الجميع يعلم أن الجيش هو الذي كان بإمكانه شلّ حركة من قرروا مهاجمة مؤسسات الديمقراطية البرازيلية، لكن عدم تحركه يثير الكثير من التساؤلات.
وذكر التقرير أن محللين يرون أن عدم تحرك الجيش يرجع لرغبة قيادته في تعزيز موقفهم في المفاوضات مع الرئيس لولا دا سيلفا خلال مناقشة أوضاع الجيش، علما بأن تحركات أنصار بولسونارو بدأت في أكتوبر/تشرين الأول بقطع الطرق، ثم بتنظيم وقفات قبالة مقرات الجيش ظلت مستمرة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني، تظاهر آلاف من أنصار بولسونارو وطالبوا الجيش بالتدخل لمنع الرئيس المنتحب لولا دا سيلفا من تولي السلطة، وذلك بالتزامن مع استمرارهم في غلق الطرقات في أنحاء واسعة من البلاد.
* نازيون وفاشيون
وأمر الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا قوات الأمن الفدرالية بالتدخل لفرض النظام في العاصمة برازيليا، وتوعّد بمحاسبة المقتحمين الذين وصفهم بالنازيين والفاشيين. وقال دا سيلفا -في خطاب متلفز من ولاية ساو باولو- إن التدخل الأمني الفدرالي في برازيليا سيستمر حتى 31 يناير/كانون الثاني الجاري.
وأفادت وكالات بأن مكتب المدعي العام في البرازيل أصدر أمرا باعتقال وزير الأمن العام.
*موقف بولسونارو
ورفض الرئيس السابق بولسونارو اتهامات دا سيلفا له بأنه هو من حرّض على اقتحام مقرّات السلطة في برازيليا، وقال إنها اتهامات “لا أساس لها”. وأضاف بولسونارو -في تعليقات عبر تويتر- أن المظاهرات السلمية جزء من الديمقراطية، لكن أي اقتحام للمباني العامة يعدّ تجاوزا، بحسب تعبيره.
من جهته، قال وزير الداخلية والقضاء البرازيلي فلافيو دينو: إن السلطات ستوجه تهمة محاولة الانقلاب لمن شاركوا في الاقتحامات. وأضاف أنه قد تم فتح تحقيق للكشف عن جميع المتورطين في عملية الاقتحام، مشيرا إلى أنه سيتم تحليل كافة الصور للتوصل إليهم. وذكر الوزير أيضا أنه سيجري التحقيق في أداء حاكم العاصمة برازيليا “وما إذا كان تقصيره بسبب خطأ بشري أم بشكل متعمد”.
*اعتقال العشرات
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن السلطات اعتقلت 150 شخصا على الأقل من أنصار الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو. وأظهرت اللقطات بعض أنصار بولسونارو وهم يرتدون ملابس بألوان العلم البرازيلي يخرجون صفا واحدا وأيديهم خلف ظهورهم من قصر بلانالتو الرئاسي ويحيط بهم عناصر الشرطة، كما أظهرت صور أخرى حافلة مليئة بمتظاهرين معتقلين تغادر باتجاه مركز للشرطة. وأعلنت شرطة مجلس الشيوخ أنها اعتقلت 30 شخصا ممن اقتحموا مبنى الكونغرس. وبحلول الليل في العاصمة البرازيلية، بدا أن قوات الأمن تستعيد السيطرة على الوضع تدريجيا، وقد استخدمت خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين.
وبعد فوز لولا دا سيلفا بانتخابات الرئاسة بفارق طفيف، نظم أنصار بولسونارو احتجاجات وقطعوا الطرق في العديد من مناطق البلاد، في حين تم اعتقال رجل من أنصار المرشح الخاسر كان ينوي تفجير قنبلة. وكان دا سيلفا اتهم بولسونارو بتحريض أنصاره على العنف، في حين رفض الجيش دعوات مؤيدي الرئيس السابق لمنع تولي الرئيس الجديد السلطة في أكبر بلد بأميركا اللاتينية.
*العفو الدولية ورايتس ووتش تدعوان للتحقيق
الى ذلك، دعت منظمتا العفو الدولية (أمنستي) وهيومن رايتس ووتش للتحقيق في الهجمات والاعتداءات “الخطيرة” على المباني العامة في العاصمة برازيليا ومعاقبة المتورطين فيها، ومن ضمنهم المحرضون والمنظمون والممولون. وحثت العفو الدولية على ضمان إجراء “تحقيق سريع ونزيه وجاد وفعال” في الظروف التي أدت إلى الهجمات التي وقعت في برازيليا، من أجل تحديد ومقاضاة ومحاكمة ومحاسبة كل هؤلاء. كما طالت أمنستي بالتحقيق في تدمير الوثائق وانتهاكات أمن وسلامة الصحفيين الذين يغطون الأحداث وضباط قوات الأمن الذين هاجمتهم مجموعات من المدنيين. وأشارت إلى أن محاولات تدمير وأخذ معدات وكاميرات من الإعلاميين تعد “انتهاكًا خطيرًا للحق في حرية التعبير والصحافة”.
وقالت المنظمة إنه يجب التحقيق مع المسؤولين عن الأحداث ومقاضاتُهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.