تذهيب الكتب.. فن عريق يكافح للبقاء في إيران

فن تذهيب الكتب أصبح حالياً ذا طابع رمزي ويتطلّب تركيزاً شديداً. ومنظمة اليونيسكو أدرجت فن تذهيب الكتب عام 2023 على قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

في وقت يمكن للذكاء الاصطناعي ابتكار عمل فني في بضع دقائق، يستغرق الإيراني محمد حسين أقاميري (51 عاماً) ستة أشهر من العمل المكثف لإنجاز منمنمة فارسية، مساهماً بذلك في استمرار تقليد إيراني قديم.

 

متكئاً على طاولة الرسم الخاصة به، يمارس أقاميري فنه بتركيز شديد، إذ يرسم منحنى رفيعاً بطلاء ذهبي مستخدماً فرشاة ذات شعيرات دقيقة للغاية.

 

يُعدّ محمد حسين أقاميري، أحد معلّمي تذهيب الكتب الإيرانيين، وهو فن يجمع بين الرسم وتزيين المخطوطات أو النصوص، إذ يحترفه منذ أكثر من 30 عاماً.

 

ووفق أقاميري “من المحتمل أن يكون هناك ما يقرب من عشرة محترفين ما زالوا يكسبون رزقهم من هذه الحرفة في إيران”، فيما هو يعمل بمفرده في ورشة هادئة بالقرب من وسط طهران، ويقول: “إنها مهمة فريدة للغاية، وتتطلب الكثير من الصبر والدقة، وهي ليست في متناول الجميع”.

 

يتطلب هذا الفن دقة فائقة، فأدنى خط ملتوٍ، حتى لو كان صغيراً، من شأنه أن يكسر التناغم المتماثل لـ “الشمسة” (تمثيل رمزي للشمس)، وهو عمل يبلغ قطره نحو 50 سنتيمتراً مع زخارف مجرّدة وهندسيّة وزهريّة متشابكة، وقد بدأ في إنجازه قبل أربعة أشهر ويخطط للانتهاء منه خلال “شهر ونصف شهر”.

 

يستخدم أقاميري للرسم أصباغاً طبيعية، مثل اللازورد أو الزعفران، والغواش، بالإضافة إلى الكثير من الذهب الخالص المستورد من الصين.

 

ويوضح أنّ “الذهب يتمتع بجاذبية بصرية كبيرة، وبما أنه باهظ الثمن، فإنه يعزز قيمة العمل في نظر المتفرج”.

 

ينحدر أقاميري من عائلة فنانين، ويقدّم نفسه على أنه وريث “للتقاليد الحرفية” المتجذرة بعمق في إيران، بما في ذلك الخط العربي أو المنمنمات أو السجاد المنسوج يدوياً.

 

وعلى غرار المنسوجات اليدوية، كان فنّ التخطيط المذهّب موجوداً قبل وصول الإسلام، في القرن السابع. وقد استُخدم هذا الفنّ لتجميل أشعار ونصوص الأساطير الفارسية التي يعشقها الإيرانيون – بحسب أقاميري – كما استعان الفنانون المسلمون بالتخطيط المذهّب لإبراز المصاحف.

 

يبيع الفنان أقاميري بعضاً من أعماله في إيران، لا سيما للمتاحف، لكن نشاطه يتركز بشكل خاص على دول الخليج، حيث يتزايد عدد محبي الفن الشرقي والإسلامي. كما أنه يقدم دورات في فن تذهيب الكتب عبر الإنترنت للطلاب المقيمين في الخارج، وخصوصاً في الولايات المتحدة.

 

وبعد أن شهد فن تذهيب الكتب عصره الذهبي في العصور الوسطى، أصبح هذا الفن حالياً ذا طابع رمزي أكثر.

 

وفي كانون الأول/ديسمبر 2023، سلّطت منظمة اليونيسكو الضوء على فن تذهيب الكتب من خلال إدراجه على قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وذلك بناءً على طلب دول عدة من بينها: إيران، تركيا، أذربيجان، وأوزبكستان.

 

 

المصدر: الميادين