عندما يهمل الوالدان طفلهما عاطفيا، ينشأ وهو مقتنع بأن مشاعره لا تهمّ، لأنه افتقد اهتمام أبويه بأحاسيسه في اللحظات التي كان يحتاج فيها إلى دفء تعاطفهما معه، ومن شأن ذلك أن يؤثر -بشكل مباشر- في شخصيته وسلوكياته مستقبلا.
ما الإهمال العاطفي للطفل؟
تعرّف المتخصصة النفسية الدكتورة جنا زعبلاوي الإهمال العاطفي للطفل بأنه فشل الوالدين في تلبية حاجات طفلهما العاطفية خلال السنوات الأولى، وتقول إن الإهمال العاطفي “ينطوي على تفاعلات عاطفية محدودة بين الأبوين والطفل. وهو شكل من أشكال سوء المعاملة النفسية، ويُعد من أكثر أنواع إساءة معاملة الأطفال انتشارا”.
وتشرح أن “هذا يحدث أيضا عندما يعرّض الوالد أو مقدّم الرعاية الأساسي الطفل للعنف المنزلي الشديد، أو يرفض طلب العلاج لمشكلات الطفل العاطفية، أو لا يوفر له البيئة المناسبة للنمو والتطور السليم”.
وأظهرت دراسات عدة أن الإهمال العاطفي قد يكون له تأثير سلبي أكبر على الصحة العقلية، مقارنة بجميع أنواع سوء المعاملة في مرحلة الطفولة، ويرتبط بالنتائج الجسدية والنفسية والتعليمية المضرّة، وفق زعبلاوي، مشيرة إلى أن ذلك يؤدي إلى زيادة اضطراب السلوك الداخلي والخارجي للطفل، فضلا عن تأخر نموه المعرفي والعاطفي.
وتضيف “عندما يدرك الطفل أنه يتم إهماله عاطفيا، فمن المرجح أن يصاب باضطرابات نفسية بمقدار الضعف مع بلوغه سن الخامسة عشرة، بما في ذلك تطوّر الاكتئاب والاضطراب الثنائي القطب، والقلق، واضطراب الهلع، والرهاب، واضطراب ما بعد الصدمة”.
أعراض الإهمال العاطفي
وعلى عكس الإهمال الجسدي أو الإساءة، لا تؤدي الأبوة المهملة إلى ظهور علامات خارجية، مثل الكدمات أو الإصابات. وتوضح زعبلاوي أن أعراض الإهمال العاطفي عند الطفل خفيّة، على الرغم من الاختلافات الفردية، إذ يميل الأشخاص المُهمَلون إلى إظهار أنماط سلوكية معينة.
أما علامات الإهمال العاطفي للطفل، فتظهر على النحو التالي:
- نمط التعلق المتجنّب غير الآمن، والتعلق غير المنظّم، وفي الحالات القصوى اضطراب التعلّق.
- إظهار أنماط السلوك السلبي والمنسحب والعدواني مع الوالدين.
- تأخر نمو الطفل وتطوّره.
- السلبية أثناء التفاعلات بين الوالدين والطفل، والغضب تجاه الوالد.
- التفاعل الاجتماعي الأقل إيجابية بشكل ملحوظ.
- التأخّر في تطوير اللغة.
- تجنب التفاعل مع الأطفال الآخرين.
- الصعوبة في نسج صداقات.
- مشكلات سلوكية، بما فيها أعراض اضطراب السلوك.
ما عواقب الإهمال العاطفي للطفل؟
وعليه، ترى زعبلاوي أن عواقب الإهمال العاطفي للطفل تكون وخيمة عندما يكبر. وتقول: “كل شخص تجربة وحياة مختلفة، فلا نستطيع أن نحدد المتضررين من الإهمال العاطفي كبالغين الآن بمجموعة واحدة”.
وبالتالي، يفضَّل مراجعة طبيب نفسي للتقييم الكامل والمساعدة بعد التشخيص. وبحسب التشخيص يتم وضع خطة علاجية، وعادة ما تكون دوائية ونفسية (جلسات نفسية) للمساعدة على تخطي آثار الإهمال العاطفي منذ الطفولة، لمساعدته في تحسين نوعية حياته وعلاقاته وتحسّن وضعه النفسي والصحي، بحسب زعبلاوي.
الدفق العاطفي المركز
يقول المستشار الأسري والتربوي الدكتور منير عقل إن إهمال الطفل عاطفيا في بيته أو مدرسته أو محيطه الذي نشأ فيه، سيجعله يتعلق بكل من يمنحه الحنان والعاطفة. وهنا يكمن الخطر، فقد يتلقى الطفل أسلوب حياته وربما معتقداته ومفاهيمه وطريقة تذوقه وحديثه ولغته من أشخاص أو جهات غير الأبوين، وفق المستشار عقل.