الباحثة والأكاديمية اللبنانية "دلال عباس" للوفاق:

الشهيدان رئيسي وأميرعبداللهيان حملا القضيّة الفلسطينيّة إلى المحافل العالميّة

دلال عباس: خسرت إيران وخسر محور المقاومة رئيساً مثاليّاً ورمزاً لرجل الدولة والنظام والقانون والتّقى عاشقاً للقضيّة الفلسطينيّة وللمقاومة.

موناسادات خواسته

 

 

هناك بعض الأحداث تترك أثرا في الروح، وبعض الشخصيات تترك بصمات تجعلها خالدة في الأذهان، الشخصيات التي تُضحي بنفسها من أجل خدمة الشعوب والمقاومة، وهذا ما شهدناه بعد كارثة سقوط مروحية الشهيد رئيسي ورفاقه، والتي تركت أثرها ليس عند الشعب الإيراني فقط ، بل في محور المقاومة، ففي هذه الأجواء أجرينا حواراً مع الباحثة والأكاديمية اللبنانية الشهيرة الدكتورة “دلال عباس” التي ترتسم في سيرتها محطات أكاديمية وإنسانية نابضة بالعطاء، وواكبت رحلتها في التأليف والترجمة ثورات وانشغالات وكفاح وإصرار؛ فهي “الأم المعلمة والمعلمة الأم”.

 

 

 

لم يسعفها الوقت في قول كل ما أرادت قوله؛ ولها دور كبير في البحث والتأليف، ولها النظرة الإنسانية الكونية التي تجد في التلاقح الثقافي العربي الإيراني غنى فكريا كبيرا. وجدت في اللغة الفارسية وأدبها معيناً خصباً استقت منه شرارات إبداعها وتأليفها وترجمتها، فتحدثنا معها حول الشهيد رئيسي ورفاقه، وفيما يلي نص الحوار:

 

 

تعزية ومواساة

 

تبدأ الدكتورة دلال عباس حديثها بتقديم المواساة قائلةً: بسم الله الرحمن الرحيم.. “وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ، بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُون” (البقرة/154)؛ “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”(آل عمران/169).

 

لا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم وإنّا لله وإنّا إليه راجعون: نعزّي أنفسنا، ونعزّي  العالم الإسلامي والإنسانيّة جمعاء، ونعزّي الجمهورية الإسلامية قيادةً وشعباً بهذا المصاب الجلل، باستشهاد الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، وإخوانهم ومرافقيهم، وطاقم الطائرة التي كانت تقلهم.

 

 

طوى البلاد حتى جاءني خبرٌ / فزعت فيه بآمالي من الكذبِ

 

 

الإلتقاء بالشهيد رئيسي

 

وتتابع الأكاديمية اللبنانية حوارها حول مدى معرفتها بالشهيد الرئيسي وتقول: التقيتُ السيّد الشهيد رئيسي مرّتين في العتبة الرّضويّة المقدّسة:

 

– المرّة الأولى: في نيسان من العام  ٢٠١٨ م،  كنت  حينذاك مشاركة في ” المؤتمر التكريمي للمرحومة السيّدة نصرت أمين الإصفهانيّة: بانو أمين” ؛ كان  السيّد رئيسي حينها سادن العتبة الرضويّة؛ وكان  المؤتمر برعايته، مطّلعاً على تفاصيله كافّةً؛ أهديته كتابي “نصرت أمين عالمة مجتهدة في الزمان الصعب” وبعضَ كتبي الأخرى، تحادثنا وقال لي إنّه اطّلع على كتابي “بهاء الدين العاملي أديباً وفقيهاً وعالماً”، وأنّ عدداً من نسخ هذا الكتاب موجودة في المكتبة الرّضويّة… سألني عن الجامعة اللبنانيّة، وعن الأوضاع  في جنوب لبنان، كما سأل المشاركين الآخرين غير الإيرانيّين أسئلةً مشابهة، وعن دوافع مشاركتهم في المؤتمر، وتقويمهم له.

 

– المرّة الثانية: في المؤتمر العالمي الخامس للإمام الرضا عليه السّلام، في العتبة الرضويّة، المعنون: “الفكر الحضاري للإمام الرّضا عليه السلام العدالة للجميع، الظلم لا لأحد”؛ قدّم في اليوم الأخير، في ١٤ /٥/ ٢٠٢٤، محاضرةً عن الفكر الحضاري للإمام الرضا(ع) عن فلسطين وعن طوفان الأقصى وعن غزّة.

 

 

 إيران لا تساوم على مبادئها

 

وفيما يتعلق بالصورة التي رسمها الشهيد رئيسي عن إيران في المجتمع الدولي، هكذا تبدي عن رأيها الأكاديمية دلال عباس: رسم السيّد رئيسي في المجتمع الدّولي صورة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، المستقلّة، التي لا تساوم على مبادئها؛ مستخدماً لهجةَ تحدٍّ لأميركا، التي تربّى منذ أن كان فتًى على وصف الإمام الرّاحل قُدّس سرّه لها على  أنّها “الشيطان الأكبر” وتحدٍّ للكيان الصهيونيّ الذي يؤمن بأنّه لا شكّ زائل؛ وكان يرى أنّ الإعتدال لنيل الحقوق في ما يتعلّق بـ “الاتّفاق النّووي” رهانٌ خاسر، لأنّ الإستكبار العالميّ هدفه الدائم هو إخضاع الخصوم وتركيعهم وجعلهم يستجدونه، متنازلين عن حقوقهم الكاملة، من أجل جزءٍ يسيرٍ منها، لن يُعطى لهم؛ وكان يرى أنّ “عيش إيران لن يرتبط بإرادة الأجانب”… وفي الوقت الذي كان يعمل فيه في على معالجة المشاكل الإقتصاديّة الناجمة عن العقوبات المفروضة على إيران، بسبب دعمها للقضيّة الفلسطينيّة وقضايا التّحرّر، اتّبع في موازاة ذلك سياسة خارجيّة تقوم على التقارب مع دول الجوار لتحصين المنطقة التي صرّح مراراً أنّها تتعرّض لهجومٍ شرس، لا يقلّ سوءاً عن الغزو الصّليبيّ، يهدف إلى تفتيت المنطقة من خلال المؤامرات التي يحوكها بمختلف الوسائل.

 

 

الدبلوماسي المقاوم

 

أما حول الدكتور امير عبداللهيان ونشاطاته في مجال السياسة الخارجية بالمنطقة، تقول الدكتورة عباس: كان للمرحوم الدكتور أمير عبداللهيان باعٌ طويلٌ في العمل الدبلوماسي قبل أن يُعيّن وزيراً للخارجيّة في عهد الرئيس رئيسي.

 

عزّز أمير عبد اللهيان العلاقات بالمعسكر الدولي المناهض للولايات المتحدة الأميركيّة، واعتماد استراتيجيّة “التّوجّه شرقاً”، وعدم إغفال عامل التفاهمات الدبلوماسيّة في إدارة العَلاقات مع الولايات المتّحدة… أميرعبد اللهيان أو “الدبلوماسي المقاوم”، تولّى الأمانة العامّة لـ “المؤتمر الدولي لدعم الإنتفاضة الفلسطينيّة” في العام ٢٠١٦؛ وتوثّقت علاقته بقادة حركات المقاومة: “حزب الله” و “حركة الجهاد الإسلامي”، و “حركة حماس”، وكلنا شهدنا دوره التنسيقيّ بين تلك القوى عقب عمليّة “طوفان الأقصى”، وجولاته وأسفاره إلى البلدان المنخرطة في محور المقاومة، والمؤيّدة والداعمة لهذا المحور، بهدف مساندة غزّة؛ وسفره إلى قطر لتدعيم المقاربة الدبلوماسيّة لوقف العدوان على قطاع غزّة المحاصر.

 

 

 محور المقاومة يخسر رئيساً مثاليّاً

 

وعندما سألنا عن رأيها حول أن يقال ان الرئيس ووزير الخارجية لا يختصّان بإيران وحدها بل كانا رئيس جمهورية المقاومة ووزير خارجية المقاومة، قالت الدكتورة دلال عباس: منذ أن ولدا في الستينيّات من القرن العشرين كان الإمام الخمينيّ رحمة الله عليه قد أعلن أنّ القضيّة الفلسطينيّة هي القضيّة الأمّ للعالم الإسلاميّ، وهما قد تربّيا منذ نعومة أظفارهما على تعاليم الإمام وعلماء الحوزة المجاهدين، لذلك كان من الطبيعي أن تكون هذه القضية وما يتعلّق بها، ومقاومة العدوّ الصهيوني على رأس أولويّاتهما… لقد دعمت إيران  كل فصائل المقاومة بالتدريب والمال والسلاح طيلة العهود.

 

خسرت إيران وخسر محور المقاومة رئيساً مثاليّاً، رمزاً لرجل الدولة والنظام والقانون والتّقى، عاشقاً للقضيّة الفلسطينيّة وللمقاومة؛ وخسرت باستشهاد عبد اللهيان دبلوماسيّاً حذقاً؛ متفانياً من أجل الحق والقضيّة الفلسطينيّة والمقاومة… لقد حملا القضيّة الفلسطينيّة إلى المحافل العالميّة.

 

رحمة الله على الرجلين العظيمين، المؤمنين القويين، الصادقين المخلصين، السندين الأصدقين لفلسطين وشعبها، وغزة وأهلها، يقولان الحقّ ولا يخافان لومة لائم، ويصدحان بالموقف الصّراح فوق كلّ المنابر ولا يتردّدان، يدافعان عن شرعيّة المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن وحيث يوجد مسضعفون في العالم…

 

نسأل الله أن يرحمَ الشهيدان ورفاقهما برحمته الواسعة، ويغفر لهم جميعاً ويسكنهم فسيح جناته بحقّ محمد وآله الأطهار؛ ويعوّض الأمة الإسلاميّة والشعب الإيراني العزيز عنهم خيراً، رجالاً مثلهم، من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ يسيرون على نهجهم، ويحملون الراية عاليةً خفاقة من بعدهم…  فقدُهم خسارة كبيرة، لكنّ الجمهوريّة الإسلاميّةَ لن تضعف أو تتزلزل، فهي قد قامت لتبقى.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص